«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



4 بدائل لحل مشكلة ملف «النهضة» قبل اللجوء لمجلس الأمن
نشر في الوفد يوم 06 - 12 - 2015

«يقتل القتيل ويمشي في جنازته» - هذا - المثل ينطلق شكلاً ومضموناً على المفاوض الإثيوبي، فهو يخوض مفاوضات ماراثونية مع مصر والسودان حول سد النهضة، وفي نفس الوقت يواصل بناء السد - على رغم - عدم الاتفاق، ويقف بالمرصاد ضد اعتراضات مصر أكثر الأطراف المتضررة، وفي نفس الوقت يواصل المفاوضات «الشيء وضده».
وحتى هذه اللحظة ننتظر أن «يرق» قلب إثيوبيا، ولا تجور على حصتنا من مياه النيل «الأزرق»، ولتجنب «شغل إثيوبيا الأزرق»، يبدى الجانب المصرى تفهمه للتبريرات الإثيوبية، وتصريحاتها – من عينة – حصة مصر مصانة، وأنه لا تأثير للسد على حق مصر .. و....
وقد ذهب المفاوض المصرى «قليل الحيلة»، إلى درجة التنازل طواعية عن بعض نقاط الخلاف – تحت حجة - الحفاظ على العلاقات الأخوية بين البلدين، وتعدى ذلك إلى طرحه مبادرات جديدة، لاستمالة الجانب الإثيوبى، لدفعه إلى الاستمرار فى المفاوضات، «لعله يختشى» ويتخلى عن تحفظاته، وبين الفعل ورد الفعل - هكذا – تمضى المفاوضات، والنتيجة لا شىء، ونقطة ومن أول السطر «كفاية ولا أحكى أكتر».
بداية.. لابد من تسجيل اعترافنا بفشل المفاوض المصرى بداية من وزير الرى والموارد المالية الأسبق محمود أبوزيد، حتى الوزير الحالى حسام المغازى «اللهم لا شماتة» بعد أن أضاعا الوقت، واستهلاكاه فيما يضر حقوق أمن مصر المائى، وكلا الوزيرين من وجهة نظرنا فى دائرة الاتهام، وعذرهما «أقبح من ذنب».
سوء الاختيار
ومن – باب – التقييم الأولى، لابد من الاعتراف بأداء المفاوض الإثيوبى، وهذا ليس لتفوقه، أو قدراته العقلية والتفاوضية مقارنة بالمفاوض المصرى، ولكن لسوء اختيار مفاوضينا، من حيث ضعف مستوى الأداء، وافتقادهم للرؤية، وعدم تقديرهم للمسئولية المكلفين بها، الأمر الذى جعل المفاوض الإثيوبى يلعب مع نفسه فى ساحة المفاوضات, فكانت منافسة غير متكافئة، وظهر ذلك فى حالة التساهل غير المبررة من جانب المفاوض المصرى، وعدم تعاطيه مع قضية سد النهضة، وانعكاساته السلبية بجدية، فى مقابل تمسك الطرف الإثيوبى بمواقفه، وعدم التفريط فيها، وتحقيقه كل يوم مكتسبات جديدة لم يكن يتخيلها، الأمر الذى شجعه على التشدد أكثر فى تحفظاته، لأنها تسجل له نجاحات.
وبعد أن بات سد النهضة واقعاً ملموساً، واقترب من بناء مرحلته الأولى بالكامل، وتتجه إثيوبيا لافتتاحه رسمياً العام القادم مع بداية الفيضان، ليس أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى إلا التدخل شخصياً، وتحمل مسئولية ملف السد، فالأمر جد خطير، ولا يحتمل التأخير، أو التجريب «فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين».
استبعاد التحكيم
ورغم إخفاق مصر فى ترجمة مطالبها فى جميع جولات التفاوض على مدى السنوات الماضية، ونجاح إثيوبيا فى المراوغة، وكسب مزيد من الوقت، مازالت فى الجعبة كثير من أوراق الحل، بما فى ذلك استخدام القوة، بعد استنفاد جميع وسائل التفاوض السياسية والدبلوماسية، ووصول فرص الحل إلى طريق مسدود.. (ملحوظة) الاستثناء الوحيد غير المتاح للحل هو التحكيم لعدم موافقة إثيوبيا، وبالتالى الشرط المطلوب للسير فى إجراءات التحكيم غير متوفر.
وبما أن الحديث عن القوة أمر غير مستحب، ومكروه فى العلاقات الدولية، بل أمر مستبعد فى خطاب مصر الجديدة، ومع ذلك يجب أن تكون حاضرة عند الحاجة، وليس لمجرد التلويح فقط، بعد التأكد استنفاد كافة مساعى الحل، والمنطق لا يفترض استبعاد القوة بشكل مطلق، خاصة فى لحظات الخطر الداهم.
وفى إطار التفكير خارج الصندوق، يطرح الدكتور محمد نصر علام وزير الرى والموارد المائية الأسبق، روشتة عملية للحل، ويتمثل أولاً فى جر خط، والبدء من أول السطر، وعدم النظر إلى الخلف بنكأ الجراح، والإغراق فى تفاصيل وخلفيات ما فات من جولات، ومن أخطاء المفاوضين السابقين، والاكتفاء بأخذها فى الاعتبار بهدف تذكير الجانب الإثيوبى بأن تجاربه وسوابقه فى الوفاء بالالتزامات والتعهدات غير جيدة، ومن جانب كاتب هذه السطور أضيف، بأنه كانت بها «سم قاتل».
ويجب البدء بإجراء مفاوضات مباشرة، ورفع مستوى التمثيل فى إدارة ملف السد، إلى مستوى القيادة السياسية فى كلا البلدين، على أن تتضمن تحديداً واضحاً لنقاط الخلاف، وطبقاً لجدول زمنى ملزم، لا يتعدى 6 أشهر لحسم ملف سد النهضة بشكل نهائى، وليس بإطلاق المفاوضات لفترات مفتوحة، أو ترك الأمر للمندوبين للإفراط فى تجديد جولات التفاوض.
وقف البناء
ويطالب الدكتور علام، بأن تتضمن المفاوضات المباشرة النص على اكتفاء إثيوبيا بالمرحلة الأولى من السد، التى اقتربت من الانتهاء، والتوقف عن أى أعمال إنشائية، لحين تقييم الدراسات على أن تتم إعادة تكليف خبراء اللجنة الثلاثية الدولية، التى تم الاتفاق عليها فى الجولات الأولى من المفاوضات، ويكون لأعضائها الرأى الفصل فى تحديد أضرار وتأثيرات السد على مستوى توليد الكهرباء، والأعمال الإنشائية، وسعة التخزين، ودرجة الأمان، وتداعيات ذلك على حصة مصر من مياه النيل.
ويحق لإثيوبيا عدم التقيد بحل بذاته، واللجوء إلى اختيار البديل الذى يتناسب ورؤيتها وسياستها، وذلك فى إطار حزمة البدائل المطروحة للحل، وما تتضمنه من مرونة تحفظ حقوق مصر المائية، وتتوافق مع الأعراف والقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وتفرض التزامات محددة على الجانب الإثيوبى.
وبما أن «الخلاف لا يفسد للود قضية»، فإن رفض الجانب الإثيوبى وقف بناء السد عند المرحلة الأولى، وتحفظه على ترك التقييم للخبراء الدوليين، ليس نهاية العالم لأنه لا يتعدى كونه إخفاقاً لأحد الحلول «وبناقص هذا الحل»، والحكمة تقتضى لملمة الأمر بسرعة، حتى لا يتصاعد الخلاف من مجرد سوء تفاهم، إلى عداوة، تؤدى إلى استدعاء القوة وإعلان الحرب «وهذا أبغض الحلال»، وهذا المصير غير المستحب معلق بإبداء طرفى النزاع الرغبة الجادة فى الوصول إلى نقطة التقاء، من خلال قبول أحد البدائل المطروحة، حتى إن لم تحقق أى منها الرضاء الكامل.
الحقوق التاريخية
وبحكم امتلاك مصر أوراقاً كثيرة تثبت حقوقها التاريخية، يرى الوزير نصر علام، أن البديل الثانى للحل يقوم على استدعاء خزائن مصر من اتفاقيات ومعاهدات لطرحها على مائدة المفاوضات، تتمثل فى اتفاقية عام (1902) بين مصر وإثيوبيا، وتتضمن تعهد ملك إثيوبيا حينها «ميلنك الثانى» بعدم بناء أى سد على النيل الأزرق، أو عطبرة، والسباط.. واتفاقية (1929) الخاصة بتقسيم الحدود وحصص مصر التاريخية فى مياه النيل، إلى جانب اتفاقية (1959) بين مصر والسودان بشأن الممارسات التاريخية لدولتى المصب مصر والسودان، التى حددت حصة مصر ب 55٫5 مليار متر مكعب، و18٫5 مليار متر مكعب للسودان.
وتأتى أهمية هذه المعاهدات والاتفاقيات الثلاث، فى كونها تمثل مراكز قانونية مستقرة، وسنداً يثبت الحقوق التاريخية، لحصص كل من مصر والسودان فى مياه نهر النيل – باعتباره – شرياناً طبيعياً، وممراً مائياً دولياً يخضع مساره، وحصص جميع الدول المطلة عليه للقانون الدولى، وبالتالى لا يحق لدولة بمفردها التحكم فى تغيير، أو تعديل، أو إلغاء ما تم الاتفاق عليه، وأصبح من الأوضاع المستقرة.
والسؤال المتوقع طرحه ماذا لو رفضت إثيوبيا هذا البديل الثانى؟.. وهذا أمر وارد.. والإجابة ببساطة ليس من حقها الرفض، لأن الاتفاقيات الموقعة بين الدول، تصبح مظلة القانون الدولى، قانوناً ملزماً لجميع الأطراف، ورغم ذلك يمكن لمصر التغاضى عن هذا الحل، للإبقاء علاقات الود بين البلدين، بطرح بديل ثالث يتمثل فى اللجوء إلى وسيط دولى، استناداً لميثاق الأمم المتحدة، وفى حالة بقاء الخلاف قائماً فى ظل وجود «الوسيط»، وعدم تمكنه من تقريب وجهات النظر، يكون البديل الرابع أمام مصر الذهاب مباشرة إلى الأمم المتحدة فى جنيف، لعرض القضية.
مجلس الأمن
وإذا لم ينجحا فى التوافق، للوصول إلى تحقيق (المراد من رب العباد) بالتراضى، لتلافى استدعاء البديل غير المستحب، الذى لا تحمد إثيوبيا عقباه، يتم طرح المسعى الدبلوماسى الخامس والأخير، وهو رفع ملف القضية بالكامل معززاً، بما نحتفظ به من مستندات واتفاقيات ومفاوضات إلى مجلس الأمن الدولى التابع للأمم المتحدة، لاتخاذ ما يلزم من تدابير، وإجراءات قانونية، بهدف إخلاء ساحة مصر من أى مسئولية أمام العالم، وإثبات استنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية والإجرائية والإدارية، وإذا – لو لم – ينجح المجتمع الدولى فى استعادة الحق. ففى حينها «على الباغى تدور الدوائر»، وكل الخيارات أمام مصر متاحة للحفاظ على أمنها القومى، وتكفلها المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
وكانت مصر فى غنى عن الوصول لهذه الخيارات المربكة – لو – أحسن مفاوضوها التصرف منذ جولات التفاوض الأولى، وقد أدت قلة خبر المفاوض المصرى، وغياب الحكمة والحنكة السياسية، لأبعاد قضية سد النهضة وادعاءاته، قبل التجاوب معها وتبادل الأنخاب، حيث يفاجأ المفاوض المصرى أنه وقع ضحية التصديق على التزامات تلاعب الجانب الإثيوبى فى كتابتها وفرضها، بإضافة ألفاظ بعينها، وفقرات خادعة تلغيها، أو تغير مضمونها.
سقطة «أبوزيد»
ويحسب للمفاوض الإثيوبى القدرة والحنكة فى المراوغة والدهاء، للإيقاع بالوزير الأسبق محمود أبوزيد، الذى تطوع من تلقاء نفسه بالتنازل عن أحد أهم حقوق مصر التاريخية، وهى المادة (14) من اتفاقية 1929، الخاصة بالأمن المائى، واستبدالها بالاستخدامات المائية بهدف تسريع وتيرة المفاوضات – على اعتبار - أن المعنى فى الفقرتين واحد، وأنه مجرد تلاعب فى الألفاظ «من وجهة نظره»، وقد قوبل بثناء وترحيب مبالغ فيه من الجانب الإثيوبى، لتجاوبه مع تحفظاتهم، ولكنه اعتقد أن حالة الحفاوة الزائدة تخص شخصه، وليس لتنازله بتبديل مادة بأخرى.
وقد صور له خياله، أن أى إجراء منه، سوف يقابل باستحسان زائد، وأنه بذلك يسدى خدمة لمصر، ويساعد على إنهاء الخلافات، فقام «كتر ألف خيره» بالتنازل مرة أخرى، باستبدال فقرة (يشترط قبل قيام أى دولة من دول حوض النيل بتنفيذ إنشاءات لخزانات، أو سدود، موافقة الدولة الواقع عليها الضرر)، بفقرة أخرى تنص على: يكتفى بالإخطار قبل القيام بالإنشاءات، وهناك فرق شاسع بين الموافقة الملزمة، ومجرد الإخطار فقط.
تنازل غير مبرر
وللإنصاف تنازل مفاوضنا الأسبق كان تطوعاً منه، وحباً فى إثيوبيا، وليس بسبب «شربه حاجة صفرا»، وعلى درب سلفه سار الوزير حسام مغازى، حيث قام عقب تعاطيه «النخب الإثيوبى»، بالتنازل طواعية عن شرط مصر مشاركة الدوليين فى دراسات سد النهضة، وبحكم كون الوزير غير مسيس، «وغرضه طيب» تطوع للمرة الثانية، بالتنازل عن دراسات السلامة الإنشائية للسد، بحجة أن الشقيقة إثيوبيا أكثر حرصاً على سلامة السد من مصر، «ربنا يخليله إثيوبيا».
وقد آن الأوان للمفاوض المصرى أن يستريح، ويريحنا من التصدى لملف النيل، خاصة بعض «المستوزرين» منهم، وأصبح تصدى «السيسى» للملف ضرورة، وذلك قبل فوات الأوان، بعد أن أصبح الملف هاجساً مخيفاً على مستوى رجل الشارع العادى قبل «إخونا التكنوقراط»، خاصة أن هناك أيادي خبيثة تلعب فى مياه النيل، وتحرض ضد مصر تحت ستار سد النهضة الإثيوبى، ومن بين المحرضين دول عربية غير صديقة، إلى جانب أمريكا وإسرائيل.
وتفكير إثيوبيا فى بناء سد على النيل الأزرق، ليس وليد أيام ثورة يناير، أو حكم مبارك، فقد سبقت ذلك بعشرات السنين، وإن كانت ثورة يناير هى الفرصة الذهبية التى استغلتها إثيوبيا للانطلاق والبناء الفعلى، وكان دعوات إثيوبيا للبناء تعلو، ثم تخبو، لتظهر من جديد منذ عام 1957، وتصدى لها الرئيس جمال عبدالناصر، وأصر على تطبيق اتفاقية 1929 بنصوصها، التى تعترف بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل أيام الإنجليز، كما هى دون إدخال أى تعديل، وتمت إثارة الموضوع فى عهد الرئيس السادات، ورفض تجدد الحديث فيه مرة أخرى، وهدد باستخدام القوة، لو أقدمت على البناء.. (ملحوظة) كانت هناك دراسة أمريكية لبناء إثيوبيا 34 سداً منها 4 سدود على عطبرة، أكبرها سد النهضة.
ولكن بداية الوقوع فى الخطأ، كان فى عهد مبارك، حيث نجح الجانب الإثيوبى فى إقناع المسئولين حين ذلك، بدراسة الجدوى لسد النهضة الذى تفكر إثيوبيا فى بنائه، بزعم أنه يفيد مصر والسودان «نفس السد أطلق عليه فى فبراير 2011 سد الألفية، ثم فى أبريل تم وضع حجر الأساس، ثم تغير الاسم إلى سد النهضة» – المهم - بلعت مصر الطعم، وأخطرت البنك الدولى للمساعدة فى إعداد دراسات الجدوى، وبعد ذلك جاء الوزير «أبوزيد» الذى أضاع حقوقنا، ليقدم الحل لإثيوبيا على طبق من فضة، بموافقته على الدخول فى مفاوضات «عنتيبى» لدول حوض النيل حول بناء السد، وفى «عنتيبى» فتح الباب على مصراعيه لبناء السد، وبعد ذلك قام نفس الوزير أبوزيد «وهاتك يا تنازل» مما شجع إثيوبيا على البدء الفعلى للبناء، بما يعنى أن «أبوزيد»، كان «قدم السعد» على إثيوبيا.
وفى عهد الوزير الإخوانى «هشام قنديل» فى حكومة عصام شرف، ثم حازم الببلاوى بعد الثورة، قدم لهم هدية غالية، باعترافه رسمياً أن سد النهضة تحت الإنشاء، فأسقط فى يد إثيوبيا اعتراف مصر الرسمى بالسد كحقيقة واقعة، وبعد أن تحقق لها ما أرادت، أفصحت عن نيتها فى زيادة السعة التخزينية للسد من المياه إلى 74 مليار متر مكعب، بدلاً من 14٫5 مليار متر مكعب، بزيادة تعادل 5 أضعاف السعة التخزينية المحددة فى الدراسات السابقة.
وتشير التوقعات إلى أن المدة التى يحتاجها ملء السد بالمياه، بعد زيادة السعة التخزينية، تتراوح بين 5 و7 سنوات، وقد يترتب على حجز السد كميات كبيرة من المياه آثار سيئة على مصر، حيث يؤدى إلى حدوث تراجع حاد فى حصة مصر من مياه النيل، ما يؤدى إلى انخفاض معدل توليد الكهرباء من السد العالى بنسبة 20% وبالتالى تعرض مصر إلى المزيد من العجز المائى.
وبعد أن حققت إثيوبيا كثيراً من المكاسب، وخرجت مصر من جولات المفاوضات «صفر اليدين» حاولت بعد ثورة يناير، الضغط على إثيوبيا، لتقليل خسائرها، بفتح باب التفاوض من جديد، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية، تضم خبراء دوليين من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، إلى جانب خبراء محليين من مصر والسودان وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، بهدف تقييم دراسات السد.
أسفر تقييم اللجنة الثلاثية الدولية فى ختام أعمالها نهاية مايو 2013، عن التوصية بأن الدراسات لا ترقى للمعايير الدولية لبناء السدود، وطلبت اللجنة فى ختام توصياتها إعادة إجراء دراسات جديدة على السد، تشمل السلامة الإنشائية، والآثار البيئية، والاقتصادية، إلى جانب تأثيره على مياه النيل، وتوليد الكهرباء.
سد «تاكيزى»
وما كاد يتولى الدكتور نصر علام وزارة الرى، التى كانت قصيرة إلى حد ما، فوجئ بإعلان إثيوبيا افتتاح سد «تاكيزى»، على نهر عطبرة بسعة تخزينية تصل إلى 9 مليارات متر مكعب، وبارتفاع 133 متراً، بما يعادل مبنى ارتفاعه 111 طابقاً، ثم افتتاح سد «تانابليس».
وآخر الخطايا التى أضافها الوزير الحالى «مغازى»، استجابته لإثيوبيا، بالموافقة على إسناد إعداد دراسات جديدة للسد على مكتبين فقط، ترشح كل دولة واحد منهما، ووافق على أن يكون دور المكتب الهولندى التابع «اختيار مصر» هامشياً، وبنسبة 30% فقط، ويكون الدور الرئيسي لصالح المكتب الفرنسى «اختيار إثيوبيا» بنسبة 70%.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.