بالرغم من وقوف التيارات الإسلامية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مواجهة الضغوط التي يواجهها من قبل التيارات العلمانية وبعض الائتلافات الشبابية والثورية التي تطالب بإسقاط هذا المجلس للضغط عليه من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية، تسود حالة من الترقب داخل التيارات الإسلامية تجاه العلاقة بينها وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم البلاد لفترة انتقالية بعد نجاح ثورة 25 يناير وإسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، خاصة بعد تناول وسائل الإعلام لتصريحات الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة عن أن الدولة المدنية هي خط أحمر وأمن قومي لمصر لا يجوز الاقتراب منه، وهو ما يختلف مع إصرار هذه التيارات على قيام الدولة الإسلامية. ويفسر بعض المحللين الإسلاميين هذه التصريحات بأنها بداية لنهاية شهر العسل بين الجماعات الإسلامية والمجلس العسكري، إن جاز التعبير، مؤكدين أن هناك ضغوطات خارجية وداخلية على المجلس العسكري للحيلولة بين التيارات الإسلامية وبين الوصول إلى الحكم، خاصة بعد أن استطاع الإسلاميون حشد الملايين في ميدان التحرير في جمعة 29 يوليو الماضي، وتخوف هذه الجهات من إعلان إمارة إسلامية في مصر، ما أدى إلى قيام الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عصام شرف والدكتور علي السلمي نائب رئيس مجلس الوزراء بإعلان طرح المبادئ فوق الدستورية للحفاظ على مدنية الدولة. ما أدى بدوره إلى تحذير عدد من التيارات والأحزاب الإسلامية خلال تصريحات صحفية من حدوث ما أسمته "ثورة ثانية" حال تطبيق المبادئ فوق الدستورية، مؤكدين أن إقرار المبادئ الحاكمة للدستور ستترتب عليه مشاكل كثيرة بسبب تهميش التيارات الإسلامية قد تدفع بعض التيارات المتشددة للعنف مرة أخرى مثلما حدث في الجزائر، مشددين على أن إرادة الإسلاميين لن تنكسر وأنهم فصيل سياسي ووطني يجب أن يحترم. الدكتور محمد إمام رئيس المكتب السياسي لحزب الفضيلة، يؤكد وجود وجود أياد خفية تحاول الوقيعة بين المجلس العسكري وبين التيارات الإسلامية عن طريق تشويه صورة الإسلاميين، تخوفا من وصولهم إلى الحكم وتطبيق الشريعة الإسلامية، متسائلا: "ما هو الشيءالمخيف في تطبيق الشريعة الإسلامية؟ بالرغم من أنها أول من ينادي بالحرية والعدالة والشورى والحفاظ على كرامة الإنسان والمساواة لكي يندفع البعض في تشويه صورة هذا الدين بدعوى وجود طوائف متطرفة تريد دولة دينية هي غير معترف بها في الإسلام أصلا". وقال إن استخدام فزاعة الإسلاميين هو مثال حي للفزاعة نفسها والتي كان يستخدمها النظام السابق في الحفاظ على بقائه، متوقعا أن يكون المجلس العسكري قد تأثر بهذه الممارسات التي تريد تشويه صورة الإسلاميين بالرغم من تأكيدهم على احترامهم للحقوق والحريات ورفضهم للدولة الدينية الثيوقراطية التي ظهرت في أوربا. وأوضح أن تصريحات الدكتور علي السلمي ومن قبله الدكتور يحي الجمل الذين توليا نيابة رئيس الوزراء تؤكد على الدور المرسوم للإطاحة بالإسلاميين وإقصائهم، متوقعا أن يكون هذا بمباركة المجلس العسكري الحاكم، محذرا من أن علمنة الدولة ستؤدي إلى مسخ هويتها حتى ولو وجدت المادة الثانية من الدستور، مؤكدا أن الإسلام لا يوجد به ما يتعارض مع مدنية الإنسان وكرامته. وحذر إمام من تكرار سيناريو 1954 حينما عمد نظام عبد الناصر للاستفادة من الجماعات الإسلامية في ترسيخ قواعد حكمه ودعمه في قرار حل الأحزاب السياسية، ثم الإطاحة بهم وإقصائهم وتصفيتهم، مؤكدا أن هذا السيناريو وارد أن يتكرر في عالم السياسة، إلا أنه استبعده بنسبة كبيرة مستدلا على قوله بأن ثورة يوليو كانت انقلابا عسكريا في حين تختلف معها ثورة 25 يناير التي قامت على دماء شهداء مدنيين ضحوا بأرواحهم من أجل حرية هذا الوطن، بحد قوله. بدوره، أكد الدكتور كمال حبيب مؤسس حزب السلامة والتنمية والقيادي السابق في الجماعة الإسلامية، أننا في جدل سياسي حول مدنية الدولة التي أكد أنه لا يختلف عليها أحد، موضحا أن هناك ضغوطا أمريكية على الجيش خاصة بعد جمعة الإسلاميين في 29 يوليو والحديث عن استعراض هذه التيارات لقوتها ما أدي إلى مخاوف بعض الجهات الخارجية من وصولهم إلى الحكم، وضرورة تحجيم قدراتهم في الفترة القادمة. وأشار إلى أن تصريحات الفريق سامي عنان فضلا عن الحديث حول المبادئ فوق الدستورية تضاعف من احتمال هذه المؤشرات التي تؤكد حرص المجلس العسكري على التدخل في الشأن السياسي، واشتراكه في رسم ملامح الدولة الجديدة في مصر، مؤكدا رفضه لما أشيع عن حماية الجيش لمدنية الدولة خلال تصريحات الفريق سامي عنان، حيث أوضح أن الجيش مهمته حماية حدود الدولة . وقال إن الأمن القومي بالنسبة لمصر ليس مدنية الدولة ولكنها الحدود وخاصة سيناء التي تشهد وضعا ملتهبا بعد الحادث الإجرامي الذي قامت به إسرائيل فضلا عن ضرورة حماية الدولة من الضغوط الخارجية التي تواجهها لتنفيذ أجندات أمريكية تحافظ من خلالها واشنطن على مصالحها في المنطقة وعلى بقاء الدولة الصهيوينة. وأشار حبيب إلى أن تصريحات الفريق عنان لو كانت منقولة على لسانه فعلا فسوف يثبت انحياز القوات المسلحة للتيارات الليبرالية ضد الإسلاميين، محذرا من تسبب ذلك في حدوث مواجهة عنيفة بين الجيش وبعض التيارات المتشددة في الوقت الذي يبدي فيه التيارات الإسلامية حرصها على بناء نموذج سياسي جيد، لكنه في نفس الوقت استبعد أن يكون هذا هو نية القوات المسلحة خاصة وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع التيارات ويقوم بجهد مشكور في إدارته لهذه الفترة الانتقالية . وطالب المجلس العسكري بألا يرضخ لأية ضغوط أمريكية إن كان هناك ضغوط بالفعل خاصة وأن الجيش كان شريكا قويا في الثورة المصرية، بحد قوله. من ناحيته، أكد المهندس عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم السلفية، أنه لا تعارض بين التيارات الإسلامية التي تطالب بمطالب قومية وبين المجلس العسكري الذي يقود البلاد لفترة انتقالية ويقف على مسافة واحدة بين كافة التيارات، مشيرا إلى أن هناك بعض الممارسات تريد الوقيعة بين الإسلاميين وبين القوات المسلحة في الوقت الذي يتفهم فيه التيارات الإسلامية مسئولية القوات المسلحة للعبور بالبلاد من هذه المرحلة الراهنة. وقال الشحات إن إدراك التيارات الإسلامية لمسئولياتها التاريخية هي الضمانة الحقيقية لعدم حدوث وقيعة بينها وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مطالبا بعدم الانتباه إلى الهواجس التي تجعلهم مقصرين في إرسال رسالتهم تخوفا من حدوث أشياء من الآخرين لا أساس لها في الوقت الحاضر وربما تعيق الإسلاميين عن القيام بمهمتهم الوطنية. وأكد أن المجلس العسكري يقف على مسافة واحدة بين كافة التيارات، مؤكدا دعم التيار السلفي للقوات المسلحة وثقتهم بهم، كما أكد على أن حيادية القوات المسلحة دليل على مشاركة الإسلاميين في الحوار الوطني مثلهم مثل باقي التيارات الأخرى. بدوره، أكد ممدوح إسماعيل محامي الجماعات الإسلامية، أن من حق كل تيار أن يأخذ حقه في التعبير عن رأيه، نافيا أن يكون هناك هدنة أو حذر بين التيارات الإسلامية وبين المجلس العسكري، وأن العلاقة عادية تحكمها حيادية المجلس العسكري في الوقوف على مسافة واحدة بين كافة القوى الوطنية، إلا انه لفت إلى وجود محاولات للوقيعة بين التيارات الإسلامية وبين القوات المسلحة. وقال: "نحن مع الدولة المدنية بمرجعية إسلامية ولكن بشرط ألا تكون مصر ولاية أمريكية .. فمصر دولة عربية وإسلامية منذ 14 قرنا ولها تاريخها في الحضارة الإسلامية ولا يمكن لأحد أن يقصيها عن هويتها ودورها التاريخي". وأشار إلى أن المجلس العسكري يعرف جيدا خطورة إقصاء الإسلاميين مرة أخرى وتكرار سيناريو 54 حينما استغل نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الإسلاميين في تصفية الأحزاب السياسية وترسيخ قواعد حكمه ثم تصفيته للإسلاميين، مؤكدا أن هذا السيناريو يدفع البلاد إلى الهاوية ، إلا انه حذر في الوقت نفسه الإسلاميين من الاستسلام إلى الإشاعات التي تريد الوقيعة بين المجلس العسكري وبينهم ، والوقوع في فخ هذه الأجندات.