الحكم الذي صدر السبت الماضي، هو في حقيقة الامر حكم ببراءة رجال الشرطة جميعهم من تهمة قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير 2011. وقد فهم خطأ، ان هذا الحكم قد برأ الرئيس السابق حسني مبارك من هذه التهمة، كما فهم أيضا خطأ أنه برأه من قضية الاستيلاء علي الخمس فيلات، كرشوة من المتهم حسين سالم. في الحقيقة ان هذا الحكم قد صدر بعدم جواز نظر دعوي القتل العمد الموجهة للرئيس السابق، ومعني هذا الحكم أن المحكمة لم تبحث فيما اذا كان الرئيس السابق قد ارتكب هذه الجريمة أم لا? ولكن عدم جواز نظر الدعوي كان نتيجة العوار القانوني الذي وقعت فيه النيابة العامة. اما بالنسبة للاستيلاء علي الفيلات الخمس كرشوة من المتهم حسين سالم، فالحكم قد صدر في هذا الاتهام بانقضاء الدعوي الجنائية – بالنسبة لهذه الجريمة - بمضي المدة. لأنه طبقا للقانون، فإن أي فعل يشكل جريمة الجناية يسقط الاتهام فيه بمضي عشر سنوات دون اتخاذ أي اجراء قانوني قبل المتهم، وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة لهذه الجريمة. وبالتالي فان المحكمة ايضا لم تبحث في مدي ثبوت هذه الجريمة من عدمه في حق الرئيس السابق والمتهم حسين سالم، وانما فقط قضت بانقضاء الدعوي بمضي المدة طبقا للقانون. أردت فقط من الإيضاح سالف الذكر أن أشير إلي أن الحكم الذي صدر لم يكن ببراءة الرئيس السابق من جريمتي القتل العمد والاستيلاء علي الفيلات الخمس، وانما برأت ساحته لأسباب قانونية بحتة لا تمس الموضوع في شيء. ولكن الذي برأت ساحته تماما من جريمة القتل هم حبيب العدلي ومساعديه. وهنا يأتي السؤال من الذي قتل الثوار في 25 يناير 2011؟؟ ومن الذي حرض علي قتلهم؟؟ ولمصلحة من تم قتل هؤلاء الشهداء؟؟ كل هذه الاسئلة لابد من إعادة البحث فيها، حتي تهدأ النفوس وتستقر الأوضاع في البلاد ويجب علي أجهزة الشرطة وكافة الأجهزة الامنية الأخرى أن تبذل كل الجهد للبحث عمن قتل أو حرض أو اشترك في قتل شهداء ثورة 25 يناير. أقول هذا بمناسبة الاعتراضات والاحتجاجات والاضرابات التي شهدها الشارع المصري أم في الجامعات، في الأيام الماضية احتجاجا علي هذا الحكم. في تقديري أن هذه الاحتجاجات والاعتراضات والاضطرابات أمر مرفوض تماما لعدة اسباب، اهمها ان الاحكام القضائية تعتبر عنوانا للحقيقة ولابد من احترامها، خاصة وأنه لا يوجد حكم قضائي في العالم يمكن أن يرضي جميع الأطراف، لأن القاضي عادة ما يفصل في النزاع لصالح طرف ضد الآخر، وبالتالي سيكون دائما هناك طرف لن يقبل حكم القضاء - هذا من ناحية ومن ناحية أخري - فإن الحكم الاخير سوف يطعن عليه بالتأكيد أمام محكمة النقض مرة أخري. ومن هنا، فإن هذه القضية برمتها سوف يتم النظر فيها مرة أخري أمام محكمة النقض لتقول فيها القول الفصل، وبالتالي فليس هناك ما يدعو إطلاقا الي حدوث مثل هذه الاضطرابات والاحتجاجات. بقية لي كلمة أخيرة، هناك أقوال بين طبقة عريضة من أبناء الشعب المصري - ترددت في هذه الآونة الاخيرة - حول اتهام إخوان الشياطين بارتكاب هذا الفعل القذر، لإشاعة الفوضى في البلاد وتحريض الشعب علي رجال الشرطة انتقاما منهم بهدف هدم جهاز الشرطة في البلاد، ودليل هؤلاء ما أثير من اتهامات في حقهم عن قيامهم باقتحام السجون، بقصد إخلاء سبيل معاونيهم وانصارهم، وكذا اقتحام مديريات الأمن واقسام الشرطة وإضرام النيران فيها انتقاما وكرها وتحريضا للشعب ضدهم، هذا فضلا عما يثار ايضا ضدهم من اتهامات بشأن قتل كافة رجال القوات المسلحة في سيناء، وكذا رجال الشرطة، الذين تم اغتيالهم منذ ثورة يناير وحتي الآن. وأيا كانت تلك الاقوال صحيحة ام باطله، فالأمر الآن متروك للقضاء ليقول فيه القول الفصل، لاسيما وأن هناك قضايا عديدة مطروحة أمام المحاكم بشأن الأحداث التي صاحبت ثورة 25 يناير، سواء ما تعلق منها باقتحام السجون، أم حرق أقسام الشرطة ومديريات الأمن، أم أعمال القتل والاغتيال لأبنائنا من رجال الشرطة والقوات المسلحة. وبالتالي، يتعين علينا ان ننتظر جميعا كلمة القضاء في كل هذه القضايا، لاسيما بعد أن زاد الأمر غموضا وتعقيدا، نتيجة الحكم الأخير الذي صدر ببراءة رجال الشرطة من تهمة قتل ثوار 25 يناير. من هنا، يجب علي السلطة الحاكمة ان تبذل المزيد والمزيد من الجهد والعرق في البحث والتحري عن الفاعل الأصلي لجريمة قتل ثوار 25 يناير، فالشعب المصري يريد أن يعرف حقيقة ما حدث في ثورة يناير، حتي يقتص للشهداء من القتلة والمجرمين الأصليين، وكل من حرض أو شارك. وحتي يتم هذا يبقي السؤال قائما، من قتل ثوار 25 يناير 2011؟؟ حمي الله مصر وجنبها شرور القتلة والارهابيين.