بمجرد أن تطأ قدمك مدينة الشروق ستكتشف فوراً حجم الإهمال وسوء التخطيط وضعف الخدمات المقدمة بها، رغم أنه كان مخططاً لها لتكون مدينة عالمية.. فالحقيقة أن المدينة تعانى مشكلات لا حصر لها.. واللافت أن كل مسئول يأتينا بتبريرات مختلفة.. وكم من رئيس جهاز جاء.. ومازالت مشكلات المواطنين قائمة ومستمرة، بل تتفاقم يوماً بعد يوم.. فالأمنيات كثيرة .. والجماهير تشكو.. والمواطن أصبح فى حيرة بين مدينة نظيفة وآمنة ومنضبطة كانت محببة إلى نفسه، بعد أن أصبح يعاني السرقات وقصور الخدمات وإنعدام الوجود الأمنى، وبين تراخى وتكاسل موظفي جهاز المدينة وعدم تحملهم المسئولية تجاه المواطنين، مما حولها إلى مدينة أشباح، وهو ما تسبب فى هجر بعض الأسر لمنازلها التى قامت ببنائها بشق الأنفس، هروباً من هذه الظروف القاسية. تقع مدينة الشروق بالكيلو 37 طريق (مصر – الإسماعيلية)، وتمتد عرضها حتى طريق (مصر – السويس) بعمق 7 كيلو مترات. وتعتبر «الشروق» من مدن الجيل الثالث التى تم إنشاؤها بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (326) لعام 1995، والمقامة على 13 ألف فدان، ويبلغ التعداد السكانى الحالى 120 ألف نسمة، بينما المستهدف فى عام 2017 يصل لعدد 500 ألف نسمة، ويأتى ذلك فى إطار جهود الدولة المصرية للتوسع العمرانى لتحقيق عدة أهداف تنموية، أهمها: استيعاب الأعداد السكانية المتزايدة لتخفيف الضغط السكانى، وإعادة توزيع السكان داخل منطقة القاهرة الكبرى، من خلال توفير فرص عمل جديدة من المشروعات الصناعية، التى كان مقرراً إقامتها بالمدينة، لكنها لم تكتمل حتى الآن. نحاول فى التحقيق التالى التعرف على مشاكل المواطنين ودور جهاز مدينة الشروق فى علاجها. الفوضى والتسيب هما عنوان مستشفى الشروق العام التابعة لمحافظة القاهرة، التى لا تصلح لأسعاف أى حالة طارئة، لكونه غير مجهز للعمليات الجراحية، ولا يوجد فى المستشفى أطباء عظام، وتوقف العمل تماماً بقسم السموم، وهذا المستشفى يتمركز فى منطقة واحدة فى المدينة، وهى غير كافٍ لخدمة جميع المناطق والأوقات. وكذلك تبعد المدارس كثيراً عن المناطق السكنية، كما أن المخابز غير كافية، بالإضافة إلى الإنسداد المستمر لمواسير الصرف الصحى، وعدم كفاية مياه الشرب وكسر المواسير، وكثرة القمامة فى الشوارع والأحياء، وغياب اللمسات الجمالية من المساحات الخضراء أو الحدائق الترفيهية، وفوضى تكسير البناء فى الشوارع والأحياء، فى ظل غفلة الجهات المعنية، مما أدى إلى تشويه المنظر العام للمدينة، كما لا توجد إنارة بمعظم الشوارع ليلاً، والأكثر من ذلك أننا فوجئنا بانعدام الخدمات الأمنية فى المدينة! ويقول محمد السيد، أحد المقيمين فى شارع صلاح عبدالصبور بمدينة الشروق : الأطباء يتقاضون رواتب بلا عمل أو فائدة، كما لا يوجد بالمستشفى أى أدوية أو إمكانيات طبية، فجميع المترددين من المرضى يقومون بشراء الأدوية والسرنجات والقطن والشاش من الخارج. ونطالب وزير الصحة بوضع حد لهذه الفوضى وإهدار المال العام. ويرى فخرى محمد، أحد سكان شارع سهير القلماوي بالمنطقة المميزة: إن جهاز مدينة الشروق يدار بشكل عشوائى دون وجود خطة واضحة، والنتيجة إهمال وقصور فى توفير الخدمات للمواطنين، حيث تعانى المدينة مشاكل عديدة أبرزها صعوبة الحصول على رغيف العيش لوجود كشك واحد فقط بالمنطقة، ومعظم الشوارع غير مضاءة، فضلاً عن قلة التواجد الأمنى، وسوء معاملة موظفى الجهاز للمواطنين خاصة قسم التراخيص، وعدم اهتمام جهاز المدينة بمشكلات وشكاوى سكانها، وهو ما يبرهن على تخبط السياسات وعشوائية الجهاز، والعجز عن التعامل مع الأزمات، فعندما نذهب إلى موظفي الجهاز يتعاملون معنا بمنتهى «القرف»، ويتفننون دوماً فى تعذيبنا على طريقة «فوت علينا بكره». مشيراً إلى أهمية العمل على تحسين الخدمات وتذليل العقبات. رشاوى ومن جانبها قالت سلوى سعيد رمضان، ولديها «طفلان» إحدي المقيمات بنفس المنطقة: نعانى نقص الخدمات والفساد المستشرى فى جهاز المدينة، فأنا أقوم بدفع قيمة مخالفات تصل إلى 150 جنيهاً، وعلى حسب الفيزيتا، فى مقابل تغاضى مهندسى الجهاز عن إقامة سلم خارجى لشقتى بالدور الأرضى، وهو بالفعل مخالفة صريحة لقانون البناء، لكنه لا شيء أمام المخالفات الكبيرة فى المدينة، ومع هذا نضطر إلى دفع هذه الغرامة من حين لآخر. أما فيما يتعلق بالأمن، فيقول محمد أشرف، 34 عاماً، ومقيم فى المنطقة التاسعة: نريد تواجدا آمنيا لحماية الأهالى، وأن يتم التعامل معه بزيادة عدد الخفراء والدوريات الأمنية، مع أهمية توافر وسيلة للتواصل بين الشرطة والمواطنين داخل المدينة على ألا يقتصر دورها على تلقى البلاغات فقط، بل النزول فوراً إلى مكان التعدى، وهذا يتطلب عمل دراسة تأمينة للمدينة، خاصة ان البلاغات متعددة ما بين سرقات واعتداءات متنوعة يصل بعضها إلى الاشتباك بالأسلحة النارية مع البلطجية والخارجين عن القانون، وهذه الإجراءات الأمنية بالتأكيد سوف تسمح بزيادة أعداد السكان وتعمير تلك المناطق. كما توجد مشكلة أخرى وهى مضاعفة رسوم النظافة دون أن يقابلها أى خدمات .. ويختتم أشرف كلامه مردداً «حسبى الله ونعم الوكيل». عذاب يومي واستنكر كثير من السكان تجاهل رئيس جهاز مدينة الشروق، المهندس عاطف زكريا، لشكواهم المتكررة، وطالبوا بتدخل عاجل من قبل الحكومة ووزارة الإسكان من أجل إنقاذ المدينة من يد الإهمال والعشوائية التى شوهت أرقى المناطق فيها، وحولتها إلى مدن للأشباح، فالطرق والشوارع مظلمة، ومعظم المبانى السكنية مهجورة بلا سكان، ناهيك عن تعثر أصحاب العقارات والفيلات فى استخراج تراخيص البناء والموافقات الفنية مع الجهاز، لكى يمكنهم إدخال الكهرباء والمياه، للانتقال من القاهرة الخانقة المزدحمة إلى منازلهم الجديدة، بالإضافة إلى وجود مساحات من الأراضى يقوم أصحابها بتغيير شكل البناية أو الواجهة أو غيرها من اشتراطات البناء الأساسية لتحويلها إلى مول تجارى بالمخالفة للقانون، ويضر بالشكل العام أو بالمساحات المسموحة بها، وتحديداً فى شارع سهير القلماوي بالمنطقة المميزة. وأشار إلى أن بطء الإجراءات وتعقيدات جهاز المدينة وراء هروب المتضررين، مما يتطلب توافر الخدمات اللازمة لتحقيق الاستقرار وجذب السكان، لأنه بدون ذلك لن يحدث تنمية حقيقية أو تطوير. ووافقه الرأى المواطن أحمد مجدى، ويقطن فى شارع كامل الشناوى بالمنطقة المميزة . مؤكداً أن المدينة طاردة للسكان، فهى تعانى نقصاً حاداً فى الخدمات، كما أن الشوارع مظلمة، وانتشار الردم الناتج عن مخالفات البناء فى الشوارع . مخابز غير كافية .. وزحام مستمر ومن أمام كشك العيش بشارع سهير القلماوي المنطقة المميزة، قابلنا أم محمد، «ربة منزل»، أم ل«3 أبناء»، وتقول: مشكلة الطوابير مزمنة، فأنا انتظرت من الساعة 10 للساعة 12 ظهراً، من أجل شراء بجنيه واحد خبزاً مدعماً، وإلى الأن لم أحصل عليه، رغم رداءة الرغيف. واستمرت فى وصف معاناتها: يوجد كشك واحد فقط يخدم مناطق عديدة، وهى كارثة كبرى، لأننا لا نقدر على شراء العيش بأسعار سياحية تصل إلى 50 قرشا وجنيه، كما أنه مع شدة الزحام تهان كرامة السيدات، ناهيك عن الخناقات والبهدلة والسرقة، كما أن هناك آخرين يموتون ضحية المشاجرات فى طوابير العيش دون أن يعلم بهم أحد، كما أن الكشك ينهى عمله فى غضون ساعتين فقط ويغلق الشباك فى وجهنا بحجة انتهاء الخبز المدعم أبو 5 قروش، ومع هذا لم نلمس أى حلول أو تحرك حكومى على صعيد حل الأزمة التى تفتك بعظام الفقراء، وقد قمنا بعرض مشاكلنا على جهاز المدينة.. فكان الرد: «لازم يكون فى طوابير.. والتقصير خارج عن إرادتنا.. احمدوا ربنا واخرجوا بدرى من منازلكم لشراء احتياجاتكم.. والمسألة محتاجة شوية صبر للنظر فى تزويد عدد الأكشاك الحكومية». استكملنا الحديث مع أمنية، موظفة بمنفذ بيع الخبز المدعم التابع لشركة المصريين الخاصة بالمنطقة، فتقول: الخبز المدعوم متوافر لدينا باستمرار خلال ساعات عملنا من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، يأتى لنا 35 طاولة عيش، بإجمالى كمية 3.5 ألف رغيف يومياً، حتى تنتهى مواعيد عملنا الرسمية . تلال القمامة أما أم رانيا، لديها «3 أبناء، من أهالى المنطقة: تؤكد أنها بجانب مشكلة الخبز، توجد مشكلة آخرى تهدد صحة المواطنين وهى انتشار أكوام القمامة والقاذورات بروائحها الكريهة التى تزكم الأنوف وتسبب الأمراض الخطيرة، كما تعد القمامة مرتعاً للكلاب والقطط الضالة والحشرات والناموس والبعوض. وطالب السكان مسئولى جهاز المدينة كثيراً بنظافة شوارع المدينة من القاذورات، وإضاءته، لكن لا أحد يستجيب. أزمة الصرف والردم وتشكو فوقية محمود، سيدة فى خريف عمرها، وتقطن فى شارع صلاح شاهين بالمدينة: من عدم توافر أسواق مجمعة لبيع كافة السلع الغذائية والاستهلاكية بأسعار مناسبة للمواطنين، وتليها مشكلة طفح البالوعات ومواسير الصرف الصحى المستمر بالطرق والشوارع، بخلاف ذلك توجد مخلفات البناء التى لم يتم رفعها حتى الآن، وتظل عائقا أمام العقارات، وهى أكبر المشكلات، الأمر الذى يؤدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة بين السكان، مما تسبب أيضاً فى مغادرة السكان شققهم وبعدهم عن المنطقة . ونطالب مسئولي الجهاز بأن ينزلوا إلى الشارع ويعيشوا متاعبنا ومشاكلنا ويشعروا بمعاناتنا اليومية. والتقط طرف الحديث محمد، «موظف»، أب ل«طفلتان»، ومقيم فى المنطقة السادسة المجاورة الأولى عقار رقم «87»، قائلاً: لا يوجد بالعقارات كهرباء، ولا غاز طبيعى، ولا تليفونات أرضى، ولا انترنت، وهناك انقطاع مستمر فى المياه، والمدينة عشوائية بالدرجة الأولى. موضحاً تخاذل شركات الكهرباء والمياه عن إيجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات، والسكان ما زالوا يدفعون الفاتورة.. ويعيشون فى دائرة مفرغة بلا نهاية. وتابع: طالبنا كثيراً فى شكوانا بإنارة وتجميل الطرق، وإصلاح شبكات الكهرباء، وإدخال خطوط التليفونات الأرضية، والإنترنت، والجهاز الطبيعى، وصيانة شبكات الصرف الصحى، ووضع خطة لتشجير المدينة، وتفعيل خط ساخن لنقل مشاكل المواطنين، وصيانة الكابلات المتهالكة، ورفع كفاءة قسم شرطة الشروق، ومستشفى الشروق العام، وزيادة عدد أتوبيسات النقل العام. أما المواطن محمود عطا، فيضيف: هناك بيروقراطية فى تعامل الجهاز مع المواطنين، سواء فى استخراج التراخيص أو البناء، فمعظم المناطق والأحياء لا تصلح للحياة فلا كهرباء ولا صرف صحى ولا أمن، كما نعانى الإجراءات المعقدة، وضياع وقت ومجهود ومال المواطنين . واصفاً هذه المدينة ب«المكان المهجور»، الأمر الذى أدى إلى عزوف الكثيرين من أصحاب الأراضى عن تعمير المدينة، بعدما تحولت إلى مناطق أشباح هجرتها الخدمات واختفت منها مظاهر التطوير أو الاهتمام من جانب المسئولين. ورداً عن مشاكل المواطنين، توجهنا إلى جهاز مدينة الشروق.. وقابلنا أحد مسئولى الجهاز – «رفض الافصاح عن اسمه» – وقال: «هناك مشاكل تحل بالفعل، لكن هناك أمور خارجة عن إرادتنا، ولا وجود للتباطؤ أو التقصير فى حل مشاكل المدينة». وأكد: أن الخدمات الأمنية متوافرة فى المدينة، من خلال قسم الشرطة، وخدمة النجدة، وسيارات الدورية الأمنية التى تجوب المدينة، كما يوجد بكل حى «مول» خاص يحتوى على مطعم وسوبر ماركت وصيدلية ومكتبة وسوق، بالإضافة إلى تواجد مجموعة من السوبر ماركت الضخمة التابعة القطاع الخاص. لافتاً إلى أنه تم توفير عدد من الأتوبيسات التى تربط بين المدينةوالقاهرة. وأشار إلى أن الجهاز يقوم بتقديم شكاوى المواطنين لمكتب وزير الإسكان ولكن ميزانية الحكومة لا تسمح بتطوير المرافق المتهالكة مثل: البالوعات ومواسير المياه والصرف الصحى التى تآكلت منذ سنوات، لكننا نرفض اتهام مسئولين الجهاز بالفساد أو التقصير، وعلى من يمتلك دليل إدانة فليتقدم به للنيابة العامة. فيما شدد الدكتور صلاح الدين الدسوقى، رئيس المركز العربى للإدارة والتنمية: على أهمية استكمال مشروعات مياه الشرب والصرف الصحى، وتطوير الخدمات بمدينة الشروق، وهذا يتطلب عدم جلوس المسئولين فى المكاتب نهائياً، والتواجد فى الشارع وسط المواطنين للعمل على حل المشاكل فوراً، وعدم تراكمها، إضافة إلى تجميل المحاور والميادين، ورفع كفاءة الشوارع من إنارة وأمن. مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بالتنفيذ والصيانة.