حيث ينبت الشجر يُهزم الحجر. وأينما وجد الماء وجدت الحياة. فما بالك بأرض وجد فيها النيل. النيل ليس نهراً من ماء فقط بل من حياة أيضاً. على ضفتيه شعب له لون أسمر وطعم سمك لذيذ ورائحة تاريخ معتق. لكأنه يجري في عروق المصريين أيضاً فينعكس على وجوههم ابتسامات لا تعرف العذاب ولهجة عذبة تدعوك للفرح بكل لغات الحياة. «أهلاً يا افندم دي مصر نوّرت». من منا لم يضحك قلبه ولم يحس بالأمان حين سمع هذا الترحيب عندما وطئت طائرته أرض مطار القاهرة؟ أي عربي لم يشعر بأن مصر أمه الدائمة إذا ما رحلت أمه أو ضاقت به صدور الأوطان؟ الأمان سر مصر وصدرها الحنون. لكن ثمة من يحاول عبثاً تعكير صفو النيل والعبث بالجغرافيا التي توأمت بين المصريين والمصريين وبين المصريين والعرب. إنها لعبة الأمم التي تتحكم بها الأمة اللمم من بني صهيون. وللأسف استطاعت من خلال الأيدي العمياء والعقول المغسولة بالترهات أن تلطخ ثوب «بهية» بالدم وصوت «ياسين» بالدمع. أن تدلق كاسة الشاي من يد عم حسنين في الشارع المحاذي للأمل فيرسم على الأرض لوحة باهتة للحياة البسيطة بساطة القادم من الصعيد والنوبة وسيناء. سيناء الآن مقر ومقبرة للمخطط الشيطاني ضد مصر، إنه الثالوث غير المقدس: داعش، إسرائيل والمتأسلمون الجدد. يصطادون عدة عصافير بحجر الإرهاب الواحد. إنهاك جيش مصر العظيم، تعميق الفتنة وفصل سيناء عن مصر تحت مسمى «ولاية سيناء»! لكن سيناء ستبقى مصرية عربية كما كانت على مر التاريخ فهي تحظى بمكانة متميزة في قلب كل مصري، مكانة صاغتها الجغرافيا وسجلها التاريخ.. وسطرتها سواعد ودماء المصريين على مر العصور. هي الموقع الاستراتيجي المهم ومفتاح موقع مصر في قلب العالم ومحور الاتصال بين آسيا وإفريقيا، بين مصر والشام توامة تاريخ «كماشة» تحطم ضلوع كل طامع بأرض العرب، مصر بموقعها بين المشرق العربي والمغرب العربي سند لكليهما المشرق والمغرب. سيناء خط الدفاع الأول عن أمن مصر. من هذا المنطلق تظل أرض سيناء البوابة الشرقية لمصر مثار أطماع الغزاة المتطلعين لنهب خيرات هذه المنطقة التي تضم كنوزاً في ثنايا ترابها، إضافة إلى غزو أرض الكنانة ومن يستقرئ التاريخ ويستعرض فصوله يجد هذه الحقيقة ماثلة أمام عينيه منذ هجوم الهكسوس على مصر. وها هو التاريخ يعيد نفسه وتؤكد مسيرة التاريخ أن أرض سيناء تظل مطمع الأعداء للاستيلاء عليها والتقدم نحو السيطرة وفرض الإرادة على مصر العربية. ولا ننسى شعار الكيان الصهيوني «إسرائيل من النيل إلى الفرات» ومطامعهم لا تتوقف من أجل تحقيق هذه المطامع. بأساليب المكر والخداع والتربص بادعاء السلام، وهذه المرة عن طريق من يدعون الإسلام. إنهم يضمرون الشر لمصر. هم أدوات مخطط تقسيم وتفتيت الوطن العربي.. مظاهر الشماتة والفرحة والابتهاج التي ميزت ردود أفعال قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، حيال الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة النائب العام المستشار هشام بركات، كانت كافية لخلق انطباع عام، بأن للجماعة صلة بالجريمة، وعززت الشكوك التي تهيمن على عقول كثيرين بتورط الجماعة في إعمال العنف والإرهاب التي تضرب مصر من صحرائها إلى واديها. الرئيس السيسي في خطابه أثناء مراسم تشييع المغدور، وجّه أصابع الاتهام من دون مواربة إلى «الذين أصدروا أوامر القتل من سجونهم»، هدد وتوعد، وتعهد بإطلاق يد الأجهزة الأمنية في الثأر والردع، بدا أن مصر قد دخلت حالة حرب معلنة، مفتوحة على شلال من الدماء.. مصر بعد الجريمة، ليست كما كانت قبلها، بشهادة كثيرٍ من المحللين والمراقبين. التطورات التي تشهدها مصر ستتنزّل وبالاً على هؤلاء.. فالإخوان سيمنون بضربات قاصمة، ستبدو معها أحداث «رابعة» نزهة قصيرة.. والأرجح أن الجماعة التي واجهت نزفاً حقيقياً بالسجن والقتل والتشريد والاستقالة والانشقاق، ستواجه المزيد من الشيء ذاته، ولكن بوتائر ومعدلات أعلى مما يُظن، سيما إن أظهرت نتائج التحقيق وجود صلة ما، مباشرة أو غير مباشرة، تربط الجماعة بجريمة اغتيال بركات. من مصلحة العرب جميعاً الوقوف إلى جانب مصر في هذه المرحلة، هي قلبهم وسر قوتهم. لقد آن الأوان لقلب الطاولة على المخطط الشيطاني الداعشي الإخواني الصهيوني الساعي إلى محو كل ما هو عربي في أرض العرب! نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية