img src="http://cdn.alwafd.org/images/news/534495075yhf.jpg" alt="عوني فرسخ يكتب: تجربة عبدالناصر مع "الإخوان"" title="عوني فرسخ يكتب: تجربة عبدالناصر مع "الإخوان"" width="200px" height="260px" / تواجه مصر وأكثر من نظام عربي تحدي تفاقم حدة صراع النظام وأغلبية الشعب مع جماعة الإخوان المسلمين والحركات التكفيرية المتفرعة عنها، ما قد يفيد التذكير بتجربة عبدالناصر مع الإخوان، كما وثقها أبرز مؤرخي المرحلة. وقد ذكر أكثر من واحد منهم أن عبدالناصر قبل أن يشكل حركة الضباط الأحرار التحق وخالد محيي الدين بالجماعة، ولم يطل بقاؤهما فيها، إذ لم يستطع المرشد حسن الهضيبي وعلماء الجماعة الرد على تساؤلاتهما السياسية والاجتماعية . وإن بقي للجماعة تقديرها عنده لدرجة أنه قبيل التحرك ليلة 23 يوليو/تموز 1952 أبلغها بموعد الحركة، وفي الصباح كان عدد من شبابها يحرسون المنشآت العامة وأماكن العبادة . غير أن بيان المرشد بتأييد الحركة لم يصدر إلا بعد إعلان تسفير الملك يوم 26-7 . وبينما كان عبدالناصر حريصاً على استقلالية الحركة كان الهضيبي يطمح لأن يكون موجه النظام . غير أنه ما بين 23-7-1952 و26-10-1954 غلبت الايجابية على علاقة الطرفين . فقد كان معظم المفرج عنهم في أكتوبر/تشرين أول 1952 من الإخوان، بمن فيهم قتلة النقراشي . كما أعيدت محاكمة المتهمين باغتيال حسن البنا وإدانتهم، وكذلك محاكمة إبراهيم عبدالهادي وعدد من ضباط الأمن في قضايا تعذيب معتقلي الإخوان . فيما استثنيت الجماعة من قراري تطهير الأحزاب وحلها، الأمر الذي رحبت به الجماعة وتصورت أنها باتت مركز قوة قادراً على فرض إرادته . وانقسم الإخوان بين دعاة التعاون مع النظام وحل "الجهاز الخاص" ومعارضي الأمرين . وعندما احتدم الخلاف، واحتل بعضهم مركز الجماعة العام وطالبوا باستقالة الهضيبي لجأ الطرفان لعبد الناصر ليفصل بينهم وارتضوا قراره . وقد اعتبر الهضيبي ومناصروه "هيئة التحرير" التي انشأها النظام محاولة منه لتجاوز دور الجماعة، ولم يستجيبوا لطلب عبدالناصر توحيد التنظيمين، بل ودخلوا في صراع مع الهيئة، خاصة في المهرجانات التي كانت تنظم لاستقبال محمد نجيب وقادة الثورة . ولم يبد الهضيبي موقفاً إيجابياً حين طُلب من الجماعة المشاركة في الاعمال الفدائية ضد القوات البريطانية في منطقة القناة للضغط على الانجليز في مفاوضات الجلاء . ومنذ ربيع 1953 كان على صلة بالسفارة البريطانية، ويدعي مناصروه أن عبدالناصر أُخطر بذلك مُسبقاً، فيما تدعي الحكومة أن اللقاءات بالمستشار السياسي البريطاني ايفانز جرت من وراء ظهرها، وأنها لم تُشعر بذلك إلا بعد انكشاف المقابلات، التي أضعفت المفاوض المصري بأن كشفت للبريطانيين عن الصراع الكامن بين قيادة الثورة والإخوان . وفي يوم 12-1-1954 شهدت جامعة القاهرة صداماً بين طلبة الإخوان وطلبة "هيئة التحرير" سقط فيه عدد منهم بسلاح الإخوان، فصدر في اليوم التالي قرار حل الجماعة بموافقة جميع أعضاء "مجلس قيادة الثورة"، واعتقل الهضيبي و450 من أنصاره . والملاحظ أن الدعاية الحكومية تناولت المتورطين وليس الجماعة . واستجابة لوساطة الملك سعود أفرج عن المعتقلين، وأُعيد اشهار الجماعة، وسُمح للهضيبي وبعض القادة بالسفر إلى السعودية وسوريا . وفي أزمة مارس/آذار 1954 أيدت الجماعة بداية محمد نجيب والأحزاب، وشاركت في المظاهرات المعادية لمجلس قيادة الثورة، وكان عبدالقادر عودة من أبرز الخطباء المطالبين بعودة الجيش إلى ثكناته . إلا أن عبدالناصر زار الهضيبي يوم 25-3 واتفق معه على تشكيل "لجنة مشتركة لدراسة المشاكل المعلقة" . وفي اليوم التالي نادى الهضيبي بالحاجة الى "حياة نيابية نظيفة"، وتراجع طلبة الإخوان عن المشاركة في المظاهرات المطالبة بعودة الأحزاب فاتهمتها المعارضة بعقد صفقة مع النظام أنقذت حياته . وحين وُقِعت اتفاقية الجلاء أدانها الهضيبي، إلا أن تعايش الجماعة القلق مع النظام تواصل حتى جرت محاولة اغتيال عبدالناصر في 26-10-1954 فجرى حل الجماعة، واعتقل 2942 من أعضائها، وشُكلت "محكمة الشعب" برئاسة جمال سالم وعضوية أنور السادات وحسين الشافعي، فأدانت 867 متهماً، فيما أدانت المحكمة العسكرية ،254 ونفذ حكم الإعدام في أربعة، فيما خفض حكم الإعدام عن الهضيبي ثم أفرج عنه ومعظم الآخرين، وتم الإفراج عن الباقين قبل 26-7-1956 . وقد عرف سيد قطب بموالاة النظام وقوله قبل التحاقه بالإخوان سنة 1953: "ليس هناك تناقض جدي بين القومية العربية والوطنية الاسلامية، إذا نظر للقومية العربية على أنها خطوة على الطريق، فإذا حررنا الوطن العربي نكون قد حررنا بضعة من جسم الوطن الاسلامي نستعين بها في تحرير الجسد الواحد الكبير" . وتولى بعد التحاقه بالجماعة رئاسة تحرير مجلة "الإخوان المسلمين"، وعمل مع يوسف طلعت موجهاً فكرياً للجهاز الخاص . وفي ربيع 1955 حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، وبسبب حالته الصحية أودع مصحة السجن وسُمح له بالقراءة والكتابة حيث استكمل كتابه "في ظلال القرآن" وسُمح له بنشره بقرار من عبدالناصر . وأُطلق سراحه سنة 1964 قبل انجاز محكوميته . فتزعم تنظيماً سرياً كان قد تشكل وهو في السجن، وتلقى السلاح من الخارج، وكان يُعد لعمليات اغتيال ولضربة مُركزة للنظام فَحوكم وأُعدم واثنين من تنظيمه، وقد أُفرج عن معظم الآخرين فيما بعد، بحيث لم يبق معتقلا أواخر زمن عبدالناصر سوى 80 منهم، كما وثق ذلك انتوني في كتابه "ناصر" . وفي تقويم ما كان بين الثورة والإخوان نلاحظ: 1- لم يستفد الإخوان من تجربتهم المرة في العهد الملكي باستخدامهم السلاح لحسم النزاع مع الحكومة . إذ كرروا خطيئتهم في مواجهة ثورة يوليو/تموز 1952 وهو صدام لم يكن على موقف من الإسلام، أو الديمقراطية، أو القضية الوطنية، وإنما على دور في السلطة . ولم يلاحق النظام سوى المتورطين والمشتبه بهم . بدليل محدودية عدد المحكومين والمعتقلين من جماعة تضم عشرات الألوف . فضلاً عن تعاون عدد من قادتها مع النظام احتلوا مناصب مسؤولة . 3- في تحديد موقف شعب مصر من الصدام كتب عادل حسين، المفكر الإسلامي ومؤسس حزب العمل، يقول : كيف استطاع عبدالناصر أن يتصادم مع الإخوان ويحتفظ برغم ذلك بشعبية واسعة ؟ ورأيي أن الناصرية لم تُصف الإخوان بمجرد استخدام أجهزة الأمن، بل إنها سحبت البساط من تحت أقدامهم . فحين قادت الناصرية جهاداً مقدساً ضد السيطرة الأجنبية والصهيونية، وناضلت من أجل توحيد العرب والعدالة الاجتماعية، أدركت الجماهير الواسعة أن عبدالناصر يعبر عن مضمون إسلامها الثوري ومأثوراته، فلم تتجاوب مع عداء الإخوان لعبدالناصر، ولم تنفضّ عنه بسبب هذا العداء . نقلا عن صحيفة الخليج