صور عديدة شدتنى إلي اليمن، الذى كان سعيدًا ولكنه بسبب قيادته صار تعيسًا.. الصور لمقاتلين من الحوثيين المتمردين، كان الكلاشينكوف فى الايد.. بينما كان القات يملأ الفم ويجعل من الخد ما يشبه البالونة.. وهناك الخنجر اليمنى التقليدى أى الجنابية معلق فى الخصر!! تلك هى صورة اليمنى القليدى. هموم مصرية والقات هو نبات مخدر.. يشبه الملوخية، أو النعناع الأخضر.. وأفضله هو الصغير.. وهو أعلى الأغصان ويقطع باليد.. ويحشر فى أحد جوانب الفم.. وهو نبات مخدر.. يعشقه اليمنى وينفق عليه أكثر مما ينفق على طعامه!! وهناك أوقات محددة ومعلومة لتخزين القات فى الفم.. وإذا دخل اليمنى فى فترة التخزين هذه فإنه يتمدد.. ويتكئ ويسرح فى ملكوت الله بينما «يستحلب» العصارة المخدرة الموجودة فى هذا النبات الغريب، الذى نقله اليمنى حيثما استقر، من شرق افريقيا حيث إريتريا وجيبوتى وكينيا وتنزانيا وشمال الصومال.. إلى جنوب غرب آسيا فى اليمن.. ويقولون إن لهذا النبات سحرًا.. يبعث علي الراحة والاسترخاء والتأمل ولا يزاول اليمنى خلال فترة تخزين القات أى نشاط.. وأتذكر مرة وكنت أتجول فى سوق الملح داخل أسوار صنعاء القديمة أن أعجبتنى سلعة وأردت شراءها.. وكلمت البائع.. ولكنه لم يرد علىَّ.. فقد أشار بيده بقيمة الثمن ولما أردت «الفصال» أشاح بوجهه معبسًا فابتعدت خشية غضبه. ومرة كنت أحضر جلسات هامة لمناقشة مشروعات أول خطة خمسية لليمن وجاء وقت التخزين.. فتوقفت الجلسات.. وكان يحضرها اساتذة الاقتصاد فى أكبر جامعات أوروبا وأمريكا ومنهم رئيس وزراء اليمن يومها.. وبينما كان اليمنيون يسبحون وسط ما يستحلبونه من سائل القات.. كنت اتصفح مشروعات هذه الخطة الخمسية فوجدت بين بنودها مبلغًا مخصصًا لشراء القات لتقديمه للمشتركين فى جلسات هذا المؤتمر «الاقتصادى العالمى»!! والقات بعيدًا عن سمعتها التخديرية سلعة اقتصادية هائلة وله العديد من الأسواق، فى كل مدن اليمن، وقبل ذلك كنت أتحاور مع الرئيس إبراهيم الحمدى رئيس اليمن الشمالى أيامها عن اقتصاديات القات.. ووجدته بعد نهاية الحوار يطلب منى أن أصحبه فى جولة خارج مدينة صنعاء.. وفى الطريق عرفت أنه يمتلك واحدة من أفضل مناطق زراعة القات هناك.. ووقف وسط شجيرات القات يشرح لى هذا النبات الغريب ومزاياه واقتصادياته التى تدخل كل بيت يمنى. قال لى الرئيس الحمدى: إذا كان فدان البن المشهورة به اليمن يعطى مثلاً 1000 ريال وفدان العنب وما أدراكم ما طعم ولذة عنب اليمن الذى جاء ذكره فى الأمثال يعطى 2000 ريال.. فإن فدان القات يعطى 8000 ريال!! ولما سألته: ولكنه نبات مخدر.. رد قائلاً: ولكنه يمنح اليمنى طاقة وقدرة هائلة على العمل.. والانتاج بعد تعاطيه.. ورددت: هل لهذا يشرب بعض اليمنيين خصوصًا المتعلمين بعض الخمور بعد فترة التخزين لكى يستيقظ ويقوم إلى عمله.. رد بابتسامة.. وماذا عن الحشيش عندكم فى مصر؟! ومجالس «تخزين» القات» ليست فقط للرجال، ولكنها أيضًا للنساء.. ومن بعيد سمحوا لى وكان هذا فى أواخر السبعينيات أن أنظر من بعيد لأحد مجالس النساء.. التخزين القات وكانت صورة لن أنساها طول حياتى.. وقد حاول «بعض المثقفين» اليمنيين التصدى لهذه العادة.. وحاولت حكومة الجنوب«عدن» إبطال هذه العادة خلال الحكم الشيوعى أو اليسارى للجنوب اليمنى.. ولكن نجاحهم كان محدودًا.. فهى عادة متأصلة هناك.. ويقولون إن الابداع الثقافى اليمنى يبدأ من هذه الجلسات، التى تتحول إلي جلسات للحوار والنقاش.. والثقافة. وذهبت أكثر من مرة إلي سوق بيع القات.. فوجدته أكثر ازدحامًا من أسواق بيع العنب الأحمر اليمنى المشهور، وأفضل وقت للشراء ما بين العاشرة و11 صباحًا عندما يكون القات نديًا والذى يأتى من مزارعه حول العاصمة صنعاء.. يصل إلي سوق القات قبيل الساعة التاسعة صباحًا.. وإذا كان اليمنى المقاتل يحرص علي حمل الجنابية، أى الخنجر، وكذلك البندقية الميزر الألمانى، أو الطليانى.. أو الكلاشينكوف.. فإن أول ما يحمله مع كل هذا حزمة نبات القات. وللشعوب فيما تعشق.. مذاهب!!