قبل عام 2011 كانت حركة الحوثى محصورة ببعض مديريات محافظة صعدة، حيث خاضت ست حروب مع الدولة لم تتجاوز حدود المناطق التى كانت تسيطر عليها قبل الحرب، ثم كانت مشاركة الحركة فى الثورة الشبابية، ثم استيلاءها عليها. وأثناء انشغال الرئيس السابق على صالح بمواجهة هذه الثورة، أحكمت حركة الحوثى سيطرتها على محافظة صعدة، وبدأت بإرسال مسلحين إلى محافظة الجوف لمحاولة السيطرة على بعض المديريات والمعسكرات بعد خروج الكثير من الجنود منها، ولكن قبائل الجوف وقفت أمامهم بقوة وأفشلت خططهم الرامية إلى نهب المعسكرات والسيطرة على تلك المناطق. وأثناء تلك الأحداث بدأ الحوثيون يفرضون حصاراً شاملاً على منطقة «دماج» غرب صعدة، فى محاولة لإخراج السلفيين منها حتى تصبح محافظة صعدة بكاملها أشبه بدولة مكتملة النفوذ للحوثيين، وهو الأمر الذى تحقق لهم بعد معارك طاحنة انتهت بمبادرة رئاسية تقضى بخروج أهل دماج من صعدة إلى صنعاء. وبعد ذهاب التخوف من سلفيى دماج، بدأت الأطماع تتجه إلى مدينة حاشد مسقط رأس أقوى القبائل اليمنية الموالية لحزب الإصلاح وللثورة الشبابية السلمية، وانتهت بخروج آل الأحمر من المنطقة وسيطرة الحوثيين عليها، مع عقد تحالفات مع بعض القبائل المحسوبة على حزب المؤتمر الشعبى العام. وفى تلك الأثناء استطاع الحوثيون إخضاع منطقة (كثاف) -والتى تتبع جغرافيا محافظة صعدة- تحت سيطرتهم العسكرية بعد انسحاب القبائل من المعركة بفعل خيانات حدثت من الداخل. وتسيطر جماعة الحوثى على عدد من المحافظات والمدن اليمنية جزئياً، فى حين تشهد بعض المحافظات سيطرة سياسية وعسكرية لهم، وذلك على النحو التالى: العاصمة صنعاء - سيطرة كاملة، أمانة العاصمة - سيطرة كاملة، إب - سيطرة جزئية سياسياً وأمنياً، تعز - يسيطر الحوثيون على بعض الأجهزة الأمنية منذ فبراير الماضى، حجة - سيطرة غير كاملة على مركز المحافظة، مأرب - تخضع لسيطرة أبناء القبائل، الجوف - يسيطر الحوثيون على بعض المديريات، البيضاء - سيطرة غير كاملة وتشهد عمليات كر وفر، المحويت - يسيطر عليها الحوثيون سياسيا وعسكريا ولم تشهد أية أحداث، ريمة - سيطرة كاملة للحوثيين، عدن - محاولات أغلبها تفشل للسيطرة عليها عسكريا، لحج - سيطرة جزئية للحوثيين، أبين - وجود عسكرى محدود للحوثيين فى بعض المناطق، وكثير منها موال للرئيس منصور هادى، شبوة - وجود عسكرى جزئى فى عاصمة المحافظة (عتق) وثانى المدن (بيجان)، الضالع - وجود للحوثيين فى المديريات الشمالية ولم يتمكنوا من السيطرة على عاصمة المحافظة لشدة مقاومة أنصار الحراك الجنوبى، حضرموت - العاصمة (الكلا) تحت سيطرة القاعدة وبها قوات عسكرية موالية لعلى صالح، المهرة وسوقطرة - مواليتان للرئيس هادى وفى حالة هدوء. ثانيا: إيران والدعم الثلاثى: لم يعد تورط إيران بدعم الحوثيين وتدخلها فى الشأن الداخلى اليمنى بحاجة إلى أدلة دامغة، والحقائق التى تقع على الأرض يوما وراء آخر تثبت حجم الدعم المالى والعسكرى والإعلامى الذى تتلقاه ميليشيات الحوثى لدعم مسيرة التوسع فى أرجاء الأراضى اليمنية. وقد طالبت الدولة اليمنية أكثر من مرة طهران بكف التدخل فى الشأن الداخلى اليمنى، وكان الرئيس اليمنى هادى قد أكد وجود دلائل كثيرة تثبت تدخل إيران فى شئون اليمن عن طريق دعمها للحوثيين. وتشير رهانات النظام الإيرانى على الحوثيين فى اليمن باعتبارها منطقة استراتيجية، يمكن بعد السيطرة عليها قلب موازين القوة فى المنطقة. ذلك أن لليمن ما يقارب من 2000 كم على الحدود مع السعودية العدو اللدود لإيران. وبإمكان النظام الإيرانى إذا أخضع اليمن للحوثيين أن يزعزع أمن السعودية وسائر دول الخليج العربية من جهة، ومن جهة أخرى تفرض إيران سيطرتها على باب المندب باعتباره موقعاً استراتيجياً على المياه الإقليمية بالمنطقة، لذلك خصصت إيران طاقات هائلة للساحة اليمنية. ومما لاشك فيه أن نجاح حزب الله -العميل الإيرانى فى لبنان- فى السيطرة على لبنان ثم سوريا، كذلك الأحزاب الشيعية فى العراق، شجع على تطبيق هذا النمط باستخدام الحوثيين فى اليمن لإخضاعها للهيمنة الإيرانية. وقد جاء فى إحدى الكراسات الداخلية لقوة فيلق القدس، أن ما يحدث فى اليمن هو ثورة تشبه الثورة الإسلامية فى إيران، وأن (أنصار الله) قوة سياسية ودينية تؤمن بقيادة المرشد الإيرانى، وأن بدر الدين الحوثى -والد عبدالملك الحوثى القائد الحالى للحوثيين- كان قد بايع المرشد السابق الخومينى، كما بايع عبدالملك المرشد الحالى خامينئى مرشداً لهم. ويتمحور الدعم الإيرانى للحوثيين حول ثلاثة جوانب: (الإعلامى، المالى، العسكرى)، على النحو التالى: أ- على الصعيد الإعلامى: قامت طهران بتجهيز جميع الإمكانيات الفنية والتقنية لإطلاق قناتين فضائيتين تابعتين للحوثيين من بيروت.. الأولى قناة المسيرة الناطقة باسم الحوثيين رسمياً، والثانية قناة الساحات التى يديرها عضو من حزب الله فى لبنان ويرأس مجلس إدارتها الشيخ سلطان السامعى، أحد أعضاء البرلمان الموالين للحوثيين. وتضخ إيران مئات الألوف من الدولارات شهريا لدعم خارطة برامجية للقناتين وفق ملامح ورؤى إيرانية واضحة. كما تقدم إيران كافة الدعم الإعلامى عن طرق قنوات: العالم، الميادين، المنار.. وغيرها من القنوات الفضائية التابعة لها، عبر تغطيات واسعة للشأن الحوثى فى اليمن، بالإضافة لاستقبالها مئات الإعلاميين والصحفيين وتدريبهم وإعدادهم، ومن ثم توزيعهم على المحافظات كموظفين تابعين للقناتين المذكورتين آنفاً. ب- على الصعيد العسكرى: أكدت السلطات اليمنية أكثر من مرة أن إيران تدعم الحوثيين بالسلاح عبر إدخاله من بعض المنافذ بطريقة سرية بواسطة مهربين كبار ونافذين فى الدولة، وإيصاله إلى الأيادى الحوثية. وقد سبق الإشارة إلى السفن التى استخدمتها إيران فى نقل أسلحة ثقيلة وخفيفة شملت راجمات صواريخ وصواريخ أرض/أرض، أرض/جو، ومضادة للدبابات، هذا فضلاً عن قيام إيران بدعم الحوثيين عبر استقبال مئات المجندين الحوثيين للتدريب العسكرى فى إريتريا، وقد استأجرت إيران إحدى الجزر التابعة لإريتريا لتدريب الحوثيين. كما حصلت حركة الحوثى على كميات كبيرة من الأسلحة الخاصة بالجيش أثناء الحروب الست مع الجيش فى صعدة، فضلاً عن أن سيطرتها على محافظة صعدة بالكامل جعلت الألوية العسكرية تحت سيطرتها، حيث سلمت قيادات الجيش فى صعدة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر لجماعة الحوثى مقابل حصولهم على مبالغ مالية كبيرة. كما أن أكبر دعم عسكرى حصل عليه الحوثيون كان أثناء سقوط مدينة عمران فى أيديهم. وقد قام فيلق القدس المسئول عن العمليات الخارجية فى الحرس الثورى الإيرانى بنقل 50 طن أسلحة إيرانية إلى الحوثيين من مطار طهران إلى صنعاء فى شهر مارس الماضى تحت غطاء مساعدات من الهلال الأحمر الإيرانى. كما تم القبض على عناصر من الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله فى المعارك الأخيرة فى اليمن. ج- على الصعيد المالى: حصلت حركة الحوثيين على ملايين الدولارات من إيران عبر تحويلات بنكية وحقائب دبلوماسية إلى سفارة إيران فى اليمن، ما ساعد الحوثيين على دفع مرتبات العناصر التابعة لها، بل وأيضا شراء ولاء ضباط وجنود من الجيش، ورؤساء قبائل، وتمويل أنشطة ومشاريع حركة الحوثى. كما حصلت هذه الحركة على مصادر دعم إضافية من عائدات تهريب بعض الممنوعات من اليمن للخارج.. مثل المشتقات النفطية والمخدرات والحشيش والسلاح والقات عبر الحدود السعودية والمنافذ الأخرى التى تسيطر عليها، بالإضافة إلى المبالغ التى تفرضها كضرائب على المناطق الواقعة تحت حكمها، وذلك تحت ذرائع الخُمس، والزكاة، ودعم المجاهدين. كما أن امتلاك الحوثيين عدداً من المبانى والمراكز فى عدد من المحافظات - كصنعاء وذمار - حيث تحصل منها على موارد مالية تسهم فى دعم الحركة. هذا فضلا عن سيطرة الحوثيين على محافظتى صعدة وعمران، وبذلك يتحكمون فى ملايين الدولارات التى تصل إلى المحافظين كميزانية سنوية تخضع للتصريف والإشراف الحوثى المباشر، بالإضافة للضرائب التى تفرضها الحركة أيضا على بائعى القات وتجار المناطق التى تسيطر عليها. وكل تلك المصادر الثلاثة، ضمنت لجماعة الحوثى استمرار كافة أنشطتها وأعمالها الإرهابية، وحملتها العسكرية التوسعية التى تخوضها فى عدة محافظات يمنية. ثالثاً: دعاية الحوثيين: تدور الدعاية السياسية وطريقة الحرب النفسية التى ينتهجها الحوثيون حول ثلاثة أبعاد على النحو التالى: 1- استدعاء التاريخ: وذلك بإنعاش ذاكرة اليمنيين بمحطات الخلاف مع السعودية وآخرها تلك الحرب المحدودة بين الجيش السعودى والحوثيين عام 2009، وقبلها النزاعات الحدودية حول نجران وجيزان وعسير، وتبدل نمط تحالفات الرياض ما بين مساندة الشمال الإمامى فى حربه ضد الجنوب الماركسى فى ستينات القرن الماضى، إلى مساندة الجنوب ضد على صالح فى حرب 1994. وتدخل مصر فى هذا الاستدعاء من خلال الحديث عن الثمن الذى دفعته لتدخلها فى اليمن فى سبيل نصرة الثورة والأخذ بيد المجتمع المدنى فى عهد عبدالناصر. وينطوى هذا الاستدعاء على تحذير وإنذار للقاهرة والرياض، لكنه يغفل موازين القوة الحالية بين الحوثيين وحليفهم على صالح، وبين التحالف العشرى العربى القائم اليوم، والذى يقصف مواقعهم العسكرية فى شتى ربوع اليمن اعتراضاً على قفز الحوثى على ثورة الشعب اليمنى، وتحالفه مع قوى الثورة المضادة، ورهن مصالح اليمن لخدمة إيران. 2- توظيف الطائفية: رغم أن هذه الحرب سياسية، فإن الحوثيين وإيران من ورائهم يريدون أن يحولوها إلى حرب طائفية بين دول تتبع المذهب السنى، على رأسها السعودية ومصر، ودول أخرى تتبع المذهب الشيعى على رأسها إيران ويدور فى فلكها لبنان وسوريا والعراق وحوثيو اليمن، ولقد كانت تظاهرات أتباع إيران فى هذه البلاد، تسهل مهمة الحوثيين فى تسويق الحرب على أنها طائفية للتعمية على أسبابها ودوافعها السياسية، وأملاً فى تأجيج عواطف الشيعة فى ربوع العالمين العربى والإسلامى. هذا رغم أن الزيدية التى يعتنقها الحوثيون تختلف فى مسائل جوهرية عن التشيع الصفوى وكذلك العلوى، لكن الحوثيين ربطوا أنفسهم بإيران الشيعية لتوحد المصالح بينهما. 3- رفع لافتة السيادة الوطنية: حيث بدأ الحوثيون يبثون دعاية قوية تستهدف التأثير فى نفوس اليمنيين وأذهانهم بأن هناك مشروعاً سعودياً - مصرياً لاحتلال بلادهم، أو على الأقل سعى يرمى إلى كسر إرادتهم وإذلالهم، أو الحط من كبريائهم والاستهانة بعمقهم الحضارى. ومن ثم فإن الحوثى وأنصاره هم من يقفون الآن فى الصف الأمامى للدفاع عن سيادة اليمن وسلامة ترابه الوطنى، وأن على الشعب اليمنى أن ينضم إليهم فى هذه المعركة، وينحى الخلافات الداخلية جانبا الآن. ولذلك ظهر كثيرون فى مختلف أجهزة الإعلام يتحدثون فى هذا الاتجاه، محاولين جذب بقية الشعب اليمنى إليهم، أو على الأقل قطاع مهم منه، تتم تعبئته كى يتماسك فى وجه الضربات الجوية، توطئة لتسليحه وانخراطه فى صفوف القتال حال شن قوات التحالف العربى حرباً برية. مكمن القوة الحوثية: تثير سلسلة الانتصارات العسكرية التى حققتها جماعة الحوثى فى السنوات الأخيرة الكثير من الريبة، حول سرعة تطور القدرة القتالية والإمكانات العسكرية والبشرية التى تمتلكها حتى تحقق ذلك التقدم الواضح على أرض الواقع. لكن الحقيقة الصادمة أن حركة الحوثى ليست بتلك القوة الضاربة عسكرياً وبشرياً حتى تستطيع القتال فى أكثر من جبهة بوقت واحد، وتسقط لواء عسكرياً بكامل عدته وعتاده - وهو اللواء 310 مدرع - لصالح الحوثيين، وهو ما يفسر هذه المعضلة بين الافتراض والواقع. ولعل المتتبع لواقع حركة الحوثيين خلال العامين الماضيين، يجد أنها استغلت رخاوة وعجز الدولة اليمنية، وعجز القرار السياسى، وليس القوة العسكرية، فضلا عن خيانة أعداد من القادة وضباط الوحدات العسكرية الذين اشتراهم الحوثيون بأموال إيرانية لتسليم وحداتهم دون قتال. لذلك فإن وجود قائد عسكرى وطنى فى اليمن قوي وقادر على اتخاذ القرار السليم، يمكن أن يتخذ القرار الصائب لمحاصرة وإخماد هذه الحركة بأبسط التكاليف، لكن هذا الأمر غائب حتى الآن. وعلى الرغم من أن حركة الحوثى تعتبر حركة مدمرة على الدولة، ولم تشكل حزبا سياسيا، ولا مؤسسة دعوية، كما أن ليس لها أى بعد شرعى أو قانونى لماهيتها، ومع ذلك نجدها تبسط سيطرتها الشمولية بقوة السلاح، وتنازع الدولة فى سيادتها، وتجد رضوخاً كبيراً من قبل الدولة، وتتعامل معها بلغة الضد وكأنها دولة أخرى مستقلة، الأمر الذى شجع الحوثى على الدفع بكل قدراته للوصول إلى أبعد مدى فى الأراضى اليمنية. كما أن الانقسام السياسى الذى يشهده اليمن بين القوى السياسية منذ عام 2011، جعل بعض هذه القوى يستقوى بالحوثيين كوسيلة إرهاب وتخويف للوصول إلى بعض المآرب. وهذا الأمر لم يكن غائبا عن المواطن اليمنى، فالكثيرون يعرفون مدى استخدام الرئيس السابق على صالح لحركة الحوثيين كوسيلة لى ذراع خصومه السياسيين، حيث كشفت المصادر عن تلقى مسلحى الحوثى دعماً مالياً وبشرياً وعسكرياً كبيراً من على صالح، وهذا الدعم الكبير هو الذى ساهم فى إسقاط مدينة حاشد مسقط رأس أولاد الشيخ عبدالله الأحمر، الذين وقفوا مع الثورة الشبابية بمعية اللواء على محسن الأحمر. وتؤكد المصادر أن قيادات عسكرية وقبلية شاركت مع حركة الحوثى ضد قوات الجيش فى محافظة عمران، حيث ساهم بعض القادة بفتح الأبواب لمسلحى الحوثى للدخول فى المدينة والسيطرة عليها دون قتال، فيما ساهم آخرون بمعاونة الحوثى فى الوصول إلى مقر قائد اللواء 310 مدرع وقتله مع عدد من الضباط والجنود الذين كانوا معه. كما أن حركة الحوثى عملت بذكاء على استغلال كل الخلافات بين القوى السياسية، ودعمت واحتوت كثيراً من القيادات الشابة المحسوبة على الحزب الاشتراكى والناصرى وحزب المؤتمر الشعبى العام، بالإضافة إلى توغلها فى العمق القبلى واستغلال الصراعات القبلية لصالحها، واستقطاب البسطاء من رجال القبائل ودعمهم لنشر الفكر الحوثى فى مناطقهم، وتقديم الدعم الكافى لبسط سيطرتهم عليها، بحجة أن أبناء المناطق يثورون على الظلم والطغيان الذى لحق بهم من مشايخهم والجهات الرسمية. ومن خلال كل ما سبق، نستطيع أن نصل إلى حقيقة واحدة هى: «أن حركة الحوثيين ليست بتلك القوة الجبارة التى لا يغلب جيشها، بل الواقع يقول إنها لا تملك قوة ذاتية بقدر ما تلعب على الظروف». القدرات العسكرية السعودية: منذ انطلاق عملية «عاصفة الحزم» التى يشنها تحالف عربى بقيادة المملكة العربية السعودية ضد جماعة الحوثيين المسلحة فى اليمن، باتت القوة العسكرية للرياض محط أنظار العالم، لاسيما أن كثيرين يعولون عليها فى إنهاء الأزمة. وتلعب المملكة العربية السعودية دوراً رئيسياً فى منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها واحدة من بين قواتها العسكرية الأكثر عصرية وقوة، حسب مؤسسة «جلوبال فاير باور»، إحدى أهم المؤسسات البحثية الأمريكية المتخصصة فى تقديم قواعد بيانات تحليلية عن القوى العسكرية فى العالم. حيث يعد جيش الرياض الأقوى فى منطقة الخليج العربى، والثالث من حيث القوة عربياً، ويحمل المرتبة 28 ضمن قائمة تضم 126 دولة، وفقا لنشرة هذه المؤسسة بتاريخ 26 مارس الماضى. ووفق الموقع يبلغ عدد سكان السعودية 27 مليوناً و345 ألف نسمة، منهم 13 مليوناً و967 ألفاً و609 أشخاص مؤهلون للخدمة العسكرية. ويبلغ عدد من يبلغون سن الخدمة العسكرية سنويا 505 آلاف و868 شخصاً، أما عدد الأفراد العاملين على الجبهات الحدودية، فهو 233 ألفاً و500 شخص، إلى جانب 25 ألفا آخرين من قوات الاحتياط العاملة. وبالنسبة لأنظمة التسليح البرية، يملك الجيش السعودى 1210 دبابات، 5472 عربة قتال مدرعة، 524 مدفعاً ذاتى الحركة، 432 مدفعا مجرورا، 322 راجمة صواريخ متعددة القذائف. وبالنسبة للقوات الجوية، فإنها تضم 155 مقاتلة اعتراضية، 236 مقاتلة هجومية، 187 طائرة نقل، 168 طائرة تدريب، 182 مروحية عامة، 18 مروحية هجومية. أما القوات البحرية فتضم 55 قطعة بحرية، من بينها 7 فرقاطات. وتبلغ ميزانية الدفاع 56.725 مليار دولار. الخلاصة: لعل قرار شن «عاصفة الحزم» يعتبر القرار الثانى بعد قرار شن حرب أكتوبر 1973 من حيث المبادرة العربية، والذى يعيد للعرب اعتبارهم وهيبتهم فى النظام الدولى، وخاصة فى الدائرة الإقليمية منه. حيث تعددت وتنوعت أخيراً الضربات والهجمات والتهديدات الأمنية والوجودية للأمة العربية، سواء فى بعدها القطرى ضد كل دولة عربية على حدة، أو فى بعدها القومى الأوسع، الأمر الذى أسفر عن سقوط وتفكيك دول عربية رئيسية مثل سوريا والعراقولبنان وليبيا، وتقسيم دول أخرى مثل السودان. وكان الدور سيأتى على باقى الدول العربية خاصة الخليجية ومصر. لذلك جاءت «عاصفة الحزم» لتوقف هذا المد الانهزامى، وتشعر وتؤكد لأعداء الأمة العربية أن حبال الصبر وإن طالت فإن لها نهاية، وأن لهذه الأمة سيوفاً ودروعاً تحميها، وإذا تطلب الأمر تفعيل القوى العسكرية للأمة العربية، فهى قادرة على ذلك. فلم يكن من الممكن أبدا بعد أن كشف نظام حكم الملالى فى إيران عن حقيقة أهدافه المتمثلة فى بسطة الهيمنة الإيرانية على كل بلدان الوطن العربى، وبعد أن أعلن صراحة على لسان كبار مسئوليه أن أربع عواصم عربية (لبنان ودمشق وبغدادوصنعاء) صارت تحت السيطرة الإيرانية، وأن إيران تتحول حاليا لتستعيد أمجاد الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد، لم يكن أبدا أن ينتظر العالم العربى أن تعلن طهران أيضاً عن بسط هيمنتها على عواصم عربية أخرى مثل الرياض والقاهرة وأبوظبى والبحرين وعمان. من هنا - وفى مواجهة هذه المخاطر والتهديدات الوجودية- كان يتحتم على الدول العربية، أن تنتزع المبادأة من أيدى إيران، وتتصدى بقوة لمخططاتها وتوقفها عند حدها، وتمنع سقوط اليمن فى براثن الحوثيين ليحكموه بالوكالة عن إيران. ولذلك تحملت الدول العربية المشاركة فى تحالف «عاصفة الحزم» مسئوليتها أمام شعوبها حفاظاً على مصائرهم واستقلال ووحدة واستقرار بلدانهم، وقامت بشن هذه العاصفة التى فاجأت وألجمت الجميع، وصاروا يتحدثون عن الدول العربية بالاحترام الواجب، ناهيك عن الارتباك والتخبط الذى ساد المعسكر الإيرانى وحلفاءه، وبرز واضحا فى كلمات المرشد خامنئى وحسن نصر الله، وقادة الحرس الثورى الإيرانى، وعلى صالح وزمرته. ولقد كان لقرار مجلس الأمن الأخير 2216 الذى صدر مؤخراً مطالباً الحوثيين بالانسحاب من المدن التى احتلوها فى اليمن، وتسليم أسلحتهم، فضلا عن العقوبات المفروضة على قادتهم وعلى صالح بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.. وقع الصدمة على إيران وحلفائها، خاصة بعد أن نجحت الدبلوماسية العربية فى منع روسيا من استخدام حق الفيتو تجاه المبادرة الخليجية التى تحولت إلى قرار نافذ. فقط كان صدور هذا القرار، بجانب النجاح العسكرى الذى حققته عاصفة الحزم بضرب مراكز القوة عند الحوثيين، ما أدى إلى انحسار امتدادهم فى اليمن، وانشقاق الكثير من الوحدات العسكرية التى كانت متحالفة معهم وإعلان ولائهم للحكومة الشرعية، كذلك تخلى كثير من القبائل عن مساندة الحوثيين وإعلان ولائهم للحكومة الشرعية، فضلا عن استسلام كثير من وحدات الحوثيين للقوات الموالية للرئيس اليمنى منصور هادى فى عدن، كان صدور قرار مجلس الأمن المشار إليه مع النجاح العسكرى بمثابة صفعة مزدوجة على وجه إيران وحلفائها، لذلك سارعوا بعرض بعض المبادرات التى سعت إلى وقف القصف الجوى وبدء التفاوض، وهو ما رفضته دول عاصفة الحزم إن لم يسبقه انسحاب الحوثيين من مواقعهم السابقة وتسليم أسلحتهم تنفيذا لقرار مجلس الأمن الأخير، وهذه الصدمة هى التى تفسر تصاعد نبرة الغضب على لسان خامنئى وروحانى. ووجه الخطورة بالنسبة لإيران، أن انهزام مشروعها فى اليمن سيؤدى إلى هزيمة مشروعها فى باقى الدول العربية.. مثل سوريا والعراق، اللذين سيفيقان إلى ضرورة المحافظة على هويتهما العربية فى مواجهة مشروع إيرانى يريد أن يطمس هذه الهوية واستبدالها بهوية فارسية، وسينفرط عقد هذا المشروع ويتداعى مثل السبحة أو لعبة الدومينو. وربما كان المرجع الدينى الشيعى العراقى على سيستانى على حق عندما تنبه لخطورة المشروع الإيرانى على الهوية العربية العراقية، لذلك طالب أتباعه من شيعة لبنان بالمحافظة على هويتهم العربية وعدم التفريط فيها لأى سبب أو ذريعة، حتى وإن كانت مشاركة إيران فى الحرب ضد تنظم داعش.