.. وقتلوا زراعة الساحل الشمالي.. لصالح توشكي بقلم: عباس الطرابيلي السبت , 20 أغسطس 2011 13:20 عندما كتبت مقالي أمس عن دوري في رفض مشروع توشكي حتي قبل أن يبدأوا العمل فيه.. لم يكن قصدي أن أفتح جرحا دامياً في تاريخ مصر. . ولم يكن هدفي كذلك أن أدافع عن الرئيس السابق حسني مبارك.. ولكن كان هدفي - أيضاً - أن كشف الدور الرهيب الذي كان يقوم به جهاز أمن الدولة، الجهاز الذي أعاد الي الاذهان دور بيريا وزير داخلية الزعيم السوفيتي جوزيف ستاليني.. بل ربما كان الجهاز المصري يسير علي نفس الطريق البشع.. وانا علي ثقة أنه لولا اتصالي برئيس الجمهورية - من خلال الدكتور زكريا عزمي - ما كنت قد خرجت من مقر جهاز أمن الدولة بوزارة الداخلية.. وتلك حقيقة اعترف بها.. ولكن ذلك كان في أواخر سنوات القرن الماضي عندما كان نفوذ السيدة سوزان مبارك قد ظهر واستفحل.. ولم يكن جمال مبارك قد عاد إلي مصر ووضع أقدامه علي أول الطريق الذي أوصله إلي قفص المحاكمة.. وكان من أسباب معارضتي لمشروع توشكي وجود بدائل عديدة كان أفيد أن نبدأ بها.. لنزيد مساحات الارض المنزرعة في مصر منها هذا المشروع الرائد لزراعة مليون فدان علي امتداد الساحل الشمالي الغربي من غرب الاسكندرية.. وهي المنطقة التي كانت مزرعة القمح والنبيذ للامبراطورية الرومانية لقرون عديدة.. وهو المشروع الذي وضع بذرته المهندس حسب الله الكفراوي رائد المدن الجديدة التي كان هدفها الخروج من المدن التقليدية وفتح فرص عمل وحياة لكل المصريين.. وكانت وسيلة الكفراوي بك الرائعة والرائدة هي زراعة مليون فدان علي طول هذا الساحل.. وكانت البداية هي إنشاء ترعة الحمام، وتم انشاء هذه الترعة والكباري التي تمر فوقها وكذلك وسائل الصرف.. كانت المرحلة الأولي تقوم علي زراعة 240 الف فدان ثم المرحلة الثانية 260 الف فدان بعد ازالة حقول الالغام منها ثم المرحلة الثالثة حوالي 600 الف فدان.. وتم تدبير 4 ملايين جنيه لتطهير المنطقة من الالغام.. وكانت البنية الأساسية جاهزة بالفعل والارض مستوية في الساحل الشمالي.. فقد كان الهدف هو زراعة مليون فدان.. وهي أرض تحتاج ربع المقنن المائي الذي يحتاجه الفدان من منطقة توشكي بسبب درجات الحرارة في توشكي وطبيعة الارض حيث المسامية أوسع منها في الساحل الشمالي.. فكيف اترك أرض الساحل الشمالي وأضيع المياه في مشروع توشكي.. ويذكر المهندس حسب الله الكفراوي أنه كان علي رأس لجنة كونها الدكتور الجنزوري - رئيس الوزراء وقتها - وحضر المهندس الكفراوي جلسة واحدة.. وعرض وجهة نظره.. وفي الجلسة الثانية اعترف الدكتور مصطفي القاضي وكيل أول وزارة الري - وكان عالماً كبيراً - بوجهة نظر المهندس الكفراوي في مشروع توشكي.. ولما وجد الكفراوي الموجة عالمية، وحتي لا يتلوث اسمه تاريخياً بالاشتراك في لجنة توافق علي تمرير مشروع توشكي انسحب من هذه اللجنة، بعد الجلسة الاولي.. كما انسحب منها الدكتور مصطفي القاضي من الجلسة الثانية ورغم ذلك صممت الحكومة علي تنفيذ المشروع، وأقنعت به الرئيس حسني مبارك، وكان ذلك ما بين أواخر عام 1996 وبدايات عام 1997.. وهي نفس الفترة التي كنت فيها وكان حزب وجريدة الوفد يقود الحملة ضد هذا المشروع.. الذي يقول الكفراوي بك ان من يوافق عليه إما يدخل مستشفي المجانين.. أو يدخل محكمة الجنايات!! وللأسف اندفعت حكومة الجنزوري نحو تنفيذ مشروع توشكي وتركت استكمال مشروع زراعة أراضي الساحل الشمالي الغربي.. وكانت تلك جريمة كبري في حق الوطن، أضاعت عائد بدايات الاصلاح الاقتصادي الذي قاده الدكتور عاطف صدقي رحمه الله.. فقد أنفقت الحكومة علي جزء واحد من المشروع وهو محطة الرفع التي تكلفت 4800 مليون جنيه وقد تصل إلي 6000 مليون جنيه بعد حساب تكاليف شبكة الطرق وغيرها من خط الكهرباء الذي يوصلها بمحطة الرفع من محطة كهرباء السد العالي.. وغيره.. وكان المهندس الكفراوي بعيد النظر في رفضه للمشروع وقال ذلك في الاجتماع الاول للجنة التي شكلها الدكتور الجنزوي.. لتمرير المشروع.. كان الكفراوي بعيد النظر في رفضه.. كان يري ان المشروع فيه اهدار لمياه النيل، وكان يستكشف الكارثة الكبري وهي ان مصر مقبلة علي عصر من الفقر المائى..فضلاً عن أن المشروع كان سيتم ريه من مياه النيل «من المنبع» عندنا .. نقصد من بحيرة السد نفسها.. وكان هذا المشروع سوف يستولي علي كميات هائلة من المياه فضلاً عن ان المشروع، كان يتكلف استصلاح الفدان فيه اكثر من 11500 جنيه!! وهو الفدان الذي بيع للمستثمرين العرب بمبلغ 50 جنيها فقط.. فأي جريمة كانت هذه تجاه النيل.. وتجاه ارض مصر.. وتجاه ثروة مصر.. ولكننا واصلنا معركتنا.. تصديت.. وتصدينا لهذه الجريمة البشعة في حق الوطن.. رغم الارهاب الذي تعرضنا له من جهاز أمن الدولة.. وبطش الحكومة..