في جو احتفالي يثير الشفقة أعلنت القيادات العليا في ماسبيرو عن تعاقدها مع وكالة إعلان لإطلاق برنامج «توك شو» هذا الإعلان يمثل في ذاته سقوطاً مهنياً مروعاً، أما التفاصيل فحافلة بكم هائل من العبث المهني والفساد المالي والإهانة البالغة للإعلاميين في ماسبيرو. أولاً: اقتطاع شركة إعلانات مساحة زمنية في أفضل ساعات المشاهدة لتكون هذه الشركة هي «الجهة المهيمنة» علي مضمون هذا البرنامج يمثل أبشع الجرائم المهنية الفاضحة بكل المعايير المهنية المحترمة للإعلام التي تحذر بكل قوة من سيطرة «الإعلان» علي «الإعلام». ثانياً: يبدو أن قيادات ماسبيرو الذين اتخذوا هذا القرار لا يعرفون معلومة بديهية تتحدث عن هدف الدولة - أي دولة - من إطلاق إعلام تملكه الدولة، هذه المعلومة التي استقرت لتصبح أحد البديهيات في مهنة الإعلام تقول إن إعلام الدولة هو إعلام خدمة عامة لا تهدف للربح، وهدفه تلبية حاجات الجماهير في تدفق حر للأخبار وفي تقديم المعلومة الموثوقة وفي طرح القضايا التي تهم الجماهير العريضة لحوار موضوعي تتكشف من خلاله الزوايا المختلفة لكل موضوع. ثالثاً: علي ضوء هذه البديهية هل يتصور عاقل أن تسمح وكالة الإعلان المهيمنة علي البرنامج أن تناقش بحرية وموضوعية قضايا تمس مصالح الشركات والمؤسسات التي تعاقدت معها وكالة الإعلان صاحبة البرنامج؟.. يعرف من يملك الحد الأدني من العقل أن الشركات والمؤسسات التي تعاقدت مع الوكالة صاحبة البرنامج لن تسمح ببث أية أخبار - مهما بلغت أهميتها للجمهور - إذا كانت هذه الأخبار أو المعلومات تؤثر سلباً علي هذه الشركات والمؤسسات.. وفي نفس الوقت تبث الأخبار والمعلومات - حتي لو كانت صحيحة - إذا كانت تصب في اتجاه الترويج لهذه الشركات والمؤسسات. وهذا ما يتنافي تماماً مع واجبات «إعلام الدولة» باعتباره إعلام الخدمة العامة المكرس لخدمة الجماهير. رابعاً: يعلن المسئولون عن هذا البرنامج دون الشعور بأي خجل من العدوان الصارخ علي القواعد والمعايير المهنية أن الحكومة سوف تسهم في تمكين هذا البرنامج من «احتكار» الأخبار المهمة.. واستضافة الوزراء وكبار المسئولين مهدرة بشكل خطير أحد أهم مبادئ «حرية الإعلام» التي تؤكد التعددية والتنافس الحر بين وسائل الإعلام المختلفة، وفي نفس الوقت فإن هذا الاحتكار الساذج سيكون له رد فعل سلبي للغاية في مدي ثقة الجماهير بهذا «الإعلام الحكومي»! خامساً: تدخل رئيس الوزراء في أمور «مهنية» وفنية تتعلق بأسلوب تقديم المحتوي الإعلامي «حسب ما نشر بصحيفة الشروق يوم الجمعة 11/12/2015» والرجل - أي رئيس الوزراء - لم يدع يوماً أنه خبير إعلامي، هذا التدخل يعزز الإحساس بأن إعلام الدولة قد تحول إلي «إعلام الحكومة». والكارثة أن ما طلبه رئيس الوزراء بضرورة وجود برنامج «توك شو» ضخم علي شاشة التليفزيون المصري يستعيد من خلاله ماسبيرو موقعه كإعلام رائد «وهذا نص ما نشر» ما طلبه رئيس الوزراء يأتي في وقت يعرف خبراء الإعلام أن برامج «التوك شو» بدأ بريقها يخبو، وبدا الإعلاميون المتميزون من نجوم هذه النوعية من البرامج بدأوا في البحث عن أشكال ومضامين جديدة. والكارثة تتضخم عندما يسارع رئيس الاتحاد بتنفيذ المطلوب بمنطق «حاضر يا أفندم وأحلام سيادتك أوامر»، فالمفروض أن رئيس الاتحاد هو «الخبير الإعلامي» المفترض أن يكون هو صاحب الرؤية في اختيار الأسلوب الأمثل للخطاب الإعلامي ونوعية البرامج التي تحقق أهداف إعلام الدولة. وتخلي رئيس الاتحاد عن مسئولياته واقتحام رئيس الحكومة لمجال فني ومهني ليس مؤهلاً له يؤكد أن ماسبيرو قرر نهائياً أن يكون «إعلام الحكومة» وليس «إعلام الدولة»، وهذا الوضع هو ما أفقد ماسبيرو ثقة الجماهير. أخطر فساد مالي أما الفساد المالي فقد بلغ درجة بالغة الخطورة لأنه بدأ بعملية تحايل بائسة هدفها «إخفاء» تعامل اتحاد الإذاعة والتليفزيون مع صاحب شركة إعلانات هرب منذ سنوات إلي لندن، وهو مدين بعشرات الملايين من الجنيهات للاتحاد، ثم عاد من فترة بعد تسوية مديونياته مع صحيفة «الأهرام»، باتفاق شابته شكوك في فساد ورفض رئيس مجلس إدارة الأهرام الحالي، هذه الصفقة وحصل الأهرام فعلاً علي حكم بكامل مديونياته ويواصل تحصيلها. أولاً: اتحاد الإذاعة والتليفزيون موقفه غاية في الشذوذ والغرابة.. فقد صرح صاحب الشركة المدينة «إيهاب طلعت» بأنه اتفق مع المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء آنذاك علي تسوية مضحكة لا يسدد بموجبها تسعين مليوناً من الجنيهات هي مديونية الاتحاد، بل يتعاقد مع الاتحاد علي عقود إعلانية جديدة يسدد منها بعض هذه المديونيات. وللعلم.. فمازال إيهاب طلعت مديناً للاتحاد بهذه الملايين.. ولهذا فقد تنبه المسئولون في الاتحاد إلي أن التعاقد مع إيهاب طلعت وهو مازال مديناً بهذه الملايين يمثل «فضيحة مدوية» ولهذا فكر مهندسو الفساد في حيلة غبية بالتعاقد مع شركة اسمها «بلاك آند وايت» علي أن يكون السيد إيهاب طلعت وشركته «برومو ميديا» هو الشريك الحقيقي «ولكن من الباطن ظاهرياً». والفساد علي هذا النحو «فساد مركب» وبشع لأنه يتم باصطناع أوضاع قانونية خادعة لتمرير الاتفاق الحقيقي من جهة مدينة بعشرات الملايين للاتحاد. ليس ما ذكرته استنتاجاً، لكنه معلومة نشرتها جريدة «الشروق» بتصريحات لمسئولين في الاتحاد وأنقل نصاً ما تم نشره. كشفت مصادر في ماسبيرو عن التغيير التكتيكي الذي حدث خلال الأيام الأخيرة الذي بموجبه وقعت شركة «بلاك آند وايت» التعاقد مع التليفزيون لضمان حقوقه وتظل «برومو ميديا» حاضرة في الخلفية، من خلال تعاقدات إعلانية مع «بلاك آند وايت». هذا التصرف وحده كفيل بأن يدين كل من ساهم في ترتيب هذه الحيلة التي تجعل اتحاد الإذاعة والتليفزيون يتعامل مع جهة مدينة له بأكثر من تسعين مليوناً من الجنيهات لم تسددها، وفي نفس «النشاط» الذي تراكمت منه هذه الديون.. ثم يحاول إخفاء هذا التعامل بالتعاقد مع «واجهة» تختفي خلفها الجهة المدينة ظاهرياً لكنها حسب تصريح مسئولي الاتحاد، تظل حاضرة في الخلفية! ثانياً: في مثل هذه التعاقدات، المفروض أن يتم طرح الموضوع في مزاد بين الشركات المتخصصة في نفس «النشاط» وهو الإعلانات علي شاشات التليفزيون. فهل أعلن الاتحاد عن مثل هذا المزاد؟.. أم أنه أسند المهمة بتعاقد مباشر، مخالفاً بذلك القواعد العامة التي تحكم مثل هذه التعاقدات؟ والسؤال الثاني هو ما سابقة الأعمال في المجال المتعاقد عليه لشركة «بلاك آند وايت»؟.. وسابقة الأعمال تعتبر دائماً أحد أهم العناصر التي يتحتم توافرها في مثل هذه التعاقدات. وأبادر فأؤكد أن هذه الشركة الواجهة «بلاك آند وايت» لم أر لها نشاطاً علي شاشات القنوات الشهيرة أو حتي متوسطة الشهرة، وأؤكد هذا بضمير مستريح لأنني بحكم اهتماماتي أتابع يومياً عشرات القنوات المصرية والعربية. إهانة الإعلاميين في ماسبيرو أما الكارثة الأكبر فهي «إهانة» جميع الإعلاميين بماسبيرو، فلم يزل ماسبيرو يضم كفاءات إعلامية متميزة، ورغم ذلك نجد أن شركة الإعلان «فرضت» أسماء عدد من مقدمي «برامج التوك شو» العاملين في فضائيات خاصة ليقدموا هذا البرنامج، وتواضعت الشركة فقبلت أن تفحص ملفات بعض «المذيعات» لاختيار مذيعتين تعملان «سنيدة» لمقدمي البرامج الأصليين. ومع كل الاحترام للأسماء التي أعلنت شركة الإعلانات عن إسناد تقديم البرنامج لها، فإنني أري أن اختيار أسماء من خارج ماسبيرو يمثل «إهانة» قاسية لجميع الإعلاميين في ماسبيرو، وبينهم كفاءات متميزة تنتظر فرصة مناسبة للتألق. وإذا جاء المسئولون في ماسبيرو بالقول بأن الإعلاميين في ماسبيرو أقل كفاءة، فهذا اتهام واضح لقيادات ماسبيرو وليس للإعلاميين لأن مهمة هذه القيادات هي تأهيل الإعلاميين في ماسبيرو ليصلوا إلي مستوي الكفاءة والتميز الذي يؤهلهم للمنافسة، وإن كنت أعيد التأكيد علي أن ماسبيرو مليء بالكفاءات الإعلامية التي تنتظر الفرصة المواتية لإبراء كفاءتها وتميزها. وفي هذا السياق فإنني أدين بكل قوة استقدام أي إعلامي من خارج ماسبيرو لتقديم برامج علي شاشته. وأذكر الجميع بأن ماسبيرو كانت دائماً الأرض الخصبة التي أنبتت نجوم الإعلام الذين نهضوا بشاشات التليفزيونات المصرية الخاصة والعربية.