سلامُ على الشعر حين يُترجم ما لا يُترجم من هموم ومشكلات يصعب توصيفها. يقول المبدع العظيم احمد عبد المعطى حجازى هاتفا «هذا الزحامُ لا أحد». ضجيج بلا طحن، وزعيق بلا يقظة، وتمرغ فى وحل الإثارة، وتردٍ فى خرائب الجهل . النجاح خطوة إلى الأمام، خير يعُم، شجرة تمد ظلالها يمينا ويسارا، بريق لماع يملك البصر ويسيطر على البصيرة. عن الإعلام الذى غيّر المعايير، وبدّل الأدوار، وسكب دوارق التخلف والخرافة بحثا عن الاتساع والذيوع بغض النظر عن المضمون. ريهام سعيد مثلا. ودون تحريض أو تحقير أجدها نموذجا يستحق الرصد والتسجيل للتعرف على كسر تابوهات القيم، وجرجرة الناس إلى حظائر الخرافة، وشنكلتهم ليل نهار فى مستنقعات الفزع. ما يفيد الناس يمكث فى الأرض، ويذهب الزبد جفاء. لا يستفيد أحد من حكايات ساذجة عن الجن المفترس الذى يلاحق 5 فتيات ليدخل أجسادهن ويتحكم فى فعالهن. لا يستفيد الناس من رؤية محتال بُرخصة يزعم أنه يخرج الجن من أجساد الناس، وتدافع الاعلامية عن الجهل دفاعا مستميتا مُسخّرة البث الاعلامى فى الدعاية للخزعبلات بل والبحث عن دلائل من الخطاب الدينى لتأييدها . أى تردٍ أكثر من ذلك؟ فى صحيفة الديلى ميل أقرأ خبرا عن ابتكار جديد عبارة عن رقاقة فى حكم الدبوس تتيح للانسان الجلوس على أفضل مقعد فى المسرح وهو فى منزله يشاهد الممثلين أجسادا تتحرك أمامه. وعلى شبكة سكاى نيوز أتابع قصة اكتشاف العالم الإيطالى فرانشيسكو تبوتو أقصر طريق إلى المريخ حيث يمكن السفر لهناك فى رحلة تستغرق عامين. أما وكالة «ناسا» فتستعد لإطلاق أكبر تلسكوب فى العالم بحلول 2018 وهو ما سيتيح نظرة أعمق على الفضاء المحيط بالكرة الأرضية. يسابق العالم البرق، ويطور اكتشافاته يوما بعد الآخر بينما يشغلنا الاعلام بعفاريت خرافية تغزو مصر وتستهدف بناتها. وهكذا ديدن الأمم الناهضة تخطط، وتدرس، وتطور، وتستغرق عقودا فى مراقبة بويضة، بينما الأمم الناعسة تلهث وراء السحرة والمشعوذين والدجالين. سيقول البعض مَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر. لا تشاهدوا اعلام الخرافة، ولا تتابعوا قصص الجن. فض مجالس لا يصح، ومنطق استهبال إعلامى لا يمكن من خلاله تبرير هذا الانحدار. البث ليس ملكا مطلقا لصاحب الترخيص، وليس من حق أحد مهما دفع من أموال أن يقود المجتمع نحو مزابل من الجهل. المشاهدون منهم أميون، ومنهم ساذجون، ومنهم دون ذلك. ومهمة الإعلام تحرير العقول وفتح النوافذ وإضاءة شموع المعرفة فى سراديب الظلام. هل صارت مهمة الإعلام هى التدجيل أو التطبيل؟ بث الجهل أو التصفيق لأولى الأمر؟ الفرقعة الكاذبة أو تسويق القبح؟ لا تستحق ريهام سعيد أن أخصص مساحة إطلالتى الاسبوعية عنها، فهى ككثير من الكائنات الفضائية تسعد بالعتاب، وتفخر بالضجة، وتعتبر النقد غيرة وحسداً وحقداً مضاداً. لست عاتبا عليها ولا ناصحا لها، فهى لن تتغير ولن تتطور، لكننى أحسب أن انكار القبح مهمة الكاتب، ومقاومة التخلف مسئولية المُثقف. لذا فقد كتبت هذه السطور. والله أعلى وأعلم.