تضح شوارع مصر بنوع آخر من الأيتام.. أطفال الشوارع.. إنهم أيتام من الرعاية والعناية.. آباؤهم أحياء.. أموات.. يلقونهم في الشوارع بلا مأوي، ولا حنان، فريسة لمن حولهم، أو يستغلهم في السرقة أو التسول أو التحرش، ثيابهم الرثة ووجوههم الشاحبة وعيونهم الزائغة ليست فقط هي علامات القهر والذل والحرمان، الذي يعيشونه، بل هي علامات بأن آباءهم لا يشعرون بهم وتركوهم كالأيتام يعانون رحلة عذاب يومية وقاسية ومهينة تجدهم في كل مكان يعانون من قسوة البشر وظلم المجتمع. هؤلاء يحتاجون إلي الرعاية والعناية شأنهم شأن الأيتام، كما يجب أن يطلق لهم يوم علي الأقل في العام ليتذكرهم المجتمع علي غرار يوم اليتيم، وأن يطلق عليه اسم يوم «أطفال الشوارع» يتم فيه عمل مهرجان لجمع التبرعات. ولكسر الحاجز النفسي بين الأطفال والمجتمع وتأهيلهم لاستعادة الثقة فيهم، خاصة أن مصر بها أكثر من مليوني طفل في الشارع معرضين للضياع النفسي والأخلاقي والحياتي. من شوارع القاهرة ننقل بالكلمة والصورة بعض حكايات هؤلاء الأطفال وشعورهم بالخوف الدائم وعدم الأمان. عشنا جانباً من مآسي هؤلاء الأطفال، اقتربنا منهم واستمعنا لهم وتعاطفنا مع أحلامهم الضائعة. علي رصيف الحكايات، تقول «وردة» 9 سنوات، وهي تبدو كالوردة الذابلة بجسدها النحيل: هربت من منزل أبي بعد أن طلق والدتي وتزوجت هي من رجل آخر، كان يضربني، ويعتدي علي بشكل مستمر، فاضطررت إلي ترك المنزل والبحث عن أي عمل حتي عملت كخادمة في البيوت، ولكني لم أستمر طويلاً، فعدت إلي الشارع مرة أخري وأقضي يومي في التنقل بين إشارات المرور علي أمل جمع بعض النقود لتساعدني علي الحياة. ويقول «حودة» 11 سنة: توفي والدي منذ نحو عام ولم تستطع أمي تدبير نفقاتنا أنا وإخوتي الخمسة، فتركت المنزل لأبحث عن عمل وأعمل حالياً كصبي ميكانيكي في إحدي الورش، لكني قد اضطر أحياناً إلي المبيت في الشارع أو الحدائق العامة. ويزداد المشهد سوءاً عندما التقينا بعض الفتيات، وهن من مئات الألوف اللاتي يعيشن في شوارع مصر من سن الرابعة أو الخامسة هرباً من الفقر أو سوء المعاملة أو التفكك الأسري.. والخطير هو ما كشفت عنه دراسة حكومية قالت: إن نحو نصف فتيات الشارع مارسن الجنس ويتعرض البعض منهن للاغتصاب.. باختصار أن الانتهاكات الجنسية هي «ألف باء» هذه الظاهرة، ليس فقط لبنات الشوارع بل للصبيان أيضاً.. هذا ما تأكدنا منه عندما التقينا الطفلة «ندي» 17 سنة، التي كانت تحمل طفلة صغيرة تبدو كأختها ولكنها اتضح أنها ابنتها، وتعيش «ندي» في مأوي خاص بأمهات الشوارع ولكن مثل هذه الفرصة لم تسنح لكثيرات غيرها، لم يجدن سوي الشارع كمأوي لهن، وقد يلجأن إلي شم «الكلة» الذي يعد بمثابة مخدر لمقاومة البرد والألم! وتقول «أمل» وهي طفلة هادئة في الحادية عشرة من عمرها: إنها أمضت أسبوعاً تنام خارج مركز للشرطة ويقدم لها رجال الأمن الطعام بعد أن انفصل والداها وأحرقتها قريبة لها بأداة معدنية ساخنة.. وهي تقول ببراءة شديدة وهي تشرب من علبة عصير: لم يعد الأمر صعباً.. حيث أنام علي الرصيف في الليل عادة ولكن كل ما أخشاه أن يأتي الصبيان في وقت متأخر من الليل! تلك هي مخاوف فتيات الشوارع، اللاتي دفعتهن الظروف إلي العيش في الشارع لمواجهة تلك المخاطر. مع أطفال الشوارع ومن ناحية أخري، تم التوقيع في شهر مارس الماضي، اتفاقية تعاون بين الهيئة العامة لتعليم الكبار والمجلس العربي للطفولة والتنمية من أجل أمية أطفال الشوارع، وتأتي تلك الاتفاقية ضمن مشروع تربية الأمل الذي يتبناه المجلس بالتعاون مع وزارة التضامن لتأهيل ودمج أطفال الشوارع، بمشاركة وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والهيئة العامة لتعليم الكبار وعدد من الجمعيات الأهلية ويستهدف دمج وتأهيل 1000 طفل من أطفال الشوارع بمؤسسات دور التربية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي في الفئة العمرية، ولكن قبل العمل علي محو أمية أطفال الشوارع يجب أولاً إيجاد مأوي آمن لهم لحياتهم وصحتهم وأخلاقهم، كما أن المشروع - للأسف - مخصص لألف طفل فقط.. والسؤال هو: ما مصير باقي المليوني طفل؟.. ومتي تتواجد مشروعات لاستيعابهم.