صلةُ الرّحم أمارةٌ على كَرَم النّفس، وسَعَةِ الأفُق، وطيبِ المنبَتِ، وحُسن الوَفاء ولهذا قيل: مَن لم يَصْلُحْ لأهلِه لم يَصْلُحْ لك، ومَن لم يذُبَّ عنهم لم يذبَّ عنك، يُقْدِم عليها أولو التّذكرةِ وأصحابِ البصيرة. وصلة الرحم مدعاة لرفعه الواصل، وسبب للذكر الجميل، وموجبة لشيوع المحبة، وعزة المتواصلين. وصلة الرحم تقوي المودَّة، وتزيدُ المحبّة، وتوثَّق عُرى القرابةِ، وتزول العداوةُ والشّحناء، فيها التعارفُ والتواصلُ والشعور بالسّعادة. وكثير من الناس مضيعون لهذا الحق، مفرطون فيه، فمن الناس من لا يعرف قرابته لا بصلة ولا بمال، ولا بجاه ولا بحال، ولا بخلق ولا بود، تمضي الشهور وربما الأعوام ولا يقوم بزيارتهم، ولا يتودد إليهم لا بصلة ولا بهدية، ولا يدفع عنهم مضرة ولا أذية، بل ربما أساء إليهم، وأغلظ القول لهم. ومن الناس من لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدق على فقرائهم، بل تجده يقدم عليهم الأباعد في الصلات والهبات. ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه, وهذا في الحقيقة ليس بواصل، وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله، وهو حاصل للقريب وغيره، والواصل حقيقة هو الذي يتقي الله في أقاربه، فيصلهم لله سواء وصلوه أو قطعوه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. ومن مظاهر القطيعة أن تجد بعض الناس يحرص على دعوة الأباعد، ويغفل أو يتغافل عن دعوة الأقارب، وهذا ما لا ينبغي؛ فالأقربون أولى بالمعروف قال الله عز وجل: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ). ومن نتائج قطيعة الرحم، معاداة الأقاربِ شرّ وبلاء، الرّابح فيها خاسِر والمنتصِر مهزوم، وقطيعةُ الرّحم مِن كبائر الذّنوب، وقبائح العيوب متوَعَّدٌ صاحبُها باللّعنةِ والثبور، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم). فالتدابرُ بين ذوِي القربَى مؤذِنٌ بزوالِ النِّعمة، وسوءِ العاقبةِ، وتعجيلِ العقوبة، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِع رحم. فعقوبتُها معجَّلة في الدّنيا قبلَ الآخرة، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ أي الظلم وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ.. وقطيعة الرحم سببٌ للذِلّة والصّغار، والضّعفِ والتفرّق، مجلَبةٌ للهمّ والغمّ، فقاطعُ الرّحم لا يثبُت على مؤاخاة، ولا يُرجَى منه وفاء، ولا صِدقٌ في الإخاء، يشعر بقطيعةِ الله له ملاحَقٌ بنظراتِ الاحتِقار، مهما تلقَّى من مظاهِر التبجيل، لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستوحِشون مِن الجلوس مع قاطِع الرّحم.