مع تزايد حملات مقاطعة فيلم «شارع الهرم» علي موقع الفيس بوك توقع البعض تراجع الفيلم في شباك التذاكر مع حدة الهجوم الذي لم يستهدف الفيلم في حد ذاته ولكن الكثير من مهاجميه اعتبروا هذا الهجوم مقدمة لتغيير خريطة السينما المصرية بعد ثورة 25 يناير التي ارتقت بوعي الشعب المصري فيما اعتبره البعض ثورة علي الفن الهابط ومحاولة لترسيخ ثقافة تبتعد عن ثقافة هز الوسط . ورغم ان حملات مقاطعة شارع الهرم اكدت استهداف «آل السبكي» الذين ابتلوا السينما بخلطة اقتصادية علي المستوي الانتاجي ومربحة علي مستوي شباك التذاكر إلا أن «السبكية» تحملوا جرائم كل صناع السينما الرديئة لأنهم لا يخوضون هذا السباق منفردين، فهناك الكثير من المنتجين الذين قدموا اعمالاً أكثر ابتذالاً من شارع الهرم ولكن السبكية الاكثر قراءة لذوق الجمهور والاكثر استفادة من تغيرات الذوق العام وهو ما دفعهم لانتاج افلام مثل «كباريه» و«الفرح « و«حلم العمر» . والمؤكد ان حملات المقاطعة التي تتداولها وسائل الاعلام المقروءة والمرئية لا تجدي نفعاً بدليل تصدر فيلم شارع الهرم لايرادات موسم العيد، بل ان الفيلم حقق رقماً قياسياً جديداً مقارنة بالايراد اليومي لأي من الافلام السينمائية المصرية بعد ان كسر حاجز المليوني جنيه وهو رقم حقيقي الي حد كبير وله ما يبرره، خاصة وان شركات التوزيع السينمائي التي وقعت قسيمة طلاق منذ عدة سنوات وبقيت علي خلاف لم تستطع ان تصلحه غرفة صناعة السينما ولكن الكيانات الكبيرة التي تكتلت في مواجهة بعضها البعض وطبق كل منها مبادئ احتكار السينما بحذافيرها تراجعت بدافع المصلحة بعد توقف عجلة الانتاج وضعف التوزيع الخارجي فعاد الفرقاء لبعضهم البعض وتبادلوا نسخ الافلام فزاد عددها وبالتالي زادت الايرادات. ورغم ان هناك اكثر من خمس وعشرين مجموعة تم تدشينها علي الفيس بوك لمقاطعة فيلم «شارع الهرم» الا ان عدد المشاركين فيها جميعاً لم يتجاوز الثلاثة آلاف مؤيد لمقاطعة الفيلم الا ان الايرادات تؤكد ان هناك ما يزيد علي ثلاثمائة الف مشاهد قد ابتاعوا تذاكر الفيلم في ثلاثة ايام فقط والنسبة تثبت ان هناك تفاوتاً كبيراً بين ما يدعو اليه النخبة من اصلاح احوال السينما المصرية وبين الواقع الذي يفرضة شباك التذاكر. والازمة ليست في فيلم شارع الهرم ولا في التوليفة «السبكية» التي تجد من يساندها بالعديد من ملايين الشعب المصري ولكن الأزمة الحقيقية ترجع الي السينمائيين انفسهم الذين يرضخون للمنتجين الذين يتعاملون علي طريقة «الجمهور عاوز كده» رغم ان كثيرا منهم لا يعلم ما الذي يريده الجمهور بالتحديد لان جمهور السينما في مصر جمهور غير حقيقي ولا يملك معظمه الذائقة التي تجعله قادرا علي تقييم الافلام بل لا يهتم بتتبع صناع السينما الحقيقيون من كتاب ومخرجين ولكنه يدخل دار العرض معتمداً علي افيش يحمل صورة نجم يفضله لأنه مضحك او لأنه يردد بعض العبارات التي تتداولها شفاه المراهقين في الوقت الحالي. وسينما «السبكي» تطورت كثيراً بناء علي خبرتها بالشارع المصري ومتغيراته فهذا النوع من الافلام التي بدأت تخترق دور العرض جاءت بعد انتعاشة السينما قبيل انتهاء القرن الماضي بأفلام غازلت مجتمع العشوائيات الذي ساهم في انتعاش السينما خلال العقد الاخير لاسباب اقتصادية. فنحن لا نمتلك جمهورا حقيقيا للسينما المصرية ولكنه جمهور يعتبر الجلوس في السينما نزهة في حديقة أكثر منه تذوقا لنوع من انواع الفن وبالتالي فلا فارق يمكن ان يؤثر علي مشاهد ذهب لفيلم «شارع الهرم» فلم يجد إلا تذاكر لفيلم «بيبو وبشير» فشاهده دون تذمر لأن الهدف ليس الفيلم بل مجرد الاستلقاء في قاعة مكيفة ومشاهدة رغباته التي تختلف من مشاهد لآخر، فهناك من يفضل في السينما الاراجوزات والمضحكين وهناك من يفضل توليفة دينا وسعد الصغير واغنية عن الحشيش او البانجو وهناك من لا يفرق بين منة شلبي ودينا ولا يعبأ بهذا او ذاك، ولكنه يعتبر السينما خلوة شرعية او غير شرعية بمن يحب وفي النهاية تأتي الايرادات لترفع اسهم نجوم وافلام ومنتجين تحولوا الي ديناصورات يملكون القوة للتحكم في السينما التي تراجعت بتهاون رجالها في التصدي لازمات هذا المجتمع، فلو استمرت افلام من نوعية «احلام هند وكاميليا» الذي عبر عن عالم المهمشين من سكان العشوائيات بنعومة وانسانية لما صدمنا بفيلم مثل «كلم ماما» ولو استمرت افلام مثل «البريء» لما اصبح فيلم دكان شحاته نموذجاً للافلام السياسية فإذا ما رغب الجمهور في القيام بثورة ضد الابتذال والاسفاف فعليه ان يبحث في اسباب فساد منظومة السينما التي لن تصلح الا بصلاح صناعها وتدخل وزارة الثقافة لدعم التجارب الجادة للخروج من نفق شارع الهرم لسينما ارحب قادرة علي استيعاب مصر جديدة دون تعال علي البسطاء الذين لا يرون في الفن السابع اكثر من وسيلة للتسلية والمتعة .