سمعت المغفور له القائد المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله، يقول عقب الإعلان عن استقلال الدولة، إنه كان يتمنى أن يكون جمال عبد الناصر حاضراً في هذه المناسبة ليحتفل بتحقيق أحد الأهداف التي كافحت من أجلها مصر تحت قيادته، وشارك شعبها أشقاءه في الخليج في النضال حتى أسقطوا آخر امبراطوريات الاستعمار القديم. اليوم أرى الرجلين (عبد الناصر وزايد) يطلان على المشهد بكل الرضا. لقد واصلت الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد مسيرة التقدم وأيضاً تأكيد الانتماء العربي. وتحملت مصر الكثير حتى كان 30 يونيو الذي أسقط حكم الإخوان الفاشي، تاريخ طويل من العلاقات الأخوية يقودنا إلى لقاء اليوم بين شركاء حقيقيين في المعركة من أجل العروبة ومن أجل أمن واستقرار وازدهار البلدين وكل الأقطار العربية. على الطريق تعاون لم ينقطع قبل ميلاد الإمارات أو بعدها من أجل النهوض والتقدم، ومن أجل مواجهة التحديات والظروف الصعبة التي مرت بالقطرين الشقيقين وبالعالم العربي. انطلاقاً من حقيقة آمن بها القطران الشقيقان (شعباً وقيادات) هي أن أمن مصر وأمن الخليج مرتبطان، وأن أي تهديد لأحدهما هو تهديد للطرف الآخر. يتذكر الكثيرون موقف الإمارات في حرب 73 والمقولة التاريخية للشيخ زايد بأن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي. والكثيرون قد يتصورون أن ما قاله الشيخ زايد كان فقط تسجيلاً لموقف آمن به مع شعب الإمارات. لكن الحقيقة أنه كان تعبيراً عن موقف عملي وضعت فيه الإمارات (التي كانت في بداية عهدها) كل إمكانياتها من أجل معركة الكرامة العربية. لم يتوقف الأمر عند ما قدمته الإمارات لدعم المجهود الحربي استعداداً للمعركة أو أثناءها. لكن مقولة الشيخ زايد عن البترول العربي نفسها كانت تعبيراً عن هذا الموقف. فقد كان الاتفاق قد أعلن (فور اندلاع الحرب) عن دخول البترول العربي كسلاح في المعركة، وعن بدء منع إمداد الدول المؤيدة للعدو الإسرائيلي بالبترول العربي الذي سيتم - وفقاً للقرار- تخفيض إنتاجه لحين حسم المعركة. بعدها سارت العلاقات بين القطرين الشقيقين في أفضل صورة ممكنة. أتذكر كيف وقف الشيخ زايد، رحمه الله، بعد زيارة السادات للقدس يذكر الجميع بأن العلاقات بين الشعبين الشقيقين (وبين كل الشعوب العربية) هي الباقية وهي القادرة على عبور أي خلافات أو أزمات رسمية. ونتذكر جميعاً الجهد الذي بذله الراحل العظيم لرأب الصدع العربي وإنهاء الشقاق وعودة الجامعة العربية لمقرها في القاهرة، وعودة مصر لدورها الذي لا غنى عنه للأمة العربية. ونتذكر كيف استمرت العلاقات بعد رحيل زايد وحتى الآن، لتصل إلى نقطة الحسم في 30 يونيو، لم يكن موقف الإمارات الحاسم في تأييد شعب مصر وثورته التي أسقطت حكم الإخوان مجرد دعم لشعب شقيق طالما ضحى من أجل أمته العربية، بل كان موقفاً داعماً لهذه الأمة التي كانت - ومازالت - تتعرض لأسوأ المؤامرات - وكان سقوط مصر يعني بالنسبة لها السقوط الكامل لعقود مقبلة. كان انحياز الإمارات لشعب مصر وهو يسقط حكم الإخوان الفاشي في 30 يونيو هو الخيار الصعب، لكنه كان الخيار الذي يتحمل المسؤولية ويراهن على الصحيح حتى وإن تعارض مع مصالح قوى كبرى دولية أو إقليمية، وحتى لو كان هذا الموقف هو إعلان صريح بالحرب ضد كل قوى الظلام وعصابات الإرهاب التي تتاجر بالدين فتبيع الأوطان وتستحل الدم الحرام. الآن.. يعترف العالم كله بأن ما فعلته مصر ومعها العديد من الأشقاء العرب، وفي المقدمة الإمارات العربية بإعلانها الحرب على الإرهاب كان هو القرار الصحيح الذي لولاه لكان الخطر أكبر مما تواجهه الإنسانية الآن بكثير، علاقات الإخوة بين مصر والإمارات لا تقدم فقط نموذجاً للعمل العربي المشترك الذي تتمناه كل الشعوب العربية، ولكنها تقدم أيضاً درساً للعالم كله في الوعي بخطورة التطرف، والنضال من أجل وقف خطره. فيما كانت دول كبرى تتعامى عن الخطر، وتحاول تجنيد فرق الإرهاب لتنفيذ أهدافها!! واليوم تأتي زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للإمارات تتويجاً لهذا التعاون، وإعلاناً بأن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الخليج. وأن ما بين القاهرة وأبوظبي ليس أمراً طارئاً، بل هو الوضع الطبيعي والدائم للعلاقات بين الشعبين والدولتين، وهو النموذج الذي ينبغي أن يحتذى في العلاقات العربية، والخطوة التي ينبغي أن نبني عليها إذا أردنا أن نحقق المستقبل الذي نتمناه والذي تستحقه الأمة العربية وتملك كل مقوماته. وإذا كنا جادين في مواجهة الأخطار التي تتهددنا بعد أن أثبتت التجربة أن التحالف العربي هو وحده القادر على تحقيق الأمن والقضاء على مصادر التهديد، وسحق الإرهاب الداخلي والتهديد الخارجي الذي لم يعد هناك قطر عربي واحد لا يتعرض له. تأتي زيارة الرئيس المصري للإمارات مع القمة العالمية لطاقة المستقبل التي يشارك فيها عدد من زعماء العالم، لتؤكد أيضاً أن القطرين الشقيقين (مصر والإمارات) يقفان في الصف الأول مع صناع الحضارة وبناء المستقبل. ولهذا لم يكن لدى قادتهما أي تردد في اتخاذ القرار بمواجهة دعاة التخلف وعصابات الإرهاب التي تريد إعادتنا إلى ظلام التخلف في وقت تردد فيه «الآخرون» وآثر فيه البعض أن يراهن على تحالفه مع إرهاب لا يحترم عهداً ولا يعرف إلا لغة الدم والتعصب والكراهية. على مدى تاريخ الدولتين كان اللقاء بين مصر والإمارات علاقة خير للعرب والإسلام. بعد 30 يونيو ازدادت الصورة وضوحاً مع قيادات امتلكت الرؤية الصحيحة والقرار الشجاع الذي واجه الإرهاب والخيانة، وتصدى للتآمر الخارجي، واستعاد للقرار العربي اعتباره وسط أخطر أزمة تمر بها المنطقة. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية