بقلم د. سهير عيد حبل المودة شبه متآكل بين جيل الآباء و أبنائهم ، و يبدو للعيان أن وجهات النظر بينهما ، لا مجال لأن تتلاقى أو تتناغم ، فلازال الكبار يبكون أطلال الماضي ، و الشباب متمسك بالمستقبل بعنف . كلاهما مستغرق في دفع الاتهامات عن نفسه ،و الحقيقة كما تبدو ، أن جيل الشباب يسعى جاهداً لإثبات ذاته،و لربما البعض يتخذ من أجل ذلك طرقاً ليست صحيحة ، و ثلة من جيل الآباء تخشى من فقدان الهوية ،لذا تجتهد في محاولة التقليل من شأن الشباب و انتقاد أعمالهم بشدة . نشأ آباؤنا في ظل جيل حمل الأدب فوق أكتافه،و بين أشجار العلم التي عرّشَتْ في كل الأنحاء استظلوا ،و على أيد أجداد حفروا الأرض و نحتوا الصخر بأظافرهم تعلموا،لكن جيلنا فقد نشأ في ظل التشتت بين إرث الآباء المفعم بالأدب و العلم و بين حاضر الغرب البراق،فهم جيل الكتاب، و نحن جيل التقنيات الحديثة بكافة أشكالها ، فكل شيء يبهرنا و يدفعنا للمضي وراءه ، بداية من عشرات المحطات الفضائية و الشبكة العنكبوتية ، و الإعلام الذي بات جاذباً لعقولنا و طموحنا ، بغض البصر إن كان إعلاماً هادفاً أم عكس ذلك ،فعصرنا عصر الصور المبهرة ، و التي لا تتيح لنا وقتاً للتفكير أو مطالعة صفحة واحدة ،بينما هم يحتضنون بين أيديهم كتب الأجداد ،بَيْدَ أنه على آبائنا ألاّ ينسوا الفرق الشاسع في النواحي المادية و الاجتماعية بيننا و بينهم ، فشتان ما بين الجيلين، فلماذا جُلهم مستمر في قطع حبال المودة فيما بيننا و بينهم ،لماذا لا يعطونا الفرص كما فعل لهم أجدادهم،الذين منحوهم إضافة للعلم عشرات الفرص ،دون أن يخشوا من التحول لضيوف شرف ، لكن أكثر أباءنا متمسك بأدوار البطولة ، و رافض لأدوار ضيوف الشرف ،لذا ينظرون إلينا بعين غير واثقة من خطانا ،و لو أهديناهم تجربة لنا، فجلّ ما يفعلوه هو أن يضعوها على الرف بعيداً جداً عن تجاربهم . من لا شيء ، من العدم، أتينا نحن و هم ، من العدم أوجد الله الكون و البشر ، فلماذا إذاً كل هذا التجاهل من ثلة لا يُستهان بها من الكبار ، فهل جاءوا من شيء آخر غير العدم ؟! ..