في عالم السيرة الذاتية في الدراما العربية حدث ولا حرج، طيبة وأخلاق وجمال وملائكة علي الأرض، وكله عند كتاب السيناريو والمخرجين إما ملائكة وإما شياطين، ولا يوجد بشر في دنيا الدراما، فالسيناريست يعمل سائق ملاكي للسيرة التي يكتبها بدون أي موضوعية، حدث هذا في كل الأعمال الدرامية المقدمة في السنوات الماضية التي كان أبطالها جميعاً تركوا الحياة ومعظم الشخصيات التي يتناولها المسلسل وبالطبع السيناريست في هذه الأعمال يكتب وموجه إلي صدره مسدس من أهالي الشخصيات الموجودة بالعمل الفني، فيظهرهم وكأنهم معصومون من الخطأ، ولا يعرفون الهفوات في حياتهم. هذا الخوف يحدث من شخصيات رحلت فما بالك بتقديم عمل عن فنانة مازالت بيننا حتي الآن، والغريب أننا توقعنا ظهور عمل فني جريء وشخصية حقيقية في مسلسل «الشحرورة»، خاصة أن صباح في جميع اللقاءات الصحفية والتليفزيونية التي قدمتها كانت صريحة بشكل صادم وتكلمت عن هفواتها وأخطائها التي تجاوزت كل الحدود وأصبح أجرأ حوار إعلامي مع صباح يعني المزيد من الحكايات والأحداث التي تظهرها كشخصية ليست لها حدود في التصرفات بل أن صباح تجاوزت الحكايات عن حياتها الشخصية إلي تناول حياة الفنانين الآخرين دون أن تكون هناك خطوط حمراء تقف عندها.. ولكن فداء الشندويلي سيناريست مسلسل الشحرورة أحضر ممحاة كبيرة أزال بها كل التاريج المليء بالمتناقضات والهفوات والأخطاء الإنسانية وقرر الإمساك بفرشة فنان ورسم صورة براقة للصبوحة لا تعرف فيها أي شوائب إنسانية، وأصبحت الشحرورة علي يديه ملاكاً بجناحين يغرد وينتقل من مكان إلي آخر لنشر الحب والعطاء. وانقسم المحيطون حولها إما شياطين يحاولون استغلال هذا الملاك وتدميره وإما عاشقين يقعون في حب «صباح» من أول نظرة، ولا عزاء للمنطق والموضوعية! ولأنك أمام عمل درامي ملاكي فلا مانع من ترك الحقائق علي الرف لصالح الزبون، وأن تصبح شخصية مثل «نور الهدي» شريرة لا شيء تفكر فيه سوي تدمير ممثلة ناشئة لم تظهر لديها أي موهبة فذة، في الوقت الذي تبرر فيه صباح المتسامحة إلي حد «الهبل» والعاشقة لنور الهدي، ولا مانع من ضياع حلقة كاملة حول هذا الموضوع، ولا أعرف أيضاً لماذا عشنا في هذا الإيقاع المتراخي والأحداث المملة حول والدها وعشقه لراقصة رغم أن حياة صباح مليئة بالأحداث المتلاحقة والغنية في حياتها الفنية والشخصية. الطريف أن المخرج نجح في تقديم بوستر جميل ودعاية سياحية للبنان من خلال إصراره علي التصوير الخارجي في أماكن طبيعية وهو من الأشياء الجيدة في المسلسل وإن لم يكن الوحيد المميز، إلا أن الاستغراق في التفاصيل غير المهمة أفقد هذا العنصر بريقه إلي جانب سقوط المزج في التعامل مع عنصر الزمن وأثره علي الشخصيات، فقدم نموذجاً للخالة التي تظل سنوات لا يستطيع الزمن الاقتراب منها، بالإضافة إلي أن حكايتها ظلت خطاً رئيسياً في العديد من الحلقات وتخطت حكاية الشحرورة نفسها. وإذا اقتربنا من أسلوب «كارول سماحة» في أداء الشخصية فحدث ولا حرج فاختيارها لأداء شخصية صباح في مرحلة المراهقة لم يكن موفقاً ولم تستطع الضفائر إلغاء علامات الزمن علي وجهها، بالإضافة إلي أن كارول شخصية بعيدة عن نموذج المرأة «الدلوعة» وهو أهم مميزات تكوينة صباح فظهرت مشاهد الأنوثة والدلع وكأنها خارجة من فيلم كارتون. وأخيراً لا أعرف سبباً للتهريج المكتوب علي تتر الحلقة التاسعة من أن شخصيات المسلسل من واقع الخيال سوي استكمال حالة الاستخفاف بعقل المشاهد.