كنت أقلب في القنوات الفضائية وطبعا كعادة أي رجل أول ما ربنا يحكمه على الريموت كنترول بيفضل يقلب القنوات بشكل شبه هيستيري كما لو كان ذلك يشعره بالقدرة على التغيير... ولأنه يعيش هنا أي في مصر فتغيير القنوات هو فقط ما يمكنه تغييره وعليه توخي الحذر كيلا "تقفشه" زوجته يبتسم لمذيعة لبنانية أو فتاة كليبات استعراضية... فالتغيير يتوجب الحذر وتصنع الجدية ودعاء الوالدين. المهم استوقفني مشهد قديم "أبيض وأسود" لإمرأة تتأوه : أه رجلي بتوجعني ... رجل جاثيا على ركبتيه وحاملا قدمها بين يديه: هنا؟.... :لأ فوق شوية.... يرفع يديه لأعلى قليلا: هنا؟... لأ فوق شوية... وهكذا حتى يتضح لنا أن المشكلة في "زورها" والحقيقة ما كنت أفكر فيه وقتها لم يكن المشهد ذاته بل عجبت أشد ما عجبت على قدرة الفن على التعبير عن المجتمع أحسست المرأة تتحدث بلسان دولة راشد رشيدة تدرك ما تفعله فتعلن أن المشكله بقدميها وتخفي حقيقة انها "بزورها" أو ربما عملا بمبدأ حسن النية لا تعلم حقا أين تقع المشكلة لذا قررت البدء من الجذور... كما نبدأ دوما بتوحيد القطرين وبأن إخناتون هو أول الموحدين وطبعا بإعتبار أن الأنبياء من قبله لم يكونوا موحدين مثلا... أو إعلان خطة البطاقات الذكية لضمان وصول الدعم لمستحقيه... أو قرار إغلاق الأفران التي يقوم أصحابها بمخالفات طبعا بإعتبار أن الأفران مشروع لا علاقة له البته بعدد سكان المنطقة السكنية التي تخدمها وأن غلق أي فرن يؤدي بالضرورة لعجز في تلبية إحتياجات المنطقة المعيشية أو إعلان التصرف الحكيم بمنح سائقي القطرات هواتف محمولة للتواصل مع مراقبين الخطوط لتقليل الحوادث!!! وطبعا الأسعار لم ترتفع لأن "دي" هي الأسعار العالمية... وربما تلك القفزات الذهنية أوصلتني لمعرفة مفهوم العولمة والذي كنت اتصوره انفتاح ثقافي عالمي وفرص مفتوحة للعمل والتجريب وبالتالي نهضة للعلوم والفنون والآداب، كنت أظن أن "رجلها" هي اللي بتوجعها فعلا ويتضح لي في النهاية أن العولمة هي أن ندفع لمستثمري الدولة بالأسعار العالمية ويدفعون لنا بمتوسط دخل الفرد تحت مستوى القر في الدول النامية ويطلع في النهاية "زورها" اللي بيوجعها... وكعادة أي رجل "مصري" أسعدني استنتاجي وتذكرت أيام الجامعة حين كنت أشاهد مع زملائي أفلام يوسف شاهين بالتحديد وعند كل مشهد يقفز أحد المساطيل قائلا: "الرمز هنا عالي قوي" ولأنني الوحيد الذي لم يكن مسطولا ليس إحتقارا للمخدرات لا سمح الله ولكن لأني أغط في نوم عميق من أدوية الجيوب الأنفية فرسخ داخلي إعتقاد بأن المخدرات ستقتلني لو حاولت إختبارها... تذكرت أيام "الرمز العالي" وزادت ابتسامتي إتساعا وبدت السعادة على وجهي ولأنني لم أتوخى الحذر "قفشتني" مراتي مبتسم تلك الإبتسامه وأمامي الست هانم "اللي رجليها بتوجعها" وطبعا لازم زوجتي العزيزة تعلق على الموضوع : خير يا بابا ابسطنا معاك... " زادت إبتسامتي ونظرت لها بتأثر لم يخفي إبتسامتي الشقية : الرمز هنا عالي قوي يا حبيبتي" وإنفجرت في الضحك... وطبعا لم أسلم من تعليق المرأة التقليدي : "أه ما هو واضح" وكأي رجل عاقل في مثل هذه المواقف رفعت "الريموت" وبدأت في تغيير القناة وربما لأن نيتي كانت "بعافية" توقفت بالصدفة على لقطة في إعلان عن فيلم فقط سمعنا أربعة كلمات :أنت رمزي؟ ... :لأ واقعي... وكأن كل الفضائيات تآمرت ضدي... غيرت القناة بسرعة بعد ما نظرنا لبعض أنا وزوجتي وانفجرنا في الضحك وهي تقول :شكله يعرفك... المهم مررت مرور الكرام على "بوس الواوا" أصل لما كان أبيض وأسود وقالت "رجلي" طلع "زورها" يبقى لما يكون ألوان وتقوله بوس الواوا... طبعا لازم أغير القناة بسرعة قبل مالاقي واوا بنفسه في البيت جنبي... وتشاء الأقدار أن يرن جرس هاتفي فأترك "الريموت" لحظة لأنظر من الهاتف الداعي ووجد رقم لا أعرفه فلم أجيب رفعت عيني على أغنية تكاد تكون نقطة تحول في حياتي... تسمرت في مكاني أمام صوت غريب يصرخ أو يعوي لا استطيع تحديد الفرق فما سمعته كان مزيجا من كلاهما وغمرتي الكلمات "المرمزة" طبعا "ما أنا بقيت صاحب نظرية" –هاركب الحنطور دريجن دريجن ... واتحنطر... وكيلا أصاب بجلطة أو سكتة دماغية تركت ذهني لقفزاته ومرة أخرى وجد الفن معبرا ببراعة وعاكسا لوقع غير مرمز الكل راكب الحنطور ومتحنطر القرارات متحنطرة، السياسات متحنطرة، الأسعار متحنطرة، الشباب المتزوج متحنطر واللي عايز يتجوز أيضا متحنطر، الديمقراطية طلعت حنطور كبير ومحنطرة الكل، الشفافية حنطرة، وطبعا محدودي الدخل كانوا زبون الحنطور وأول المتحنطرين وبعدين تقريبا الطبقة المتوسطة أحست بغيرة من محدودي الدخل فبطلوا شغل وحدوا دخلهم واتحنطروا فغارت منهما الطبقة فوق المتوسطة وقررت الحنطرة وكلما اتسعت بؤرة عيناي رأيت الحنطرة بوضوح أكبر، ولم يفصلني عن قفزاتي الذهنية غير صوت زوجتي العذب طبعا : إيه اللي انت بتشوفه ده؟ معتقدش في أي رمز في الموضوع... قلتلها فعلا ده مش رمزي ده واقعي... وغيرت القناة لأتوقف عند الطبعة الأولى لأرى مدى الحنطرة ولم أعرف هل الحنطرة قرار أم إختيار... وفضلت أن تكون إختيار ونظرت لزوجتي بدون أي مبرر وقلت لها أنا قررت ردت: خير قلتلها " لن أبوس الواوا... ولن أركب الحنطور... ولن اتحنطر من يوميات حمار من مصر