كانت الولاياتالمتحدةوروسيا تتنافسان على احتكار مصادر الغاز الطبيعى فى وسط آسيا، ومع إعادة اكتشاف آبار جديدة للغاز الطبيعى واتجاه نشاط البحث العلمى فى الدول المتقدمة إلى الطاقة النظيفة، واستغلال حاجة أوروبا للغاز الطبيعى والطاقة النظيفة، خاصة بعد تعديلات الدستور الأوروبى فى 2008، الذى يوجب على كل الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى استخدام الطاقة النظيفة وإلا ستقع الدول المخالفة تحت طائلة العقوبات، وبناء عليه قامت الدول الأوروبية بتحسين علاقتها بروسيا فى الخفاء على خلفية استغلال الروس سيطرتهم على دول الاتحاد السوفيتى القديم، بعد اكتشاف آبار الغاز الطبيعى فى بحر قزوين والبحر الأسود «مشروع السيل الجنوبى والشمالى»، وهو ما دفع روسيا إلى إنشاء شركة «بروم» للغاز فى عام 1995 عندما كان فلاديمير بوتين رئيساً للوزراء آنذاك، وكانت هذه الخطوة بمثابة ضربة قاضية لمصادر الطاقة التى تم بموجبها رفع الأيادى الأمريكية والأوروبية عن هذه المنطقة. وخصوصاً أن خط سير هذا الغاز الروسى الذى يأتى من أذربيجان وتركمانستان وإيران يمران فى أراضى جورجيا ومنها إلى سوريا ولبنان ثم البحر المتوسط فأوروبا. لم تقف أمريكا متفرجة أمام هذه المحاولات الجديدة للروس فى شكلها التجارى، وبالفعل ذهبت الولاياتالمتحدة لباقى دول الاتحاد السوفيتى القديم وقامت بإنشاء شركة «نابوكو» لاستخراج الغاز الطبيعى من البحر الأسود وأذربيجان أيضاً، وكان السفير الكازاخستانى قد صرح فى حواره مع «الوفد» فى 2006 بأن الشركات الأمريكية عندما عرفت أنه تم اكتشاف الغاز الطبيعى مؤخراً فى منطقة بحر قزوين، بادرت على الفور بمد أنابيب الغاز على طول شاطئ البحر، ومنها جغرافياً إلى منفذى جزيرة القرم ومضيق جبل هرمز، ثم إلى المياه الدافئة وتوزيعه على دول العالم، ومن هنا يأتى تفسير قيام أمريكا وأوروبا بالثورة العارمة على روسيا عندما استولت على جزيرة القرم أحد أهم منفذى تصدير الغاز والطاقة للعالم، كما يفسر تراجع المعسكر الغربى فى تشدده ضد إيران والعودة لطاولة المفاوضات وإبرام الاتفاق النووى بينهما مؤخراً، وذلك بهدف مواءمة أموره معها حيث إن إيران هى التى تمتلك مفتاح المنفذ الباقى للغاز الأمريكى من بلاد الاتحاد السوفيتى القديم عبر مضيق جبل هرمز بعد ضياع منفذ جزيرة القرم، بل اندفعت أمريكا للبحث عن بديل سريع فى حالة فقدان مصادر الطاقة فى شبه الجزيرة الروسية، ونشط دور المؤامرات وصراعات الجماعات الإثنية والدينية فى العراق، ودعوة الحكومة العراقية للتحالف العسكرى الأمريكى والأوروبى لضرب التنظيمات المسلحة وعلى رأسها «داعش»، ومن هنا تجد الولاياتالمتحدة ذريعة وحجة لإعادة دخولها بشكل شرعى لضمان النفط العراقى. وبالمثل فى سوريا فمع اكتشاف الغاز السورى فى البحر المتوسط فى 2011، وعناد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ووقوفه فى وجه قوة الولاياتالمتحدة وتحريضها للقوى الأوروبية ضده فى جزيرة القرم، وجدت واشنطن فى سوريا بديلاً للغاز الروسى، خاصة بإطلالها على البحر المتوسط المواجه للمياه الدافئة العالمية مباشرة، مما سيكون له دور فى تقصير المسافة وتقليل التكلفة عندما تعيد الولاياتالمتحدة إعادة بيع الغاز السورى للأوروبيين وغيرهم كما فعلت فى العراق وأفغانستان.