قرار جمهوري بتشكيل مجلس أمناء الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    وزير الكهرباء يشارك في مؤتمر شنغهاي للطاقات المتجددة وحلول الطاقة النظيفة    مؤشر «نيكاي» الياباني يغلق عند أعلى مستوياته في 4 أشهر    المشاط ندعو مجتمع الأعمال الصيني للاستفادة من المميزات التنافسية للاقتصاد المصري    فتح باب الحجز للطرح الثاني من سكن لكل المصريين 7 بعد أيام    وزيرة البيئة ومحافظ جنوب سيناء يكرمان رواد مستثمري السياحية بمجال الطاقة المتجددة في شرم الشيخ    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل 7 من عسكرييه في معارك جنوبي غزة    وزير الخارجية الأمريكي: إيران باتت أبعد بكثير عن صنع سلاح نووي    الترجي التونسي يودع مونديال الأندية 2025 بعد الهزيمة أمام تشيلسي    محافظ القليوبية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 83.1%    السيطرة علي حريق مخزن دهانات البراجيل دون إصابات    ضبط 47.2 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    خلال 24 ساعة.. ضبط 47201 مخالفة مرورية متنوعة    إصابة 13 شخصا فى انقلاب أتوبيس بطريق مصر - إسماعيلية الصحراوى بالشرقية    بعد تكرار وقائع انهيار العقارات.. إجراءات حكومية للتعامل مع المنازل المهددة بالسقوط    تامر عاشور يشعل أجواء مهرجان موازين 2025 رغم إصابته.. استقبال حافل من الجمهور المغربي    إيراداته تخطت 77 مليون جنيه.. فيلم ريستارت يحتفظ بالمركز الثاني في منافسات شباك التذاكر    جامعة أسيوط تعلن عن نتائج امتحانات الفصل الدراسي الثاني بعدد من الكليات    كيف بدأ التقويم الهجري مع العرب؟.. أستاذة تاريخ إسلامي توضح    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدعو إيران لاستئناف عمليات التفتيش عقب وقف إطلاق النار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    تامر عاشور يحيي حفل مهرجان «موازين» ب«بالعكاز» والجمهور يستقبله بالزغاريد المغربية    الجيش الإسرائيلي: مقتل ضابط و6 جنود في معارك جنوبي قطاع غزة    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    وكالة مهر: اكتشاف وضبط أكثر من 10 آلاف طائرة مسيرة في طهران خلال الأيام الأخيرة    أخبار فاتتك وأنت نايم| قصف مدفعي عنيف يستهدف جباليا البلد شمال قطاع غزة    «بريكس» تدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    تصدرت تريند السوشيال ميديا، قصة صورة أعادت الفنانة عبلة كامل إلى الأضواء    «واخدلي بالك» على مسرح قصر ثقافة العريش    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    خبر في الجول - الأهلي يتمسك باستمرار ديانج.. وخطوة لإقناعه    بالأعلام واللافتات.. جماهير الترجي تدعم فلسطين خلال مباراة تشيلسي في مونديال الأندية (صور)    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    "كانوا راجعين من درس القرآن".. أب يتخلص من طفليه بسلاح أبيض في المنوفية    بعد عام من الغياب.. ماذا قالت رضوى الشربيني في أول ظهور على dmc؟ (فيديو)    باسم سمرة يواصل تصوير دوره في مسلسل "زمالك بولاق"    منتخب الشباب يخسر أمام ألمانيا ويتأهلان لربع نهائي كأس العالم لليد    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    إعلام فلسطيني: قصف مدفعي عنيف يستهدف جباليا البلد شمال قطاع غزة    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    أبرزها اللب الأبيض.. 4 مصادر ل «البروتين» أوفر وأكثر جودة من الفراخ    ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    لا تدع الشكوك تضعف موقفك.. برج العقرب اليوم 25 يونيو    من قلب الصين إلى صمت الأديرة.. أرملة وأم لراهبات وكاهن تعلن نذورها الرهبانية الدائمة    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    رسالة أم لابنها فى الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رماد 75 كتاباً فى سلة مهملات مدرسة
نشر في الوفد يوم 28 - 04 - 2015

ما الذى يجعل الكلمة خطراً؟.. هكذا تساءل جونتر جراس الكاتب الألمانى عندما حصل على جائزة نوبل عام 1999، وأخذ يعدد الكتَّاب الذين تمت ملاحقتهم منذ فجر التاريخ، ثم قال بملاحظته: «معظم الكتَّاب الذين لوحقوا لم يخالفوا الدين أو الدولة أو المبادئ السائدة بشكل مباشر، لكنهم أوضحوا حقيقة واحدة وهي أنه ليست هناك حقيقة واحدة، لكن هناك عدة أوجه للحقيقة».
ويقول المؤرخ البريطاني هوبل: «إن أردت أن تلغي شعباً ما، تبدأ أولاً بشل ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه، ثم تكتب له كتاباً واحداً فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخاً من هذا الكتاب وتمنع عنه أي كُتب أخرى عندئذ ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان وينساه العالم».
جاء قرار الإدارة التعليمة بالهرم، الموجه لمدرسة فضل الحديثة، بضرورة التخلص من الكتب المحرضة على العنف والتطرف من وجهة نظرهم، بمثابة الصدمة لغالبية المجتمع المصرى، خاصة أن طريقة التخلص من الكتب كانت بمثابة كارثة، حيث قامت وكيلة الوزارة ومديرة المدرسة، وبعض المدرسين، بجمع 75 كتاباً من الكتب الموجودة فى المكتبة الخاصة بالطلاب، ومنها كتب «أحداث النهاية» للداعية محمد حسان، و«عدو الإسلام» لجلال دويدار، و«منهج الإصلاح الإسلامى» للدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، و«جمال الدين الأفغانى» لعثمان أمين، و«الإسلام وأصول الحكم» لعلى عبدالرازق، و«صفات المسلمة الملتزمة» للداعية السلفى محمد حسين يعقوب، و«أصول الحكم فى الإسلام» للدكتور عبدالرازق السنهورى، و«هذا هو النبأ العظيم» للدكتور زغلول النجار، وقاموا بحرقها فى فناء المدرسة، أمام التلاميذ والطلاب.
هذا الحادث يذكرنا بحوادث حرق الكتب التي تعتبر مصائب تتذكرها الأجيال بعد الأجيال، والتاريخ ملىء بأمثلة عديدة شرقاً وغرباً.
تعددت فواجع حرق الكتب والمكتبات بين العام والخاص على مدار التاريخ العربى والعالمى، فكانت فى الحالتين وبالاً على الإنسانية والحضارة، ومن الكوارث التي لحقت بالمكتبات الكبرى في العصور الإسلامية مكتبة ابن رشد.
ففي يوم 16 فبراير 1198 ميلادي تمّ جمع كل الكتب الموجودة في مكتبة ابن رشد التي تضم إلى جانب كتب هذا القاضي الفيلسوف كتباً أخرى لابن سينا والفارابي وابن الهيثم وغيرهم ووقع تجميعها في الساحة الكبرى بإشبيلية ووسط حضور حاشد وأُرغِمَ ابن رشد على مشاهدة مئات الكتب لعشرات الفلاسفة والمفكّرين العرب وهي تُحرق وسط تكبير وصراخ الغوغاء بتحريض من بعض شيوخ الدين.
وابن رشد هو أبوالوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، ولد في 1126م، في مدينة قرطبة أحد أبرز المدن الأندلسية «إسبانيا» في ذلك الوقت. وهو فيلسوف، وطبيب، وفقيه، وقاضِ، وفلكي، وفيزيائي، ودرس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري.. يعد من أهم فلاسفة الإسلام في عصره، ودافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو.
تولى ابن رشد منصب القضاء في أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، إلا أنه كغيره من العلماء والقضاة الذين دافعوا عن حرية الفكر، تعرض الفيلسوف والقاضي لاتهامات من عدد من علماء الأندلس والمعارضين المتشددين له بالكفر والإلحاد، فقد كان يرى أنه لا تعارض بين الدين والفلسفة، وعلى إثر تلك الاتهامات نفاه أبويعقوب يوسف إلى مراكش وتوفي فيها 1198م، وذلك بعد حرق كتبه ومؤلفاته، من أبرز مؤلفاته كتب: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» و«مناهج الأدلة»، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية في الأصول، «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية، وقد أكد فيه ابن رشد أهمية التفكير التحليلي كشرط أساسي لتفسير القرآن الكريم.
وظلت السلطات تمارس العنف نحو العلماء لهذا كانوا يحرقون كتبهم بأيديهم بدءاً من الفقيه الزاهد داود الطائي الذي ألقى بكتبه في البحر، والزاهد المعروف يوسف بن أسباط الذي ألقم كتبه غاراً في جبل وسدّه عليها، وأبي سليمان الداراني الذي قال: «والله ما أحرقتك حتى كدتُ أحترق بك»، وسفيان الثوري الذي نثر كتبه في الريح بعد تمزيقها وقال: «ليت يدي قطعت من ها هنا بل من ها هنا ولم أكتب حرفاً»، وأبي سعيد السيرافي الذي أوصى ابنه أن يُطعم كتبه النار، وكذلك منهم «أبوذرا الحافظ» و«الدارمي» و«ابن جبير» و«الربعي» و«التوحيدي» و«القرطبي» وغيرهم من العلماء والمفكرين.
لم تكن المكتبات الخاصة أوفر حظاً من مكتبة ابن رشد، فلم تنج أبداً من يد الجهل من أهمها مكتبة بني عمار، حيث أسس بنو عمار مكتبة ضخمة في طرابلس الشام تحمل اسمهم، تم حرقها من قبل الصليبيين في القرن العاشر الميلادي.
كما كان من بين أهم المكتبات التي أحرقت على أيدي الحكام العرب أيضاً «مكتبة ابن حزم الأندلسي» المتوفى سنة 1063م.. وكانت مكتبته من بين أضخم المكتبات الخاصة في الأندلس.. وثار حوله الجدل مما حدا بالمعتمد بن عباد صاحب أشبيلية أن يأمر بحرق كتبه علناً، كذلك تم حرق مكتبة عبدالسلام بن عبدالقادر البغدادي المدعو بالركن، بأمر الخليفة العباسي الناصر لدين الله المتوفى سنة 1225م.
وعندما فتح السلطان محمود الغزنوي مدينة الري وغيرها سنة 1030م، قام بقتل الباطنية ونفى المعتزلة وأحرق كتب الفلاسفة.. واستخرج كتب علوم الأوائل وعلم الكلام من مكتبة الصاحب بن عباد وأمر بإحراقها، كما تعهد المنصور الموحدى «في القرن السادس الهجري» بحرق كتب الغزالي في المغرب العربي ولم يترك شيئاً من كتب المنطق والحكمة باقياً في بلاده، فأباد كثيراً منها بإحراقها بالنار.
كما وصل الأمر إلى تدمير المكتبات الضخمة التي أسست من قبل الخلفاء أنفسهم، ورعتها الدولة من بيت مال المسلمين، وكانت بمثابة مكتبات وطنية أو مركزية عامة وفق مفاهيم العصر الحديث، فالمكتبات الرئيسية التي تأسست في العصور العباسية والفاطمية والأندلسية انتهت بشكل مفجع تماماً وضاعت الجهود التي بذلت في جمع الكتب والمخطوطات.
فمكتبة دار العلم بالقاهرة التى أسسها الخليفة العزيز بالله الفاطمي في قصره، ثم بنى ابنه الحاكم بأمر الله مبنى خاصاً للمكتبة في عام 1005م بجوار القصر. وكانت أضخم مكتبة عرفها التاريخ في ذلك العصر.. تعرضت المكتبة للخراب والدمار، حين وقع الخلاف بين الجنود السودانيين والأتراك في عام 1068م.
أما مكتبة الإسكندرية أول وأعظم مكتبة عرفت فى التاريخ، وظلت أكبر مكتبات عصرها، التى أمر بطليموس الأول بإنشائها 330 قبل الميلاد، وضمت أكبر مجموعة من الكتب فى العالم القديم، التى وصل عددها آنذاك إلى 700 ألف مجلد بما فى ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو، وفى عام 48‏ ق‏.‏ م قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية وامتدت نيران حرق السفن إلى مكتبة الإسكندرية فأحرقتها، حيث يعتقد بعض المؤرخين أنها دمرت حيث جعلت كتبها العامرة شعيلاً للحمامات لأربع سنوات.
وكذلك مكتبة بيت الحكمة في بغداد وكانت تمثل الإشعاع الفكري العربي الإسلامي منذ أن أسسها هارون الرشيد ورعاها ابنه المأمون، إلى حين تم تدميرها على يد المغول، ووصف ويل ديرانت في كتابه «قصة الحضارة» مكتبة بيت الحكمة أنها مجمع علمي، ومرصد فلكي ومكتبة عامة.
أما مكتبة سابور التى تأسست في مدينة بغداد فى عام 992م، وكان عدد الكتب التي احتوتها بلغ زهاء 10400 كتاب، من بينها مائة مصحف بخط ابن مقلة، التى أحرقها الملك طغرل بك السلجوقي سنة 1059م.
ولم يخل التاريخ الحديث من حوادث حرق مخجلة كان أكثرها خسارة، حرق المجمع العلمي بالقاهرة الذى يعد من أعرق المؤسسات العلمية، الذى مرّ على إنشائه أكثر من مائتي عام، وضمت مكتبته 200 ألف كتاب، وفي ديسمبر 2011 احترق مبنى المجمع بشارع قصر العينى في خضم الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير 2011 وأتت النيران على 70% من إجمالي الكتب والمخطوطات التي كان يحويها المجمع، فقضي الحريق على أغلب محتويات المجمع التي تضم مخطوطات وكتباً أثرية وخرائط نادرة، تمثل ذاكرة مصر منذ عام 1798، وكانت تشتمل على إحدى النسخ الأصلية لكتاب «وصف مصر»، التي احترقت فيما احترق من كنوز هذا الصرح العتيد، إضافة إلى أغلب مخطوطاته التي يزيد عمرها على مائتي عام، وتضم نوادر المطبوعات الأوروبية التي لا توجد منها سوى بضع نسخ نادرة على مستوى العالم، ووصف أحدهم بأن المجمع العلمي بأنه الأعظم والأكثر قيمة من مكتبة الكونجرس الأمريكي.
وفي مطلع سنة 2014 في شهر يناير، قام السلفيون المتشددون أدعياء الدين بحرق مكتبة «السائح»، أضخم وأهم مكتبة في طرابلس لبنان، وكانت تضم ما يزيد على 80 ألف كتاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.