خطوة تلو الأخرى تمضى بها الدولة نحو تشكيل برلمان 30 يونيو الأخطر في تاريخ الدولة المصرية، ومعها يحتد الصراع بين رجال الأعمال ورموز الوطنى المنحل، وبين هذا وذاك تنعدم خيوط الأمل لأحزاب عريقة تبحث عن فرصتها داخل البرلمان القادم من أجل بناء حياة سياسية قوية. وهنا اختلفت آراء القوى الحزبية والسياسية حول ضياع فرصة التيار المدنى بمجلس النواب فى ظل الصراع القائم بين أصحاب المال والسلطة، مؤكدين أهمية القضاء على المفسدين سياسيًا ومنعهم من دخول البرلمان فضلاً عن تعزيز فرصة الأحزاب من خلال العمل الجماهيرى، وأن يكون الشطب من العملية الانتخابية لكل من يخالف صواب الدعاية والإنفاق الانتخابى. وأكد المهندس حسام الخولى، القيادى بحزب الوفد، أن الدولة المصرية تضع القواعد والبنود التشريعية ليتم استخدامها وقت ما تريد فقط، وليس لتطبيقها بشكل عام فى إطار دولة القانون، وهذا خطر يكون تأثيرًا سلبيًا على الانتخابات القادمة، لأننا فى حاجة ماسة لتطبيق دولة القانون، ومواجهة المال السياسى الذى يتم ضخه بكثافة فى السوق السياسى للسيطرة على البرلمان القادم. وأكد الخولى، ضرورة أن يكون المواطن المصرى، لديه مسئولية اجتماعية على مستوى عالٍ، وأن يدرك حقيقة الأوضاع التى تمر بها البلاد، وأن يواجه بكل حسم، مثلما تقوم الدولة المصرية بالحسم أيضاً وتطبيق دولة القانون، وأن يكون الشطب من العملية الانتخابية عقاب أى شخص يخالف الضوابط. ورأى المهندس باسل كامل، القيادى الحزبى، ضرورة أن تكون الدولة المصرية، واللجنة العليا للانتخابات حاسمة فى ضبط التمويلات الخارجية، التى يتم الدفع بها تجاه المجتمع المصرى، لقوى بعينها للسيطرة على البرلمان القادم، وذلك عبر ضوابط خاصة للإنفاق الانتخابى، وأن تكون الأجهزة المختلفة لديها صلاحيات موسعة لمواجهة هذه الخروقات بشكل حاسم. وأكد كامل أن العقوبات التى وردت فى القانون وقرارات اللجنة العليا للانتخابات غير حاسمة ورادعة، مؤكدًا أنه إذا كانت الغرامة لا تتجاوز 10 آلاف جنيه، فمن الطبيعى أن يخالفها من يصرف بالملايين، فى العملية الانتخابية، قائلاً: «إذا كانت المخالفة 10 آلاف جنيه فعادى جدًا يكون المرشح يخالف وهو مستريح فى ظل وجود الأموال والإنفاق الانتخابى الكبير الذى يملكه ويقوم به». وحذر كامل من خطورة الجمعيات الخيرية التى يتم استغلالها كرشاوى انتخابية، بشكل شرعى، مؤكدًا أن المال السياسى يتم تمريره من خلال الجمعيات الخيرية، التى يتم عملها من أجل أهداف خاصة، وخطورة هذا الأمر كبيرة، وتطلب تحديًا كبيرًا للدولة المصرية لضبط هذه التمويلات التى تمر من خلالها. واتفق معه عبدالناصر قنديل قنديل، أمين اللجنة النيابية بحزب التجمع، مؤكدًا أن طبيعة المرحلة التى تمر بها البلاد، تؤسس لسيطرة رجال الأعمال على البرلمان القادم، خاصة أن من يملك المال سيملك البرلمان، ومن ثم ستكون رؤية فارقة للعصف بالتجربة الديمقراطية، وتحديًا كبيرًا للقوى المجتمعية التى ناضلت من أجل بناء الدولة الديمقراطية. ولفت عبدالناصر إلى أن سوابق الدولة المصرية فى الرقابة على الانتخابات سيئة للغاية، ويتم اختراق القواعد بشكل ممنهج، دون أى مراعاة لدولة القانون والدستور، وذلك ناتج لغياب الردع والتشريع الواضح، بالإضافة إلى قيام الأنشطة التنموية والمخلوطة بالخيرية، من أجل تعزيز النفوذ السياسى قائلاً: «أعرف مرشحًا صرف مليون جنيه غسيل سمعة فى إطار الجمعيات الخيرية قبل العملية الانتخابية». وقال المهندس صلاح عبدالمعبود، القيادى بحزب النور، إن الإنفاق المالى من الموضوعات المعقدة للغاية، ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال يسعون للسيطرة على البرلمان من خلال إغداق السوق السياسي بالأموال، خاصة فى ظل الصراع على الانتخابات بنسبة 80% بمقاعد الفردى، مؤكدًا أن القانون به العديد من الإشكاليات ويرضخ للعصبيات وزواج العائلات من أجل الوجود فى البرلمان. واتفق عبدالمعبود على ضرورة أن يكون الشطب عقابًا لأى مخالفة، مؤكدًا أن حزبه رصد لأحد الأحزاب لافتة فى ميدان التحرير بما يقارب من 500 ألف جنيه، أى لافتة وحيدة بالحد الأقصى للدعاية الانتخابية على المقعد البرلمانى، ومن ثم يكون هناك ضرورة ملحة لمواجهة هذه الظاهرة وأن تكون الدولة المصرية واللجنة العليا للانتخابات قادرة على إبطالها. وقال محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، إن الانتخابات البرلمانية القادمة قاسية فى ظل المنافسة الشديدة بين الأحزاب وأصحاب المال السياسي، متوقعًا تواجد كل أطياف المجتمع المصري فى الانتخابات بداية من أعضاء الحزب الوطنى المنحل ورجال الأعمال انتهاءً إلى الأحزاب المدنية والدينية. وأكد العرابى فى تصريحات ل«الوفد» ضرورة تقبل المجتمع لجميع الأنسجة السياسية المتواجدة، مشيرًا إلى أن توصيف الأطياف يجب أن يكون على أساس الكفاءة فى إدارة العمل السياسي وخدمة الشعب، مضيفًا أن المجال مفتوح للجميع لكن المجتمع المصري يميل إلى القوى المدنية التى لا تنتمى لأى أيديولوجية سياسية معينة. وعن فرصة الأحزاب الفقيرة فى ظل منافسة رجال الأعمال ورموز الوطنى أوضح وزير الخارجيه الأسبق أن هناك بعض التيارات التى تحظى بفرصة أقل من تيارات أخرى كالتيارات اليسارية التى تنافس على عدد صغير من المقاعد مقارنة بنصيب لأحزاب المدنية. وتابع العرابي: أنه لن يكون هناك تيار معين مسيطر على مجلس النواب القادم وإنما شخصيات بعينها كأعضاء برلمان سابقين ممن يتمتعون بشعبية فى دوائرهم الانتخابية. فيما رأى اللواء طارق المهدى محافظ الإسكندرية السابق، أن العمل الجماهيرى هو الذى يحدد عدد المقاعد التى سيحصل عليها كل تيار في مجلس النواب القادم، مشيرًا إلى أن حصة الأحزاب المدنية ستكون قليلة بسبب تفاقم أعداد الأحزاب بعد ثورة 30 يونيو. وأردف المهدى أن رجال الأعمال والوطنى المنحل ستحصل على عدد كبير من المقاعد لكن تكاتف الأحزاب يفوت الفرصة على ذوى المال السياسي، لافتًا إلى أنه من الصعب معرفة أى التيارين سيمثل الأغلبية فى مجلس النواب لأن العمل الجماهيرى للأحزاب والتيارات التى ستنافس فى البرلمان لم تتم بشكل فعال. ومن جهته أوضح زكى بدر، وزير التربية والتعليم الأسبق، أنه لا يمكن إقصاء أحد من البرلمان القادم سواء رجال أعمال أو أعضاء حزب وطنى، معتبرًا أن وجود رجال الأعمال داخل مجلس النواب ليس سبة وإنما علينا أن نواجه أصحاب الفساد السياسي ومنعهم من الترشح نظرًا للأهمية البالغة التى يتمتع بها هذا البرلمان. وأضاف وزير التربية والتعليم الأسبق أن البرلمان القادم يعتبر أول تجربة بعد الثورة، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الأحزاب الجديدة والناشئة التى تعتبر عائقًا فى طريق حصول الأحزاب العريقة على عدد وفير من المقاعد الانتخابية. وأشار بدر إلى أن مبادئ الأحزاب وبرامجها هى التى تحدد فرصتها فى البرلمان حتى لم يملك مؤسسيها الكثير من المال، بالإضافة إلى تكاتف أعضاء الحزب مع بعضهم. وفى نفس السياق أفاد أمين راضي نائب رئيس حزب المؤتمر، أن النزاع بين المال والنفوذ يضعف فرصة تمثيل الأحزاب، مؤكدًا أن أصحاب المال سيكون لهم تأثير كبير في الانتخابات، بالإضافة إلى الكتلة التصويتية والقبلية، مشيرًا إلى أن عدد المستقلين سيكون كبيرًا للغاية. ولفت نائب رئيس حزب المؤتمر إلى أن حصة الأحزاب ستكون بسيطة تتراوح من حزب لآخر حسب التواجد في الشارع، مؤكدًا أن الأحزاب غير القادرة ماديًا تواجه مشكلة كبيرة فى دعم المرشحين، موضحًا أن التكتلات التى تحاول الأحزاب ذات الاتجاه الموحد تكوينه ستفشل بسبب المصالح الشخصية. وتابع «راضي»: الشارع سيحدد أغلبية البرلمان القادم سواء رجال أعمال أو أحزاب وذلك من خلال العمل الجماهيرى، معتبرًا أن عملية شراء المرشحين التى تتم من قبل بعض رجال الأعمال تسيء للبرلمان. واقترح د. جاد الكريم، مدير عام مؤسسة شركاء من أجل التنمية، ضرورة إلزام المرشحين بنشر بيانات تفصيلية عن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية فى وسائل الإعلام المحلية، أو تمكينهم من نشرها خلال الموقع الإلكترونى للجنة الانتخابات البرلمانية، وذلك قبل موعد الاقتراع بوقت كاف. وأكد الكريم إلزام المرشحين «سواء كانوا الخاسرين أو الفائزين» بنشر تقرير ختامى معتمد متضمنًا كل المستندات الثبوتية فى وسائل الإعلام المحلية، أو تمكينهم من نشرها من خلال الموقع الإلكترونى للجنة الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد مرور وقت مناسب من انتهاء العملية الانتخابية، ومد ولاية الجهاز المركزى للمحاسبات لتشمل حق الرقابة على مصادر تمويل بنود إنفاق المرشحين لعضوية البرلمان. وأضاف: «توسيع دور منظمات المجتمع المدنى المحلية فى متابعة التمويل والإنفاق الانتخابى للمرشحين، مع ضرورة تمكينها من الوصول للمعلومات اللازمة والمتاحة لدى حملات المرشحين أو لدى الجهات الرسمية». ولفت إلى ضرورة رفع وعى المواطنين بالإجراءات القانونية المنظمة للتمويل والإنفاق الانتخابى وتحفيزهم على متابعة مرشحيهم باعتبار ذلك حق من حقوق الناخبين، تشديد العقوبات القانونية المتعلقة بعدم الإفصاح عن مصادر التمويل أو بنود الإنفاق، أو مخالفة ما هو وارد فى التقارير والسجلات والحسابات الرسمية للمرشح، لتصل إلى عقوبة الشطب من سجلات المرشحين، أو إسقاط العضوية فى حال فوز المرشح قبل اكتشاف الجرم الانتخابى. واختتم بتصريحات: «بخلاف هذه التوصيات وبالتوازى معها تبقى ضرورة إسراع الخطى فى إنشاء الهيئة الوطنية الدائمة الانتخابات والتى ستوفر لمنظومة الانتخابات فى مصر درجات أكبر من النزاهة والشفافية، وتتغلب على الفجوات والمشكلات الناتجة عن موسمية العمل الانتخابى».