بدأ البنك المركزي ضربة البداية لمحاربة المضاربات في سعر صرف الدولار بالسوق السوداء التي أضرت كثيرا بالأسعار وساهمت بشكل كبير في تدهور احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي. فقد كانت المضاربات بالسوق السوداء يديرها تجار وشركات صرافة معروفة سعت للكسب السريع وفتحت بتعاملاتها أبواب الجحيم لهروب الدولار من البنوك والجهاز المصرفي لتشكل سوقا أصبحت رائجة وتزايدت بدرجة أكبر منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وحتي الأسابيع الماضية قبل بدء المركزي إجراءات القضاء علي هذه السوق من خلال تحريك تدريجي لسعر الصرف في البنوك بعد أن ظل ثابتا لفترة وتبعه بإجراءات أخري للمتابعة والتفتيش علي شركات الصرافة وإنذار الشركات المخالفة حتي جاء قرار مجلس الوزراء بتطبيق التعامل بالجنيه بدلا من الدولار داخل مصر وإن كان هذا موجودا ضمن المادة 111 من القانون رقم 88 لسنة 2003، للبنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد والمعدل بالقانون رقم 162 لسنة 2004، وبالقانون رقم 93 لسنة 2005، والتي تنص علي: «يكون التعامل داخل جمهورية مصر العربية شراء وبيع في مجال السلع والخدمات بالجنيه المصري، غير أن هذا البند لم يكن مطبقا خلال السنوات الماضية علي وجه الدقة واستغلت بعض الجهات حالة المرونة هذه في التعامل بالدولار في البيع والشراء والخدمات. وتطبيق الجزاءات الواردة علي أي مخالف والتي تتراوح بين 10 آلاف الي 20 ألف دولار من جانب الحكومة سيقضي علي باب خلفي كان يؤدي الي تسريب الدولار وينتقص من هيبة الجنيه في بيته وعقر داره، حيث كانت بعض المؤسسات من مدارس وجامعات ونواد تعمل علي أرض مصر وتحصل رسومها بالدولار وتسبق القرار الأخير يشمل كافة الخدمات والسلع التي يتم بيعها أو شراؤها بخلاف المعاملات التجارية التي تندرج تحت بند الاتفاقات الدولية والتجارية والتي يتم استخدام عملات أجنبية بمقتضاها وفي اعتقاد الكثير من الخبراء أن هذا يتوج إجراءات البنك المركزي للسيطرة علي سوق الصرف. وقد أكد هشام رامز محافظ البنك المركزي أن الإجراءات الأخيرة للمركزي أدت الي ضبط سعر الصرف وتم التخلص نهائيا من السوق السوداء للدولار وتم دخول جميع الإيرادات من العملة الأجنبية عن طريق الجهاز المصرفي القنوات الشرعية له بعد أن كان تتم المضاربة عليه في السوق السوداء وبأسعار أكبر من قيمته. وكشف «رامز» عن توافر الدولار بالجهاز المصرفي حاليا ودخول أكثر من 1.3 مليار دولار الي داخل الجهاز المصرفي وقد تمكن البنك المركزي قبل يومين من توفير نحو 420 مليون دولار لتلبية احتياجات الاستيراد للسلع والخدمات ورغم هذا ارتفع احتياطي النقد الأجنبي مما يؤكد نجاح الإجراءات الأخيرة للمركزي لضبط السوق وتوعد بمزيد من الإجراءات الفترة القادمة لافتا الي أن إيرادات الدولة من العملة الأجنبية كانت تتمثل في السياحة والصادرات وتحويلات المصريين في الخارج التي كانت تأتي «كاش» وتباع للسوق السوداء ثم يتم بيعها للشركات التي تذهب الي البنك لفتح «الاعتماد». وقال الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب الخبير الاقتصادي مدير عام التوقع الاقتصادي بوزارة التجارة والصناعة والمشروعات الصغيرة أن هذا القرار أهم القرارات الشجاعة التي اتخذها المهندس إبراهيم محلب والمجموعة الاقتصادية في الحكومة رغم ما ينطوي عليه مخاطر قد تؤدي الي عدم توافر النقد الأجنبي بشكل مستمر إلا أنه رسالة قوية من الحكومة الحالية بأنها قادرة علي تلبية كافة طلبات السوق من النقد الأجنبي. وأشار الي أن البنك المركزي قد أعلن ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لديه الي نحو 15.5 مليار دولار موضحا أن إجراءات البنك المركزي الأخيرة لضبط السوق الأجنبي أتت ثمارها مكللة بقرار رئاسة الوزراء بالتعامل بالجنيه داخل البلاد وهو الأمر الطبيعي والمنصوص عليه قانونا وكان قبلها تحريك سعر الصرف وعدم قبول ودائع أكثر من 10 آلاف دولار يوميا قد وجهت ضربة قاضية الي المضاربين علي الدولار في السوق السوداء وطالب الحكومة بضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات لترشيد الطلب علي الدولار خلال الفترة القادمة خاصة فترة استيراد ياميش رمضان التي تتراوح قيمته بين 600 الي 900 مليون دولار في المتوسط وإذا لم تتمكن الحكومة من توفير هذا المبلغ فقد تنفجر الأزمة من جديد. وقال الدكتور محمود عبدالحي، أستاذ الاقتصاد والمستشار بمعهد التخطيط القومي إن التعامل بالجنيه المصري سيرفع من قيمة الجنيه بما سيصب في صالح المواطن المصري من ناحية الأسعار والمعيشة خاصة أن ارتفاع سعر الدولار انعكس سلبا علي الأسعار المحلية في الفترة الأخيرة نتيجة للسلع المستوردة وأن التعامل بالدولار وغيره من العملات الأجنبية الي جانب الجنيه داخل مصر سواء من خلال شركات السياحة أو المدارس الدولية يعد انتهاكا للسيادة المصرية علي أراضيها وعدم احترام للعملة النقدية الوطنية، ويؤدي الي خلق طلب زائد علي العملات الأجنبية وبالتالي إتاحة الفرصة أمام السوق السوداء لافتا الي أن أزمة الاقتصاد المصري تحتاج الي إدارة ذكية وفرض رقابة صارمة غير مشوبة بالفساد لضبط السوق بشكل محكم لا يصل الي التطرف والتزمت في التنفيذ أو ترك السوق دون أي قيود. وقد حذرت الغرف التجارية التجار من مخالفة القرار وقال أحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية إن القانون واضح وأنه ينص علي أن يكون التعامل داخل جمهورية مصر العربية شراء وبيعا في مجال السلع والخدمات بالجنيه المصري عدا النولون البحري، وناشد الوكيل في بيان له عقب قرار الوزراء كافة المتعاملين بإبلاغ الاتحاد عن أي مخالفات وأنه سيتخذ الإجراءات القانونية الواجبة في هذا الشأن للمساهمة في ضبط سوق النقد الأجنبي، وقال إن هناك انفراجة واضحة في توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد مستلزمات الإنتاج من مواد خام ومكونات للمصانع وكذا السلع الرئيسي للسوق المصرية. استمرار نجاح أي إجراءات مرهون بمتابعتها بدقة ووضع آليات لإحكام الرقابة علي المتلاعبين في السوق وفي نفس الوقت تدبير احتياجاته من النقد الأجنبي للسلع المهمة للمواطنين ويعد استقرار سوق الصرف أولي الخطوات التمهيدية للمؤتمر الاقتصادي.