تكون السياسة الخارجية ناجحة بقدر ما تطرحه من آثار ايجابية في الداخل أي بقدر استفادة الشعب منها في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، وبالتالي فإن الفوائد الداخلية هي المقياس الحقيقي للحكم على السياسة الخارجية بالنجاح ويمكن تطبيق ذلك على الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس السيسي مؤخرا إلى إيطاليا والفاتيكان وفرنسا والتي يترتب عليها انعكاسات هامة ونتائج إيجابية بالنسبة لمصر وشعبها، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الأساسية التالية:- أولا: دلالة الزيارة من حيث التوقيت، فقد جاءت هذه الزيارة عقب إلقاء خطاب مصر الهام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وما ترتب عليه من تعريف العالم بطبيعة الأحداث والتطورات التي شهدتها مصر وبطريقة واقعية وحقيقية، وما يعنيه ذلك من بداية استعادة الدور المصري على المستوى الدولي بعد أن حققت مصر إنجازات هامة في ملفات اقليمية مؤثرة أهمها القضية الفلسطينية والحرب على غزة، كما إن هذه الزيارة جاءت أيضا عقب فترة وجيزة من لقاء الرئيس مع قادة قبرص واليونان مما يعني أن الدبلوماسية المصرية بدأت تمارس نشاطا ملموسا في منطقة البحر المتوسط وفي إطار من التعاون الاستراتيجي بين شمال وجنوب البحر المتوسط، كما جاءت الزيارة أيضا قبيل أيام قليلة من انعقاد قمة الدول الناطقة بالفرنسية (الفرانكوفونية) في العاصمة السنغالية دكار، وتأتي هذه الزيارة ايضا قبل اشهر قليلة من انعقاد المؤتمر الاقتصادي لأصدقاء مصر والمقرر انعقاده في شرم الشيخ في شهر مارس 2016. ثانيا: دلالة اختيار ايطاليا والفاتيكان وفرنسا للزيارة الأولى للرئيس إلى أوروبا، فإيطاليا وفرنسا من الدول ذات التأثير الكبير في الاتحاد الأوروبي ككل، حيث إن إيطاليا هي التي تتولى رئاسة المفوضية الأوروبية منذ يونيو 2014 مما يعكس أهميتها داخل الاتحاد ككل، وكذلك فرنسا التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع مصر سواء من الناحية الثقافية أو الحضارية أو الاقتصادية كما أن للدولتين استثمارات قائمة في مصر ومن المتوقع زيادتها في المستقبل المنظور، حيث تقترب استثمارات الدولتين حاليا في مصر من ستة مليارات دولار وهي مرشحة للزيادة وخصوصا في هذه الفترة الهامة من فترات التحول الاقتصادي والسياسي التي تشهدها مصر، كما أن للفاتيكان تأثيره الهام في العالم المسيحي ويمكن أن يكون هناك حوار ديني وحضاري بين الفاتيكان كمؤسسة مسيحية هامة وبين الأزهر كمؤسسة إسلامية شديدة الأهمية لتكريس قيم التسامح والتعددية وقبول الآخر، والتأكيد على أن الأديان السماوية لا تدعو إلى التعصب أو العنف أو رفض الآخر أو استخدام القوة والعنف، وإن ما قد تلجأ إليه بعض التنظيمات أو الأفراد الذين يتسترون برداء الدين لا يعبر عن الدين الإسلامي بل هم يمثلون أنفسهم فقط ولا يعبرون عن صحيح الدين حيث لا يوجد اي دين سماوي يدعو إلى العنف أو ممارسة الإرهاب. ثالثا: أن هذه الزيارة الأوروبية رغم قصر فترتها الزمنية تناولت العديد من القضايا والملفات سواء ما يتعلق منها بالعلاقات الثنائية بين الدولتين، أو ما يتعلق بالملفات الإقليمية أي القضايا المثارة في المنطقة وهي ما يطلق عليها القضايا ذات الاهتمام المشترك، حيث تم بحث العديد من القضايا المتعلقة بتدعيم التعاون بين مصر وفرنسا وإيطاليا وخصوصا فيما يتعلق بمجال الاستثمارات والتعاون في مجال الطاقة والمجالات الصناعية ومجال السياحة، وربما يمكن الإشارة أيضا إلى امكانية فتح مزيد من الأسواق للصادرات المصرية في أوروبا وذلك من خلال ما يطلق عليه الممر الأخضر أي أن تكون إيطاليا نقطة ارتكاز للصادرات المصرية وخصوصا الخضراوات والفاكهة تنتقل من خلالها إلى باقي الدول الأوروبية مما يسهم في زيادة الصادرات المصرية ويطرح آثارا إيجابية على الاقتصاد المصري ككل ،وبنفس المنطق فإن تشجيع السياحة الإيطالية والفرنسية القادمة إلى مصر يمكن أن يشجع الدول الأوروبية على انتهاج نفس السياسة وهو ما ينعكس أيضا إيجابا على الاقتصاد المصري نظرا لما يمكن أن تطرحه عملية تنشيط السياسة من آثار ايجابية على الاقتصاد المصري ككل، كذلك يمكن أن تسهم ايطاليا وألمانيا في عملية الاستثمار في تنمية محور قناة السويس بمشروعات مختلفة ومتعددة، وربما هذه هي الأهمية الحقيقية لمثل هذه اللقاءات والتي يطلق عليها «دبلوماسية القمة» أي دبلوماسية القادة والزعماء والتي تتسم بالقدرة على اتخاذ القرارات الهامة وتنفيذها في فترة زمنية قصيرة. رابعا: اشتراك مصر وإيطاليا وفرنسا في الرغبة الصادقة في مواجهة بعض الأخطار ومنها خطر الإرهاب والذي أصبح في تطوراته الأخيرة يهدد الجميع وخصوصا مع انضمام مواطني بعض الدول الأوروبية إلى تنظيمات ارهابية مثل داعش على سبيل المثال مما يعني أن الإرهاب يمكن أن ينتقل إلى هذه الدول الأوروبية وإنه لم يعد هناك أي طرف بمنأى عن الإرهاب ومن هنا كانت أهمية تناول بعض الملفات الهامة السياسية مثل الملف الليبي والسوري والعراقي، فضلا عن القضية الفلسطينية وأهمية تحقيق انجازات بالنسبة لهذه القضية التي طال أمدها والتي يؤدي التوصل إلى حل لها إلى آثار ايجابية في المنطقة بأكملها. وتكتسب الزيارة أهميتها أيضا من اللقاءات التي تمت مع ممثلي المؤسسات الهامة السياسية والاقتصادية كالمؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية وممثلي رجال الأعمال والمستثمرين والمجتمع المدني ،فضلا عن إعطاء صورة واضحة لطبيعة التطورات الحقيقية التي تشهدها مصر وتوجهها نحو استكمال المؤسسات السياسية وتوجهها نحو الديمقراطية،ويمكن أن يترجم ذلك كله بالآثار الإيجابية التي تنعكس على الشعب المصري على مختلف المستويات وهذه هي القيمة الحقيقية للسياسة الخارجية النشطة أي ما تحقق من إيجابيات وآثار ملموسة يشعر بها الشعب. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة