بقلم د. عادل عامر أماإذالم يعدل: أما إذا حاد عن طريق الحق، واتبع أهواء النفس، واستغل منصبه لتقريبالأنصار ولو كانوا بلهاء، وإبعاد الخصوم ولو كانوا أكفاء، فكل الناس أعداء له،وأول أعدائه في الحقيقة أولئك الذين يدوس حرمة القانون ليقربهم إليه، وليحقق لهمأغراضهم ومصالحهم. وبذلك اعتاد الشعب خلال ربع قرن كامل أن ينفر من كل حكومةقائمة، ويرى في كل قانون تسنه قيداً جديداً ترهق به ماليته وحريته وكرامته. وذلكيوم كان المستعمر الراحل هو الذي يعين الحكام، وهو الذي يؤلف الوزارات، وهو الذييأتي إلى الحكم برجال لا تعترف الأمة لهم بفضل ولا بوطنية ولا بإخلاص، وأصبحالتذمر لنا عادة دائمة، والشكوى من رجال الحكم نغمة مستحبة حتى بعد قيام العهدالوطني، ولم يكتب لنا في التاريخ أن تمتد الأيدي بعضها إلى بعض فتنطلق متعاونة فيالبناء، متفاهمة على الخير، واستمرت الجفوة حتى وصل الأمر بنوابنا أن يتراشقوابالتهم في ندوتهم، وأن ينقلب سلاحهم إلى تهديد بالمسدسات، وهجوم بالكراسي، وغيرذلك مما أخذ الناس يقرأونه في صحفهم عن مجلسهم النيابي في آخر حياته، وإنها لعمرالله مأساة تتفطر لها القلوب!. من المسؤول عن ذلك؟ أهي الحكومة؟ نعم! ونقولها بكلصراحة. أم هو الشعب؟ نعم! ونقولها بكل وضوح. فالحكومة مسؤولة لأنها لم تحسن تصريفالأمور في كثير من الأحيان، ولم تستطع أن تكون جريئة في الإصلاح، ولا واضحة فيالإدارة، ولا متخلية عن أهواء بعض وزرائها الذين أصبحت خطتهم مثلاً سائراً يتحدثبه الناس في مجالسهم. فهل نعجب بعد ذلك إذا ارتفعت الشكوى بحق وبغير حق من فسادالأوضاع، واختلال النظام، وتشجيع الخونة والعجزة، وإقصاء الوطنيين والأكفاء،والاستهانة بمالية الأمة ومقدرات الوطن؟ وقد تكون الحكومة معذورة في بعض، وقد تكونمجتهدة فأخطأت الطريق، وقد تكون لها سياستها التي دقت عن أفكار الشعب! ولكن الأمةلا تعذرها في ذلك كله ما دام تصرف بعض المسؤولين فيها تصرفاً كيفيًّا ينبو عنقواعد الدستور، ومبادئ العدالة، ومتعارف الناس في أخلاقهم وعقائدهم. ومندعا الناس إلى ذمه ذموهبالحق وبالباطل وأماالشعب: فهو المسؤول أيضاً؛ لأنه لم يحسن اختيار نوابه والمتكلمين باسمه في المجلسالنيابي، وحسبك أن تلقي نظرة على مجموعة النواب الحاليين لتحكم بكل تجرد وإخلاص:هل هؤلاء في مجموعهم يمثلون إرادة الأمة ووثبتها ونهضتها ومطامحها ورقيها؟ إن فيالمجلس النيابي عدداً من الأكفاء، وفيه من المخلصين من لا ننكر إخلاصهم، ولكن فيهعدا عن ذلك من لا كفاءة لهم إلا جاههم ونفوذهم، ومن لا تؤثر عنه كلمة واحدة فيالمجلس من أولى جلساته إلى آخرها. ومن إذا تكلم لا يحسن الكلام، ولا يضبط أعصابه،ولا يعرف كيف يسلك سبيل النقاش وطرائق الهجوم والدفاع! هذه حقيقة واقعة قد يسكتعنها بعض حملَة الأقلام؛ إما مجاملة، وإما خوفاً، وإما طمعاً! والذي أدى إلى أنيكون مجلسنا النيابي بهذا الشكل هو الشعب الذي رضي أن يكون فريق نوابه على ذلكالطراز! وقد يكون الشعب معذوراً ما دام النظام الانتخابي على قواعده الحاضرة التيوضعها المستعمرون! ولكنه غير معذور في حالتين: في سكوته اليوم على هذا النظامالفاسد، وفي سكوته عدا عن عمليات اللف والدوران التي يقوم بها المرشحون للنيابة معفريق من المنتخبين الثانويين إذا بقي هذا النظام قائماً! إن الشعب هو المسؤول؛لأنه هو الذي يجب أن يختار نوابه، فإذا شكا اليوم وتألم فليظهر غداً إرادتهالواضحة في إقصاء من يتألم منهم وإبقاء من رضي عنهم، أما الشكوى في الأنديةوالأسواق والشوارع، ثم السكوت وقت الانتخابات، أو المجاملة والرضوخ لإرادةالمتنفذين؛ فتلك علامة الموت، وتلك خطة الشعب الذي ابتلاه الله بالثرثرة وطولاللسان، والتقصير في الأعمال الصالحة في كل ميدان. وما دامت قواعد الانتخاب علىشكلها الحاضر، وطرق النيابة على ما اعتاد الناس رؤيته في كل دورة انتخابية، فسيمثلالأمة من لا تريده الأمة، وسيحكم فيها من لاي يحسن الحكم، وستزداد الأوضاع سوءاً،والبلاد اضطراباً، وستكون الفرصة مواتية لبعض المغرضين أن يستغلوا نقمة الأمة منأشخاص فيحولوها إلى أن تكون نقمة من حكم، وغضباً على عهد، وحنيناً إلى أيام سوداءرأت فيها البلاد ألواناً من النكال والمآسي والنكبات. الطريقة الوحيدة لاستقامةالأمور: أن يترك الشعب حرًّا في إختيار نوابه مباشرة، وسيقول بعض الناس: أليسالشعب الآن حرًّا في اختيار نوابه مباشرة، ونحن نحيلهم إلى الخزائن التي تفتح،والولائم التي تقام، والوعود التي تعطى، والمؤامرات التي تحاك! ليروا إن كان هنالكشعب ينتخب أم أفراد يتآمرون!. بلى إنها الأمة! هي هذه الأمة التي تهرع إلى المساجدوالأندية لتسمع إلى من يبصرها بعيوبها، ويزيل الغشاوة عن عيونها!. هي هذه الأمةالتي تبكي حين يتلى عليها أمر من الله تركته، أو تحذير من رسول الله صلى الله عليهوسلم عصته، أو حوادث تاريخ سلفها الصالح الذي نسيته!. هي هذه الأمة التي لا يختلفعامتها عن خاصتها في فهم العلل التي أنشبت مخالبها في مجتمعنا فشلّت حركته وعاقتتقدمه، بل لا يختلف عامتها عن خاصتها في معرفة الدواء ولكنها تنتظر الأطباء!. هذههذه الأمة التي يثيرها نداء، ويبعث حميتها تاريخ، ويسيل عبراتها ماض زاهر، وحاضرثائر، ومستقبل حائر!. هي هذه الجماهير التي رأيتها تتدافع بالمناكب شيباً وشباباً،فلاحين وعمالاً، علماء وجهالاً، إلى الأماكن التي تدعى إليها، فإذا هي كالأرضالعطشى تنتظر الماء، بل كالجسم المريض يرجو الدواء، بل كالجنود المشتتين يتطلعونإلى القائد. إنها أمة لو وحدت قائدها لزغردت أمجادها!. لا تستطيع وأنت تشهد بواكيرالوعي الاجتماعي تتجلى في تلك الاجتماعات والحفلات إلا أن تتساءل: لماذا لا تستقيمأمورنا الداخلية حتى اليوم؟ أهو إعراض من الأمة أم تقصير من القادة؟ أما هذه الأمةفالله يعلم وقادتها يشهدون أنها ما قصرت في بذلٍ، ولا ونت عن مساعدة، ولا تلكأت عنتضحية، ولا أصمّت آذانها عن نداء، أفرأيت لو أن قادتها الذين قادوها في ميادينالنضال السلبي أرادوا أن يقودوها إلى معركة الإصلاح الإيجابي، أكانت تعرض عنهموتتخلف؟ أوَمِنَ المعقول أن تجيبهم في الحرب ولا تجيبهم في السلم، وأن تمشي وراءهمفي الموت، ولا تسير معهم للحياة، وأن ترضى بالخراب والدمار والمنافي والسجون ثم لاترضى بالبناء والاطمئنان، والإصلاح والعمران. لا! ليست العلة من هذه الأمة ومناتهمها بذلك فقد جحد فضلها، أو جهل حقيقتها، ولكنما العلة من هؤلاء القادة؛ لميكادوا ينتهون من النصر حتى ركنوا إلى اللذة والنوم، فمن طالبهم بالعمل أنكرواقصده، ومن ناقشهم الحساب أحالوه إلى الماضي، ومن رغب منهم الجد والاستقامة رموهبالبله والجمود!. ومن عجبٍ أنهم وقد نسوا هذه الأمة في وقت الظفر فلم يذكروا إلالهوهم ومنفعتهم ونيابتهم وضمان مصالحهم، ما يزالون حتى الآن يمنون بأنهم لهايعملون، وفي سبيلها يسهرون، ولسعادتها يحكمون!.. والأمة تستمع إليها في هذهالدعاوى فيذهلها البهتان، وتؤلمها المراوغة ويحز في نفوسها تنكب السبيل! أمن أجلالأمة هذه المؤامرات لا المؤتمرات؟! ومن أجلها تلك الحفلات والرحلات؟ أو من أجلهاتلك الأندية والمقامر والليالي الساهرات؟ ومن أجلها تلك القوانين التي تداسوالدستور الذي ينتهك، والرشوات التي يغضى عنها، والمحسوبيات التي تقرب الأغنياءوتبعد الأكفاء، وتعطي الأشرار وتحرم الأخيار، وترفع الخونة وتنسىالمخلصين؟!.مسكينة هذه الأمة! عليها الغرم في أموالها وديارها وراحتها وثقافتهاوعقيدتها، ولبعض الناس الغنم من أموال الدولة وجاهها ونفوذها وكبريائها.. ولهمالسلطة المطلقة في أن يفسدوا ما شاءوا من عقيدتها وثقافتها وأخلاقها وتقاليدها!. الدكتور عادل عامر خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية محمول 0124121902