اهتمام المصريين برحيل المغنى ديميس روسوس لم يكن لأنه مجرد مغنى عالمى مثل غيره استطاع إبهار العالم بصوته أو بموسيقاه أو كلمات أغانيه لكنه واحد ممن اهتموا بمصر وكان حريصاً كل الحرص على أن يتواجد فيها من فترة لأخرى، وفى كل حضور له كان حريصاً على زيارة كل المناطق والأحياء والشوارع والأزقة التى عاش فيها طفولته عندما كان ابن حى الأزاريطة فى الإسكندرية، حيث المولد والنشأة حتى سن ال10 سنوات حيث ولد ديميس روسوس، واسمه الحقيقى آرتيميوس فينتوريس روسوس، فى 15 يوليو 1946 بحى الأزاريطة بالإسكندرية، وكانت أسرته اليونانية مهمة جداً بالموسيقى، إذ كانت والدته الإيطالية الأصل مغنية، فيما كان والده اليونانى عازفاً على الجيتار الكلاسيكى. أتقن ديميس الصغير أثناء تلقيه تعليمه فى مدرسة موسيقية العزف على العديد من الآلات الموسيقية، كالجيتار والأورج والبوذق والكونترباص، كما أن حرصه على التواجد وسط الكورال فى الكنيسة اليونانية بالإسكندرية ساهم فى نضج موهبته وهو فى هذه السن المبكرة، فانتقل مع أسرته إلى اليونان فى عام 1956، نتيجة أزمة اقتصادية ضربت أسرته وعندما عاد إلى اليونان بدأ بالعزف على الترومبيت بديسكوهات أثينا، والتحق فى سن ال17 بفرقة «ذى إيدولز» وكان فيها عازف جيتار ومغنى «فوكال» خلف المغنى الأساسى. ورغم خروجه فى هذه السن المبكرة من مصر إلا أنه لم ينسها وكان دائم الحديث عنها فى كل وسائل الإعلام العالمية، آخر زيارة لديميس لمصر كانت فى بداية هذا القرن عن طريق دار الأوبرا المصرية وقدم حفلين بالقاهرةوالإسكندرية وكما ذكرنا فى المقدمة أنه كلما زار مصر كانت له طقوس خاصة أبرزها زيارة الأماكن التى عاش فيها طفولته الجلوس على المقاهى الشعبية تناول وجبات غذائية شعبية فى المحال الصغيرة والذهاب إلى بحرى مع الفنان سمير صبرى لتناول السمك، كما كان حريصاً أن يذهب إلى حى الإبراهيمية حيث كان والده يمتلك محل «حلوانى روسوس» كان يبيع الآيس كريم والبسبوسة، وكان عندما يزور القاهرة يذهب لحى خان الخليلى ويحرص على تبادل الأحاديث مع كل الفئات الشعبية التى يراها من عمال بالمقاهى والمطاعم وأصحاب محال العطارة وبوتيكات بيع أوراق البردى «وكان يداعبهم بقوله أنا مصرى زيكم». ومن الناحية الإنسانية، عندما تقترب منه تجده مصرياً أكثر من المصريين فى كل تعاملاته، وكان دائماً يردد لمن حوله «أذهب لجولات فى كل أنحاء العالم وفى هذه الدول أشعر عندما أتعامل مع الناس بأننى المغنى العالمى الذى جاء لإمتاع جماهيره، ولكننى عندما أزور مصر أشعر بأشياء مختلفة لأننى أزور بيتى أو جئت من أجل أهلى أنا فى مصر لست المغنى العالمى الذى جاء من أجل معجبيه لكننى المواطن الذى يسعى لزيارة بلده». قام الفنان الكبير بعد زيادة وزنه بإجراء جراحة تدبيس فى المعدة من أجل التخسيس وبالفعل فى آخر زيارة لمصر كان ملاحظ أن وزنه انخفض ما يقرب من 40 كيلو. أما من الناحية الموسيقية فالمتابع لأعمال هذا الفنان العالمى ستجد أن الموسيقى الشرقية كان لها تأثير كبير فى أعماله وهذا بفضل النشأة المصرية، صوت ديميس هو مزيج بين المغنى الغربى بأبعاد صوته الفائقة وبين المطرب الشرقى الذى يجيد التعامل مع الجملة الموسيقية العربية بكل ما تحمله من «حليات وعرب» إلى جانب استخدامه الإيقاعات الشرقية والجمل الشرقية فى موسيقاه، وهذا التزاوج بين الثقافتين فى الغناء جعله الأكثر تميزاً بين المغنيين الغربيين خاصة خلال السبعينيات والثمانينيات، كما أن أعماله تميزت بالجمع بين الفولكلور اليونانى وموسيقى البوب، وهو ما جعلها تحقق انتشاراً كبيراً، وبيعت أكثر من 60 مليون نسخة حول العالم، من أهم أغانيه: Good bye، My Love، My Only Fascination، Forever and Ever From Souvenirs to Souvenirs محطات فى حياة ديميس روسوس بدأ ديميس روسوس حياته الفنية فى ال15 من عمره بهدف كسب المال، وذلك بعزفه مع فرق الجاز فى البارات والمطاعم والفنادق. انتقل الفنان الشاب فى عام 1968 إلى باريس بصحبة فرقة Aphrodites Child التى أسسها مع الموسيقار اليونانى الكبير فانجيليس، الذى حصل فيما بعد على أوسكار أفضل عمل موسيقى عن فيلم «عربات النار» فى عام 1981، حققت الفرقة الموسيقية نجاحاً ملحوظاً فى فرنسا، لا سيما بعد إصدارها أغنية Rain & Tears. ظل روسوس يعمل فى الفرقة مع فانجيليس ولوكاس سيديراس حتى عام 1971، حين قرر الانفصال عن الفرقة ومواصلة مشواره الفنى منفرداً، ليشهد النور ألبومه On The Greek Side of My Mind فى نهاية العام ذاته. يعتبر ديميس روسوس أحد أشهر الموسيقيين والمغنيين اليونانيين الذين حققوا شهرة عالمية واسعة، بفضل إبداعاته وأغانيه التى أداها باللغات الإنجليزية واليونانية والفرنسية وغيرها من بينها (Goodbye my Love, Goodbye) و(From Souvenirs to Souvenirs) و(Forever and Ever)، وكذلك أغنية (far away) التى تعتبر بمثابة البوابة التى أدخلت الفنان اليونانى إلى العالم العربى، خاصة أن إيقاع الأغنية شرقى. عاش روسوس تجربة فريدة عام 1985 عندما كان أحد ضحايا حادث اختطاف طائرة، حيث احتفل الخاطفون معه بعيد ميلاده أثناء فترة احتجازه كرهينة ثم أطلق سراح جميع الرهائن فيما بعد. لم يقتصر انتشار أغانى ديميس روسوس على شكلها التقليدى إذ إنها حازت إعجاب موسيقيين وقادة فرق أوركسترالية قاموا بتوزيع أغانيه أهمها قيام المايسترو الفرنسى الراحل بول ماريا الذى أصدر ألبوماً كاملاً لأغانى الفنان اليونانى بتوزيع أوركسترالى. أحيا الفنان الراحل الكثير من الحفلات فى مختلف مسارح العالم فى أمريكا واليابان وأستراليا وكل دول أوروبا تقريباً. كان آخر ظهور علنى لديميس روسوس فى أغسطس 2013، تحديداً فى لبنان عندما أحيا حفلة لصالح مرضى السرطان من الأطفال ضمن مهرجان (إهدنيات)، واعتبرها من أهم حفلاته، نظراً إلى تفاعل الجمهور الكبير معه وفى هذا الحفل ظهر وهو يجلس على كرسى. وفى سبتمبر من السنة نفسها، منحته سفير فرنسا فى أثينا وسام جوقة الشرف. آخر ألبوم له «ديميس» فيعود إلى العام 2009. ألغى حفله الأخير فى مصر الذى كان من المقرر أن يكون فى أكتوبر الماضى بسبب بداية رحلته مع مرض الفشل الكلوى. وأمضى فترة طويلة فى أحد المستشفيات الخاصة وتوفى الفنان عن عمر يناهز 68 عاماً فى مستشفى هايجييا فى أثينا، بحسب ما أكدت ابنته إيميلى لجريدة «لوفيجارو» الفرنسية.