بقلم : حسام فاضل حشيش عن دار اكتب للنشر والتوزيع صدر مؤخرا ديوان " في شوارع مصر" وهى التجربة الأولي في النشر للشاعر ربيع فرج الذي لم يسبق له إصدار أية دواوين شعرية برغم تجربته العريضة والكبيرة في مجال الكتابة الصحفية والدرامية تجربة ديوان " في شوارع مصر " تجربة تستحق الإشادة فقصائد الديوان قد لا ترهق القارئ برغم كونها ستدهشه المؤكد ستفعل ذلك وبمنتهى البساطة والتلقائية , إنها الكاميرا التي يحملها ربيع فرج خلال جولته في شوارع مصر .. إنها الملامح التي تشبهنا ونشبهها فنحن نرانا في كل مفردة من مفردات الديوان ونكاد نقسم أن هذه القصيدة كتبت لي أو عنى أو عن شخص أعرفه أو لحظة رأيتها ومرت بي بل أحيانا نتمنى أن نعيش بعض اللحظات التي يرسمها الشاعر بمنتهى الدقة كأنها سيناريو فيهتم بتفصيلات كل شئ : ملامح الشخوص ,الشوارع العمارات ,البيوت,العواميد ,أتوبيسات النقل العام , بنات المدارس , الموظفين , حتى طقوس الحضرة والموالد وما يحدث فيها من زحام وصخب وحالات الوجد والانتشاء الروحي .. إنها فعلا شوارع مصر التي نعيش فيها أو تعيش فينا يتكون الديوان من 21 قصيدة ويقع في 139 صفحة ويستمد الديوان عنوانه " في شوارع مصر " من جملة تمثل مطلع قصيدة بعنون " شوارع " في شوارع مصر في عز الظهر الناس بتدور على عناوين الضحكة في كل مكان في قصيدة الديوان الأولي وهى بعنوان " زحمة " .. يتبنى الشاعر وكما في أغلب قصائد الديوان البناء الدائري فالقصيدة تبدأ : كان يا ما كان تحت مبنى قديم في وسط ميدان بنوته واقفة في عز البرد بتفرك ايدها وتنتهي القصيدة بنفس الكلمات كما ابتدأت كأن الشاعر يتعمد هذه الدائرة التي تدل على ديمومة الحدث واستمراره باعتيادية يومية فهو ذات الحدث يحدث يوميا كأن لا شئ جديد يحدث فتظل البنوته تنتظر حبيبها في عز البرد بينما آخر يسأل عن عنوان قديم في عمارة قديمة والرجل الأسمر " المتسول " يمد ايده يقول " لله " بينما تطل سيدة أخرى تمثل المال والجاه التي عبر عنها بالخواتم اللي في ايدها تشترى قوت وبيوت للمتسول وتأخذنا الزحمة لصوت سواق التاكسي والبياع وأتوبيس الهيئة بما يحويه من تكدس بشرى وهرج ومرج ومواقف يومية هي ذاتها الحدوتة / المشهد هذا الموت اليومي ما أن ينتهي حتى يبدأ من جديد في بناء دائري يوجد في أغلب قصائد الديوان إنها منهجية يتكأ عليها ويتبناها الشاعر في معظم قصائد الديوان وفي قصيدة " رصيف " .. امتداد لمشهدية الزحمة ونفس البناء الدائري الذى تحدثنا عنه ولا يخفي علي فطنة القارئ فوق الرصيف واقف ضعيف خايف تعدى من زمان مع ان صاحبك نفس صاحبك والشوارع والبيبان .. والملاحظ داخل الديوان أن عنوانين قصائد الديوان ال21 كلها كلمة واحدة (زحمة – رصيف – شوارع – راحة – مغربية – ميدان – دمعة – روح - مولد ) عناوين من كلمة واحدة كأنما يريد التأكيد على عمومية الكلمة وتجريدها فهي لا تحمل خصوصية لفرد معين أو حدث معين بقدر ما نشعر بأننا مشاركون في هذا الحدث فقد مر علينا أو كنا أبطاله أو شاهدناه وهذا هو سر هذه التجربة الخاصة والمميزة " في شوارع مصر " روح واحدة تسيطر على الديوان واتجاه واحد فتشعر كأن الديوان كله عبارة عن قصيدة واحده تحمل عدة عناوين فرعية وفي قصيدة " راحة " وهى من أعلي وأثرى قصائد الديوان من حيث حالة الوجد والتصوف والانتشاء الروحي المسيطرة داخل القصيدة فدروشة العاشق المحب التي لا يشبه في حبه أحدا آخرا وسبحته وروحه الحنونة على محبوبته حتى وإن كان حنو بقسوة على محبوبته / وطنه مفردات وكلمات الديوان كلها غاية في البساطة لكنها البساطة المدهشة فأغلب القاموس الذي يستخدمه الشاعر هي عبارات وكلمات ( بيوت – قديم – ناس – حلم – زحمة – روح – دمعة – حواري – بنات – ليل- أتوبيس – غلبان – وشوش ) ومن ملاحظات داخل الديوان أن الشاعر لم يستخدم أسماء داخل قصائد الديوان باستثناء اسم فيروز ( المطربة فيروز ) وقد أتى به 8 مرات في قصيدة واحده في قصيدة " مالك " يصر الشاعر على بنائه الدائري وموسيقاه الخاصة وإتكائه عليها بانسيابية لم تقيده هذه الموسيقي والغنائية البارزة داخل القصيدة بانتقاء كلمات معينة تنتهي بنفس قافية ووزن ما قبلها .. فلا يكاد القارئ يشعر بذلك ولا بوجود نتوء لغوى بارز داخل القصيدة أو داخل الديوان ككل بل تأتى القصائد كلها تلقائية انسيابية برغم ما تتركه من دهشة لدى القارئ " مالك بقالك أهل وناس وممالك مالك شالك ساب طار مع نظرة عين البكر بكارك فض وفاض على حالك مالك هي تجربة تستحق منا الإشادة والتوقف عندها كثيرا لكونها غاية في الخصوصية والثراء اللغوي فبعيد عن التصنع والفذلكة والنحت اللغوي الذي يقع فيه بعض الشعراء صنع ربيع فرج قاموسه الخاص وهو قاموس برغم بساطته وتلقائيته أتى مدهشا إلي حد كبير وكاشفا وراصدا بكل وعى لما يدور في شوارع مصر .