فى تطور مفاجئ ولكنه لم يكن مستبعدا، تم إنزال العلم الإسرائيلى من على السفارة بالقاهرة للمرة الثانية، وزاد على ذلك أنه تم اقتحام أحد أدوار السفارة الثلاثة، من قبل مجموعة من الشباب المصرى، ونتج عن ذلك وفاة أحد المصريين واصابة أكثر من مائتين من الشباب، وقد قامت الشرطة المصرية بالتعامل مع المتظاهرين والمعتصمين حول السفارة لمنعهم من أحداث أى اضرار بالسفارة، ولكن الأمر كان أكبر من أن يمنع، نتيجة الأعداد الهائلة من المتظاهرين والمعتصمين حول مبنى، كما قامت السلطات المصرية ببناء جدار حول السفارة فى محاولة لحماية ولكن قوة المتظاهرين كان أشد وأقوى. وقد تجمعت عدة أسباب أدت إلى هذا التطور الكبير، تتمثل هذه الأسباب فى الآتى: 1- قيام ثورة 25 يناير التى كان من أهم أسباب قيامها تصرفات إسرائيل المستفزة، وأهمها حدوث أكثر من خمسين حادث إطلاق نار على الحدود المصرية ونتج عنه وفاة الكثير من المصريين، واتضح أن هذه الحوادث متعمدة من قبلهم. 2- الحادث الأخير وما نتج عنه من قتل أحد الضباط المصريين وبعض الجنود، ورفض إسرائيل الاعتذار أو حتى إجراء تحقيق فى الحادث . 3- تراخى المجلس العسكرى المصرى فى اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، حتى بدا هذا التراخى فى نظر الكثيرين كأنه نوع من التواطؤ، وشعر الكثير من المصريين أن تعامل المجلس العسكرى مع إسرائيل يتشابه إلى حد كبير تعامل النظام السابق مع العدو فى مثل هذه الحالات. 4- التعامل التركى مع إسرائيل فى أحداث الاعتداء على سفن الحرية، واتخاذ تركيا إجراءات جدية وتصاعدية ضد إسرائيل، وعلى رأسها طرد السفير الإسرائيلى من أنقرة، وتخفيض التمثيل الدبلوماسى وتعليق كافة العلاقات الاقتصادية والعسكرية معه، فضلا عن التهديد باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قتلة الأتراك التسعة، مع العلم أن إسرائيل عرضت تعويض كل قتيل تركى بمليون دولار ومع الأسف لما حدث، وهذا ما رفضته تركيا، وأصرت على الاعتذار الرسمى وهذا ما رفضته إسرائيل وترفضه حتى الآن، وقبلت دفع التعويضات المالية. 5- احساس غالبية الشعب المصرى أن الأمور لم تسير كما كان يريد بعد إسقاط النظام المصرى، خاصة أن الأمور لم تصل إلى ما كان يحلم به الشعب المصرى. فرض القانون الدولى حمايته على مبانى السفارات والقنصليات فى الدول، حيث نصت المادة (22) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961م على (تتمتع مباني البعثة بالحرمة. وليس لممثلي الحكومة المعتمد لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة.على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها . لا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل, عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي.). باستقراء المادة سالفة الذكر يتبين أن التزام الدول فى حماية مبانى السفارات والقنصليات، هو التزام ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة، فالواجب على الدول بذل كل ما تستطيع لحماية مبانى البعثة الدبلوماسية، كل دولة حسب قدراتها وقوتها، وليس هناك معيار محدد لذلك، ولكن يترك الأمر حسب ظروف كل حالة وكل دولة على حدة، ولا تلتزم أى دولة بأكثر مما فى قدراتها، حيث الواجب عليها أن تبذل كل ما فى وسعها لحماية مبانى البعثة، لذلك يطبق هنا معيار الرجل العادى، وهو المعروف فى القانون. وبتطبيق المادة سالفة الذكر على حالة اقتحام سفارة إسرائيل بالقاهرة، يتضح لنا أن الحكومة المصرية التزمت بأحكام القانون الدولى، ولا تتوافر المسئولية الدولية القانونية فى حقها، ولا تعد مخالفة لقانون العلاقات الدبلوماسية خاصة، القانون الدولى عامة لما يأتى: 1 – أن مصر دولة فى حالة ثورة، وحالات الثورة فى القانون الدولى من حالات القوة القاهرة التى ينتج عنها التخفيف من الالتزامات القانونية الدولية، حيث تكون الأمور خارج سيطرة الحكومة، مما ينفى عن مصر تهمة التراخى فى حماية مبانى البعثة. 2 – الواضح من استقراء ما حدث أن مصر قد بذلت كل ما فى وسعها لحماية السفارة ، حيث قامت ببناء جدار عازل حول السفارة لحمايتها من المتظاهرين والمعتصمين حولها، مما يدل على التزام مصر بأحكام المادة (22) السالفة. 3 – كثرة الاصابات التى وقعت فى المقتحمين والمتظاهرين والمعتصمين حول السفارة، والذى يربو على أكثر من ألف ووفاة ثلاثة أشخاص فى الأحداث، وتصرف الأمن المصرى، يدل دلالة واضحة على أن الأمن المصرى قام بواجبه بقدر لايمكن القول معه أن تراخى فى حماية السفارة أو قصر. 4 – تطبيقيا لمبدأ الأيدى النظيفة فى القانون الدولى، ومفاده ألا تكون تصرفات المضرور من الجريمة قد ساهمت فى ضرره، أو فى ارتكاب الجريمة، فقد ساهمت تصرفات إسرائيل من قتل بعض المصريين بدم بارد وتكرار ذلك أكثر من خمسين مرة عن عمد، وعدم إجراء أى تحقيق فى ذلك، ولا حتى الاعتذار للأسف، ساهم بشكل كبير فيما وصلت إليه الأمور من اقتحام السفارة والمطالبة بطرد السفير. ترتيبا على ما سلف، وطبقا للقواعد العامة فى القانون الدولى وخاصة قانون العلاقات الدبلوماسية، يتبين أن الحكومة المصرية قد أوفت بكلمل التزاماتها فى حماية مبانى البعثة المتمثلة فى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ولا يتوافر فى حقها المسئولية الدولية القانونية.