"لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل"كان هذا آخر ما قاله محمد بوعزيزى للشرطية التى صفعته على وجهه، قبل أن يقوم بإضرام النيران بجسده ويشعل معه الثورة فى تونس ضد زين العابدين بن على، ويشعل النيران فى قلوب الأمة العربية ليتخذوا شعار "ارحل" ضد الأنظمة الفاسدة، فقد اشعل بروحه بداية الربيع العربى. وكان بوعزيزى قد قام، بإضرام النار فى نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ. نشأ طارق الطيب محمد بوعزيزى فى اسرة تتكون من تسعة أفراد، أحدهم معاق، كان والده عاملا في ليبيا وتوفي عندما كان يبلغ محمد من العمر ثلاث سنوات، وتزوجت بعدها والدته من عمه، لم ينه محمد دراسته الثانوية، واضطر لأن يعمل منذ العاشرة من عمره لأن عمه كان مريضاً ولا يستطيع العمل. حاول بوعزيزى التقدم للعمل كضابط بالجيش التونسي، بالإضافة الى تقدمها لعدة وظائف اخرى، ولكنه لم يوفق بأى منها، ولانه العائل الوحيد لعائلته فقد عمل بائعا جائلا للخضار والفاكهة، وكان يتقاضى منها حوالي 140 دولارًا شهرياً. وبدأت قصة انتحاره عندما قامت الشرطة باعتراض عربة الفاكهة التى كان يجرها بوعزيزى، وصادرت ما عليها، وعندما تصدى لها قامت بصفعه أمام 50 شاهدا. عزت على بوعزيزى نفسه واخذ يبكى بشدة من كثرة الخجل، ثم حاول جاهداً أن يصل إلى المسئولين لتقديم شكوى ضد الشرطية ولكن دون جدوى ولم يسمع له أحد، فوقف البوعزيزى أمام مبنى البلدية واشعل النيران فى جسده، حاول الأهالى الاتصال بالشرطة ولكنها لم تحضر، ولم تأتى سيارات الإسعاف إلا بعد حوالى ساعة ونصف الساعة من إشعاله النار فى نفسه . أدى حادث محمد البوعزيزي إلى احتجاجات من قِبل أهالي سيدي بوزيد في اليوم التالي، يوم السبت الموافق 18 ديسمبر عام 2010م، وسرعان ما تحولت الاحداث الى اشتباكات عنيفة وانتفاضة شعبية شملت معظم مناطق تونس ، و تحولت التظاخرة من التنديد بحادث بوعزيزى الى مطالبة الرئيس التونسي الاسبق زين العابدين بالرحيل . أجبرت هذه الانتفاضة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الذي كان يحكم البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة 23 سنة،على التنحي عن السلطة والهروب من البلاد خِلسةً إلى السعودية في 14 يناير . بينما استمر بوعزيزى طارحا الفراش بالمستشفى ململماً لجروحه لمدة 18 يوما، انتقلت بعدها روحه الى بارئها فى 4 يناير 2011 . ظاهرة البوعزيزية: قلد أكثر من 50 مواطنا عربيا ما قام به بوعزيزى احتجاجا على تردى الاوضاع الاجتماعية الخاصة بهم، فقد قاموا باحراق انفسهم اسوة ببوعزيزى، ما أدى الى اطلاق علماء الاجتماع على ظاهرة الانتحار حرقا بسبب تردى الاوضاع فى البلدان العربية ب"الظاهرة البوعزيزية" . وعلى جانب آخر فقد ظل اسم بوعزيزى خالداً بين الشعوب العربية والعالمية كرمزا للانتفاضة التونسية ضد الظلم و للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، حيث اقامت فرنسا تمثالاً تخليداً له فى عاصمتها باريس، كما اختاره البرلمان الأوروبي مع أربعة مواطنين عرب آخرين للفوز بجائزة ساخاروف لحرية الفكر.