والله زمان.. علي أكل زمان.. وحلوياته.. وبالمناسبة من منا لا يحن لطعام أمه.. ولذة طبخ الأمهات.. وأنا من عشاق أكل زمان.. وكثيراً ما أقول لزوجتي، رغم براعتها في الطبخ!!، فين أمي.. وطبيخ أمي.. المهم دخل الشتا والبرد.. ونحن نحتاج طعاماً خاصاً نأكله في أيام البرد.. لنواجه زعابيب طوبة وبرد أمشير.. وكلما ذهبت إلي دمياط أتذكر ما كانت أمي تقدمه لنا من طعام لنواجه به لسعات البرد، ودمياط بطبيعتها منطقة باردة.. أقول كلما ذهبت هناك «أحن» إلي ما كانت أمي عليها رحمة الله تقدمه لنا.. وفي مقدمة ذلك وجبات الطيور المهاجرة إلينا من شمال أوروبا مثل: البلبول والخضيري والحمراي والزرقاي والشرشير والغر.. وغيرها.. وهذه يفضل أن تؤكل مع أنواع محددة من الخضراوات، في مقدمتها، القلقاس بنوعيه بالطماطم أو السلق وكذلك السبانخ بالكزبرة الخضراء والفول الأخضر والسلق والحمص البلدي.. ** ولكنني مع عشقي لكل ذلك رغم تقدم الزمن أحن أيضاً إلي أكل العصافير المحشية والمقلية.. وياسلام لو كانت «الحشوة» من المارتة بالبصل مع الزبيب والصنوبر!! وياسلام أكثر لو كانت العصافير من كبيرة الحجم أي من «الدقانيش» وهذه لا تكثر إلا في موسم حصاد القمح والأرز.. يعني تبقي «ملظلظة» يعني سمينة.. والدمياطي لا يحب الطيور المهاجرة التي يتم صيدها ببنادق الرش.. فهو لا يأكل المذبوح.. بل يفضل ما يصاد بالشباك.. أما العصافير فيفضل ما يتم صيده بالشباك أو ب«المخيط» وهي ثمرة تنتج مادة صمغية كنا ندهن بها خيوط الغزل بالقرب من جرن الحبوب.. فإذا وقفت العصافير عليها.. التصقت بها حتي يأتيها الصياد فيجمعها بيديه.. إيه، حكاية!!. ** وأجريت اتصالي.. وطلبت 100 عصفور.. واشترطت أن يتم نزع ريشها وتنظيفها، عقب ذبحها، تخفيضاً عن زوجتي. تعرفوا العصفور بكام؟ بجنيه ونصف الجنيه، وكان والدي يشتري العصافير ب«الأقة» أو بالمقطف أو الغلق. وأخذت زوجتي تعيد تنظيفها.. وبعد أن «جهزت» خلطة الحشوة من مارته وزبيب وصنوبر.. أخذت تحشو العصافير.. وبدأت مراسم «قلي» العصافير ويفضل قليها بالزيت وليس بالسمن.. وما إن تخرج من «المقلاية» حتي أتلقفها وأضع العصفور كاملاً في فمي.. يعني نأكله بالعضم.. وياسلام لو بجوارها كرات بلدي، أبو شوشة، اللي زي السكر! وبجواره أيضاً القلقاس أو السبانخ.. وبعد أن تنتهي عملية «قلي العصافير» تضع زوجتي ما تبقي من حشوه وتضيف بعض الزبيب والصنوبر لتحمير كل ذلك.. في القلاية مع الكبد والقلوب. وكانت غدوة.. من بتوع زمان.. وللعلم الدمياطي «كان» يأكل العصفور بالعضم لتخشين المعدة!! ** والعصافير «مقلية» دخلت تاريخ السينما المصرية حيث كانت تباع مثل التسالي في البارات والخمارات اليونانية والإيطالية التي انتشرت في مصر من أوائل القرن العشرين، وكانت تعرف باسم «فجافيجا» وقد يكون أصل الكلمة اجريجي، أي يوناني أو إيطالي. وهل ننسي صورة الفنان عبدالغني النجدي وهو يطوف بالمقهي الشعبي أو البار ويقدم هذه «الفجافيجا» لرواد البار أو الخمارة.. وكان يقدم معها «الدمبري» أي الجمبري المقلي وكلاهما كان مع الفسدق والسوداني والترمس من «المزات» التي كانت تعرفها هذه البارات أو الخمارات.. زمان، وعودوا مثلاً إلي فيلم رصيف نمرة 5 بطولة فريد شوقي والمليجي.. وأيضاً مع النجم زكي رستم.. ** طيب أكلنا الفجافيجا. وشبعنا. و«اتسلطنا».. طيب «نحلي» بإيه؟ والحلو عندي هنا وجدته بالصدفة في رأس البر وهو عبارة عن بمبوظة، أو بمبوظيا وهي ثمرة حمضية تشبه حبة زيتون كالاماتا اليوناني الشهير، نسبة إلي منطقة كالاماتا في أقصي جنوب غرب اليونان والنواة تشغل المساحة الأكبر من الثمرة.. وحولها لحاء سكري لذيذ للغاية يصبغ اللسان والفم بلون بنفسجي ولكن طعمها لذيد للغاية وكان ريف مصر ينعم بأشجار البمبوظة هذه مع اشجار النبق والتوت والجميز.. وبالمناسبة، بسبب ندرة ثمار البمبوظة الآن، اشتريت كيلو البمبوظة بعشرين جنيهاً، يا الله.. مش خسارة.. ** المهم شبعت.. واتحليت، وما أحلي «غدوة» الفجافيجا.. وما ألذ الحلو بعدها من حبات البمبوظة. بالذمة ده مش أحلي من الكلام في السياسة.. وعك وقرف السياسة.. واتفضلوا عندنا!!