تسرع يوم أن امسك يدها وأطلق العنان لصراخ قلبه معلنا لها انه ذاب في عشقها .وان حياته بدونها لن تدوم .كمن اقتص من عمره دهرا قضاه علي الانتظار.جاءت لتلهمه بالبوح فأفاض لها ماعجزت الأقدار عن منحه له. يقف الآن مبتسما تكاد نظراته تلتهم المتواجدين علي محطة المعسكر .ينظر بشغف إلي الترام وهو يعبر إلي محطة الابراهيميه باتجاه سيدي جابر .ينتظر بشوق ورهف قدومها.عينيه تتجه صوب محطة ألشاطبي منتظر القطار القادم .يلتفت للعمارات الملاصقة للمحطة .يلمح حتى الملابس الممتدة طائره تحلق فوق أحبال الغسيل , تداعب الهواء تكاد تنفك من مشابكها.ويتابع كشك الجرائد وحركه الصعود والهبوط من سلم المحطة الي الشارع الملاصق لشريط الترام الصاعدون الي كامب شيزار باتجاه سينما اوديون والهابطون من درجات السلم قادمون من سوق شيديا محملين بأكياس الخضار والفاكهة واللحوم لم يلحظ توقف القطار بعد المحطة عند انتهاء شارع لاجيتيه, لعطل مفاجئ في سنجه الكهرباء اعلي القطار .ولما رأي تجمهر الركاب علي شريط القطار أيقن أن ارتباكا ما سيحدث وان تأخرها عن الوصول كان عذرا قهريا وليس متعمدا .جلس علي المقعد الأسمنتي الملاصق للحائط واخرج علبه سجائره ليشعل أول سيجاره كان يتمني ان يقابلها ورائحة فمه ليس بها هذه النكهة الغريبة فمذاق السجائر أزال رائحة النعناع الذي ابتلع منه خمس حبات أثناء الانتظار. كان يحلم ان يضم يدها إليه ويتهادى معها بالخطوات في اتجاه شارع البيرة . يمر بجوار شارع المواساة ثم يسيرا بمحاذاة كليه الهندسة إلي ميدان الساعة ويفترشا ارض الحديقة .قد تمنحه قبله ارتواء .مني نفسه كثيرا بها .واشتهي لمسه يدها .متذكرا سمار خديها ولون شفتاها البني وهي تقطر شهدا لم يذقه بعد .كان يري الواقفات شبيهات لها ..هذه اقصر هذه أطول .مر وقت طويل قبل ان ينتبه ان مرور القطارات أصبح عاديا وان المحطة فارغة من الركاب لارتفاع حرارة الجو في شهر أغسطس .قاربت الساعة الثانية ظهرا وهو يمسح عرقه بأخر منديل ورق لم يلقه في سله المهملات احتفظ به مطويا بيده .تململ في جلسته وبدأ يترنح من حرارة مابه من قلق .وقف منتفضا لمرور امرأة تشبهها ولكنه تراجع عندما رأي نظارتها السميكة .ان مرور أربع ساعات انتظار قهرا ليس بعده قهر .عليه ان يغادر .صعد السلم اتجه الي الكورنيش .يلاقيه هواء البحر برائحته الجميلة يداعب العرق المتساقط من جبهته فيحس بالانتشاء . بدا البحر أمامه ممتدا الي اللانهائي وعلي سور كازينو الشاطبي جلس وحيدا يلعن تأخره لهذا العمر حتي ينتظر مره أخري مرور قطار الحب علي دربه المكفهر والمزدحم بالآهات والحسرات .وحيدا جلس يشاهد العابرون من نفق الابراهيميه ويتابع السيارات المسرعة باتجاه مكتبه الاسكندريه تبدو الحياة أمامه كلها عاديه رتيبة لم يتغير سوي خطوط المرور الصفراء علي ارض الشارع .