"التعليم فى الصغر كالنقش ع الحجر"، هكذا جسد الحكماء قيمة التعليم فى السن الصغير، والعمل على ترغيب الأطفال فيه، وليس ترهيبهم منه، ولكن انقلب الحال فى العصر الحديث، وباتت العصا هى فزاعة الأطفال من المدرسة . وأصبح بعض المعلمين يعتادون ضرب التلاميذ، وأحيانا تصل لحد العنف فى الضرب، بغض الطرف عما لهذا الأسلوب من آثار نفسية سيئة تقع على الطفل، بل وتنمو معه، وتتسبب فى تشكيل شخصية غير سوية على المدى البعيد. وكشف عدد من الأطباء النفسيين وأساتذة علم النفس، عن الآثار النفسية للضرب فى المدارس، لاسيما للأطفال، ومدى قدرتها على تغيير شخصية الطفل. فقال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، إن العنف ضد الأطفال فى المدارس، يسبب لهم مع الوقت حالة من الكراهية للمدرسة بوجه عام، أو كراهية للمادة التى يتعامل معلمها بعنف معه. وأضاف فرويز، أنه بمرور الوقت يقل استيعاب الطالب للمادة العلمية من المعلم الذى يتعامل بعنف، ويظل طوال حياته لا يعرف سبب كرهه الحقيقى لهذه المادة، لافتا إلى أن هذا العنف على المدى البعيد، يتحول بداخل الطفل نحو المجتمع، كعملية تعويضية، لما شعر به، حتى أنه إذا أصبح معلما، سيتبع نفس السبل التى اتبعت معه. وأشار أستاذ الطب النفسى، إلى أن أنسب طريقة لعقاب الأطفال، والتى تعتبر أفضل من الضرب وتأتى بنتائج، هو "الحرمان"، والتهديد فقط بالضرب، إذ أن التهديد يجعل الطفل مترقبا لأسوأ النتائج مما يجعله خائفا، بينما الضرب يسقط هذا الخوف وقد يجعل منه مع الأيام "بلطجى"، مؤكدا أنه بتكرار فعل الحرمان، سيتعلم الطفل ضرورة الالتزام بالسلوك الصحيح حتى تتوقف معاقبته. وفى سياق متصل، قال الدكتور إبرهيم مجدى، استشارى الطب النفسى بجامعة عين شمس، إن تكرار العنف المدرسى مع الأطفال، قد يقود الطفل للانعزال ورفض الذهاب إلى المدرسة. وأضاف مجدى، أنه من الممكن أن تتسبب المعاملة العنيفة فى حدوث "كوابيس" للطفل، وقد يصاحبها بعض حالات الاكتئاب، وربما تبول لا إرادى، فضلا عن الإهمال الدراسى، موضحا أن العنف الذى يستقبله الطفل فى المدرسة، يجعله عنيفا مع الآخرين بشكل عام. وأشار استشارى الطب النفسى، إلى أن هذا العنف قد يتسبب على المدى البعيد فى وجود ردود أفعال عدوانية، وتغيرات سلوكية تصل لحد السرقة والكذب وتخريب الممتلكات، وهو مرض يطلق عليه فى علم النفس "سوء السلوك" . ولفت مجدى، إلى أن المعايير الصحيحة لاختيار المدرسين تغيب عن المدارس المصرية، فلابد أن يكون المعلم، دارسا لعلم النفس التربوى، ولديه كاريزما وقدرة للتعالم مع الأطفال، بالإضافة إلى ضرورة قوته فى مادته العلمية؛ لأن ضعفه بها سيضعف قدرته على الإقناع، ومن ثم لن تكون له هيبة كافية داخل الفصل، فضلا عن قدرته على التواصل مع عقليات الأطفال بشكل صحيح، واحتوائهم، مؤكدا أن "اللجوء للضرب معناه ضعف الشخصية" . وأوضح استشارى الطب النفسى، أن الحرمان و"التذنيب"، واستدعاء ولى الأمر، من أبرز طرق العقاب التى تتسبب فى إيذاء نفسى للطفل بالدرجة المناسبة التى تجعله يلتزم بالسلوك الصحيح، مبينا أنه فى حالة الاضطرار للضرب، فمن الضرورى أن يعى المعلم الطريقة التى يضرب بها دون إيذاء. ومن جانبه، أوضحت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن العنف يخلق نوعا من التردد واهتزاز الثقة بالنفس لدى الطفل، واضطرابات نفسية بشكل عام. وأضافت فايد، أنه من الممكن أن يسير الطفل فى الاتجاه السلبى التام الناتج عن هذا العنف، وربما يسير نوعا ما فى الاتجاه الإيجابى، وهو يقتصر على انتقامه من الآخرين، باتباع نفس وسيلة العنف معه، واتجاهه نحو تلقين الآخرين ما تم تلقينه له. وبينت أستاذ علم النفس، أن الحرمان واستدعاء ولى الأمر، من أبرز العقوبات التى يمكن توقيعها على الطفل بديلًا عن الضرب، مؤكدة ضرورة اتباع وسيلة الثواب والعقاب، وليس العقاب فقط، فى التعامل مع الأطفال، ناصحة بضرورة وجود أخصائيين اجتماعيين ونفسيين، يتواصلون مع الأسرة لتعليمهم كيفية التعامل الصحيح مع الطفل. وعلى صعيد آخر، أوضح الدكتور أحمد عبد الله، مدرس الطب النفسى بجامعة الزقازيق، أن فكرة عقاب الأطفال أصبحت فكرة قديمة، لا يتم اتباعها عالميًا. وأضاف عبد الله، أن العنف ضد الأطفال يؤدى إلى كافة الأضرارالنفسية التى يمكن توقعها، من اكتئاب وانعدام ثقة فى النفس واضطرابات سلوكية ونفسية بشكل عام، لافتا إلى أن العالم أجمع اتخذ موقفا محددا من ظاهرة العنف ضد الأطفال ولكنها غير موجودة فى مصر. وأشار مدرس الطب النفسى، إلى أن الاتجاه العالمى لتربية الأطفال حاليا، لا يذهب لمعاقبة الطفل على سلوكه الخاطئ، بينما فى التعرف على "لماذا ارتكب هذا الخطأ"، ثم تصحيح هذا السلوك من خلال أنواع تربية جديدة، منها "التربية بالمغامرة والدراما واللعب"، مؤكدًا أن تأثير هذه الوسائل أبلغ بكثير من تأثير وسيلة الثواب والعقاب التى اندثرت حاليًا، معربا عن أسفه لمدى تأخر مصر فى مجال تربية الأطفال.