حتي وهم يكتوون بنار الإرهاب لا ينسي للمصريين أبداً انهم أكرم خلق الله وأن سعادتهم لا تتم في الشهر الكريم إلا عبر تفعيل قيم الرحمة والمودة والتسامح فيما بينهم لأجل ذلك يمثل ذلك الشهر حدثاً استثنائياً علي وجه التجديد بالنسبة للفقراء الذين يجدون أنفسهم مشمولين بتعاطف الأثرياء معهم. لأجل ذلك تبدو مقولة رمضان في مصر له طعم تأني شديدة الدلالة لأنها تكشف بوضوح عن أن ذلك الشعب الذي اختبرته الأيام بحياة قاسية لا يعدم العطاء حتي وهو في أشد ظروفه الاقتصادية وبقدر ما يمثل الشهر الكريم فرصة للبعض للراحة فإنه شهر الكد والاجتهاد بالنسبة للكثيرين خاصة أولئك المرتبطين بأعمال ميدانية الذين ذهبنا معهم، «الوفد» في مواقع عملهم لتطلع عن قرب علي حياتهم وكيف يقضون وقت الإفطار. في أكثر من ميدان بالقاهرة كان الفقراء سواء كان المرتبطين بأعمال يدوية من طائفة المعمار أو غيرهم يمارسون أعمالهم وعلي وجوههم علامات الرضا الذي يستمدونه من نسائم الشهر الكريم ومع انطلاق مدفع الإفطار افترش الكثير من المواطنين الرصيف لتناول طعامهم ومنهم عمال النظافة فعلي الرغم من صعوبة العمل بنهار رمضان خاصة مع حرارة الصيف والشمس الحارقة إلا انهم يتحملون العمل في هذا المناخ القاسي فجنباً إلي جنب مع ارتفاع الحرارة التي تزيد من الشعور بعطش خاصة في أجواء شديدة القسوة والجهد البدني الذي يبذله العديد من أصحاب المهن المرتبطة بالعمل الميداني ونفس الحال يواجهه أيضاً عمال البناء والمخابز وغيرهما من المهن الشاقة، اقتربنا من «محمد» وهو عامل بناء كان جالساً علي الرصيف ويقول: ربنا هو الذي يصبرنا ويعطينا القدرة علي التحمل فنحن نعمل من أجل لقمة العيش أكثر من 6 ساعات تحت أشعة الشمس وربنا يقدرنا ويصبرنا علي التعب، ثم انضم إليه بعض العاملين ليشاركوه وجبة الإفطار علي الرصيف.. فعلي حد قولهم: «لقمة هنية تكفي مية». وفي أثناء جولتنا في الشارع وجدنا أيضاً شباباً يمشون علي أقدامهم بين السيارات لتوزيع العصير والتمر للناس الذين لا يستطيعون الوصول لبيوتهم قبل الإفطار.. وفتحنا الشبابيك وأخذنا منهم العصير والبلح فكانت الابتسامة الصافية تملأ وجوههم وتمنينا في هذا الوقت أن يكون هذا حال شبابنا طوال السنة وليس في رمضان فقط. وأثناء جولتنا التقينا بأسرة تتناول إفطارها علي الرصيف فاقتربنا من السيدة وتدعي «أم عمرو» وتقول: الإفطار في الشارع له مذاق آخر فمصر في شهر رمضان تتزين بلون مختلف ورمضان يحب «اللمة» وفرصة لنجتمع سوياً ونستمتع بهذا الجو الرمضاني البديع وأمام إحدي محطات البنزين في الدقي كان عمال المحطة يقومون بإعداد مائدة صغيرة ليتناولوا سعليها معاً وجبة الإفطار وقد اعتادوا علي الطعام سوياً بسبب ظروف عملهم والتي تقتضي بقاءهم بالمحطة طوال اليوم.. ويقول «مصطفي»: «ربنا ما يقطع لنا عادة فنحن بمثابة الأسرة نجتمع معاً وقت الإفطار وربنا هو الذي يرزقنا في هذا الشهر الكريم والحمد لله الخير كتير». ومن بين المهن الشاقة أيضاً التي تلزم أصحابها الإفطار بعيداً عن الأهل هم عساكر المرور الذين يعملون في أجواء شديدة القوة، حيث تلفح أشعة الشمس الحارقة وجوههم طيلة النهار وقبل موعد الإفطار جلس أحد العساكر علي الرصيف منتظراً أن تمر الدقائق المتبقية علي أسذان المغرب ليكسر صيامه بحبة تمر وقليل من الماء. استكملنا جولتنا في الشارع ولاحظنا جواً من الألفة والمحبة تبدو واضحة، الكل يسعي أملاً في الحصول علي الثواب الذي أخبر عنه النبي [ حيث كانت هناك العديد من السيارات التي تمر لتوزيع الوجبات ل«أهل الشارع» من الغلابة والبسطاء باختصار رمضان في مصر.. دائماً كريم.