«حفلة للمجانين» مسرحية تقدمها فرقة «يوركا» فوق قاعة الحكمة ضمن فعاليات مهرجان الساقية المسرحية الثاني عشر، المسرحية كتبها الفنان الشاعر خالد الصاوي ويصل بجرأته المعهودة الي أن ما حدث داخل الوطن بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو لا يفرق كثيرا بين ما هو موجود داخل مستشفي الأمراض العقلية حيث اللامعقول والعبث في التصرفات والفوضي الشاملة وعدم ترتيب الأفكار.. هذا نص عميق يرمي رؤياه الي نقد كثير من مظاهر ما يحدث في المجتمع حاليا مثل أحداث الألتراس المختلفة، من خلال ثلاث شخصيات أساسية هي التي تمثل الشكل السائد في المجتمع المصري، «سعيد» أولهم وهو يمثل الرجعية بكل أشكالها وفسادها وثاني الشخصيات هو الدكتور سعد، طبيب قديم بالمستشفي لم يجد فائدة من أي تطور في المستشفي ويري أنه لا أمل في أي شيء وأن كل الحلول تقود الي الفشل المتناهي، وأن الإصلاح وهم وسراب لن يتحقق أما الشخصية الثالثة فهو محمود المصلح الذي يصل في وقته ليحارب الفساد من ناحية ويحارب اليأس من ناحية أخري. أمامه تحديات تتكاثر وأغلبها متوارث، وتتصاعد الأحداث من خلال صراع النماذج الثلاثة فيكون التمرد والثورة علي الأوضاع السلبية خاصة بعد موت أحد زملائهم والشك في رحيله المفاجئ، وتوجيه أصابع الاتهام الي بعض الأطباء الذين يتاجرون في أجساد المرضي.. يثور هؤلاء المقهورون ويرددون شعارا ثابتا ثاقبا هو: «لما شمينا ريحة الموت حولينا.. كان ضروري نقوم بالثورة»، النص حاد وثوري ومقاوم وهو الذي اعتمد عليه المخرج يحيي محمود في قيام عرض مسرحي لأن النص كان هو بطل العرض، الذي كان المخرج شجاعا حتي إنه لم يصنع ديكورا للعرض، مكتفيا ببعض اللافتات المتناثرة فوق الحيطان بخط المرضي النفسيين، أجاد الفنانون محمود بكار وأحمد رجب وأحمد ناصر ومنار ومجدي ومحمد عبدالعزيز ومحمد حسني ومحمد صلاح وهاني صلاح وحسين أيمن. هذه مسرحية جادة لفنانين يريدو أن يقدموا نصوصا ثورية تليق ببلد خارج من ثورتين 25 يناير و30 يونيو أثرتا في العالم. وأما عن الفرقة المسرحية «يوركا» فقد أسسها الفنان محمد مبروك عام 2003 وهي تعني بالعروض الواقعية الساخرة وقد قدمت الفرقة عرضا مهما هو «المخبأ» في مهرجان الساقية الأول وأري أن إمكاناتها الإبداعية والبشرية والإدارة مبهرة بحيث يعتمد عليها في أن تقدم أعمالا ذات شأن.. أنا شخصيا لم أر لها سوي هذين العملين الجادين، وأرجو من وزارة الثقافة من خلال أجهزتها أو مراكزها المخصصة لدعم هذه الفرقة أن تمهد لمثل هذه الفرق وأن تساندها في استمرارها، حتي لا يصيبها الخمول أو الإعياء، ونحن نعرف والأمثلة كثيرة، تلك الفرق التي بدأت واغتنت فنيا وأثمرت في وقت قصير ثم تراجعت شيئا فشيئا أوماتت بالسكتة الفنية. هذه قضية أطرحها علي جانب الرؤية المسرحية وعلي هامش الحياة المسرحية التي كادت تجف، قضية فرق مسرحية في غاية النشاط والبهاء، ولا أحد يساندها وإن كان أغلب هذه الفرق ترفض أن تعاونها جهات رسمية، علي أي حال هذه الفرق أري المستقبل الواقعي في إحياء المسرح المصري بعد أن تشتت حبل الرؤية المسرحية بسبب التحديات المباشرة وغير المباشرة من عهد مبارك وكيف كان يتعمد إغلاق الفرق المسرحية الكبري راهنا كل جهوده من أجل مهرجان المسرح التجريبي، وكانت النتيجة هذا القحط المسرحي الذي نعيشه الآن والذي يمثل فيما يمثل شكل أي قطاع آخر سواء في السياحة أوا لاقتصاد أو الحياة الاجتماعية وغيرها. نادر ناشد