في بادرة غير مشجعة استخدمت قطر حق «الفيتو» ضد مشروع القرار العربي الجديد بخصوص ليبيا والذي رفعه مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين قبل 48 ساعة من انعقاد قمة شرم الشيخ، وهذا الفيتو هو الوحيد الذي يطل برأسه قبيل اجتماع القادة العرب لا يمكن تفسيره سوى انه يصب في خانة «العناد» التي لا تخدم الوفاق العربي لا من قريب ولا من بعيد، ومثل هذا الفيتو الفريد من شأنه ان ينسف قرارات القمة العربية التي جرى العرف ان تكون بالاجماع منذ نشأة الجامعة العربية قبل 70 عاما، وان كان الواقع في السنوات الأخيرة يأخذ بقاعدة «توافق الآراء» وبخاصة في المسائل الخلافية إلا ان هذه القاعدة يشوبها شىء من العوار السياسي وهي انها قاعدة غير ملزمة للدول المتحفظة أو الرافضة للقرار وبالتالي يصبح القرار غير ملزم لهذه الدول. ولأن «الفيتو» حديث عهد على مؤسسات العمل العربي المشترك وعلى رأسه جامعة الدول العربية يصبح الموقف مرتبكا على مستوى اصدار القرار، فما بالنا بجدية التنفيذ؟! ويزيد من ارتباك المشهد العربي انه يخلو من آلية واضحة للعقوبات ضد الدول الاعضاء ليس التي تتحفظ او تمتنع عن التصويت، فهذا شأنها وتلك حساباتها الخاصة، وانما ضد الدولة العضو التي تعمل ضد الإرادة التوافقية وتعمل على شلها أو نسفها، وبتطبيق هذه الحالة على مشروع القرار الليبي نجد ان الاشكالية الكبرى التي تواجه القمة 26 ليست في اصدار قرار توافقي من الأغلبية بدعم الحكومة الشرعية الليبية، وإنما الاشكالية تنحصر في دعم دولة عضو بالجامعة للميليشيات وأطراف النزاع الأخرى، وهنا «بيت الداء» من سيحاسب هذه الدولة المتمردة.. وكيف؟ وقس على ذلك تباين المواقف العربية بشأن سوريا والعراق واليمن والصومال. نعود إلى مشروع القرار الليبي لنرى ما إذا كان هناك ما يبرر استخدام الفيتو من عدمه لنجد ان مشروع القرار يقول نصا «يؤكد مجلس الجامعة العربية مجددا على ضرورة الالتزام باحترام وحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شئونها الداخلية والحفاظ على استقلالها السياسي والالتزام بالحوار الشامل بين القوى السياسية النابذة للعنف والتطرف ودعم العملية السياسية تحت رعاية مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا. ويطالب بتقديم الدعم الكامل بما فيه الدعم السياسي والمادي للحكومة الشرعية وتوفير المساعدات اللازمة لها لصون وحماية سيادة ليبيا بما في ذلك دعم الجيش الوطني حتى يستطيع مواصلة مهمته الرامية للقضاء على الإرهاب وبسط الأمن في ليبيا. كما يطالب المشروع مجلس الأمن بسرعة رفع الحظر عن واردات السلاح إلى الحكومة الليبية باعتبارها الجهة الشرعية ليتسنى لها فرض الأمن ومواجهة الإرهاب ودعوة المجتمع الدولي لمنع تدفق السلاح إلى التنظيمات والجماعات الإرهابية في ليبيا. ويدين مشروع القرار الجريمة النكراء ضد المواطنين المصريين بمدينة سرت والتفجيرات التي راح ضحيتها عشرات بين ليبيين ومصريين بمدينة القبة من جانب تنظيم داعش الإرهابي. إلى هنا ينتهي مشروع القرار الذي يستوجب الاتفاق أكثر من أي وقت مضى، فالمنطقة العربية في ظرف بالغ الخطورة لا يختلف كثيرا عن الظرف الاستعماري الذي عاشته المنطقة في القرن الماضي، إلا ان هذا الظرف الاستعماري لم يمنع إرادة مصر و6 دول عربية من إبرام بروتوكول الاسكندرية الذي شكل النواة لانشاء جامعة الدول العربية التي ضمت فيما بعد اكثر من 20 دولة، واقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة الارهاب والفوضى بالمنطقة يشهد نفس السيناريو ويمكن ان يمرر بتوافق عدد من الدول ذات الثقل في الجامعة لتفويت الفرصة على الدول الصغيرة التي تغرد خارج السرب. وإذا كانت الأمة العربية قد استمدت قوتها ونالت استقلالها من بروتوكول الاسكندرية المؤسس لقيام الجامعة وكذلك باتفاقية الدفاع العربي المشترك ووقعهما «مصطفى النحاس» رئيس حكومة مصر آنذاك، فان استرداد الجامعة العربية لعافيتها وتأكيد استقلال واستقرار المنطقة متاح مرة ثانية في شرم الشيخ بتبني مقترح الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل قوة عربية مشتركة تعيد للامة عزتها وريادتها. المطلوب هنا هو إرادة التنفيذ وليس إرادة التوقيع، فما اكثر القرارات العربية التي لم تحرك ساكنا، وما اكثر الكلام المعسول الذي خدر عقولنا واهدر ثرواتنا، ولو صدقت النوايا ما احتجنا الى كل هذه القمم وما احتجنا ايضا الى التفكير من جديد في تشكيل قوة ردع او جيش عربي موحد اذ ان اتفاقية الدفاع المشترك التي اقرت في منتصف القرن الماضي كانت ترمي الى نفس الهدف وكانت ستحققه لو احسن التعاطي معها، فديباجة هذه الاتفاقية تقول انها اقرت رغبة في تقوية وتوثيق التعاون بين دول الجامعة العربية حرصا على استقلالها ومحافظة على تراثها المشترك. واستجابة لرغبة شعوبها في ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام وفقا لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأممالمتحدة ولأهدافها وتعزيزا للاستقرار والطمأنينة وتوفير أسباب الرفاهية والعمران في بلادها. علي خميس