«القاهرة والناس»، «طالع النخل»، «حب فى الزنزانة»، وأعمال فنية كثيرة قدمها المخرج الكبير محمد فاضل بأسلوب سهل لكنه يحمل بداخله عمقا كبيرا. لا يؤمن «فاضل» بنجومية الفرد ويرى أن العمل الفنى الجيد يجب أن يقف خلفه فريق متكامل من المبدعين فى التمثيل والاضاءة والديكور، منذ سنوات قدم لشاشة السينما فيلم «ناصر 56» والذى تحدث عن فترة تأميم قناة السويس وقرارات الرئيس جمال عبدالناصر الجريئة، والآن هو مشغول بالتحضير لعمل فيلم يحمل عنوان «ناصر 67» وهذا يطرح سؤالا مهما: هل سيقدم فاضل فيلما يتعارض مع افكاره الناصرية ام يبتعد عن أسباب النكسة. فى هذا الحوار نعرف لماذا غاب «فاضل» عن الساحة ورأيه فى فاعليات الدورة ال36 من مهرجان القاهرة السينمائى وأزمة مسلسل «الشمندورة» الذى يحكى عن سكان النوبة. فى أوقات كثيرة يفضل المبدع العزلة والاختفاء.. متى فكرت فى العزلة؟ - أفكر فى العزلة بسبب اليأس من العثور على عمل جيد، ولكن عندما أجد عملا محترما يحمل فكرة أعود سريعا للعمل وأهجر حالة العزلة.. ولكن على مستوى الحياة بشكل عام هناك أحداث تدفعك دفعا الى الابتعاد عن الواقع بكل تفاصيله وأذكر أن عام 2010، كان بالنسبة لى محبطا جدا بسبب الاحداث السياسية وعدم وجود بارقة أمل بسبب حاشية «مبارك» التى قتلت «الأمل فى بكرة» فى عقول المصريين. لا أعرف لماذا تلوم عصر مبارك.. خاصة أن أغلب أعمالك الفنية من إنتاج تليفزيون الدولة.. ما تقوله لا يتفق مع الواقع؟ - معك حق قدمت أعمالا كثيرة من إنتاج التليفزيون لكن لا أحد يعلم مدى الضغوط الرهيبة التى كنت أعانيها فقد استغرق تصوير فيلم «ناصر 56» على سبيل المثال 14 شهرا تقريبا.. كل عمل كنت اقدمه كانت خلفه مساحة كبيرة من المعاناة والإصرار.. وبالرغم من الشهرة لم اجد سجادة حمراء أمام مكتب رئيس قطاع الإنتاج بالتليفزيون. ولكن فى أرشيفك أعمال فنية كثيرة كانت تنتقد الحكومة، على سبيل المثال مسلسل «فى المشمش» الذى تحدث عن فساد المحليات.. كيف نجحت فى تقديم هذه الأعمال وتحمل عبء انتاجها تليفزيون الدولة؟ - بصراحة شديدة أنا مؤمن بأن الحيلة أفضل وسيلة لاخذ الحق، لذا كنت أتحايل على الرقابة من أجل أن تمر أعمالى.. فلم يصادر على مدار مشوارى الفنى اى عمل بسبب تقرير من الرقابة. سحر الفن أن تقول ما تريد دون ان تصدم مشاعر المتفرج او تخلق عداء مع الرقيب .. بالمناسبة فى عام 2009 قدمت مسلسلا بعنوان «سنوات الحب والملح» وكان يحكى عن علاقة الإخوان بثورة يوليو وتمتد الأحداث من عام 1952 وحتى عام 67 وانتقد المسلسل ممارسات الإخوان وفى عام 2010 قدمت مسلسل «الثائرون نياما» ويحكى عن الثورة وكيف كانت السلطة تعتقد أن المصريين نيام بينما هو فى حقيقة الأمر مشغولون بالتحضير للثورة تحت الأرض.. مصر مثل فرنسا داخل كل بيت بدروم يحوى أسرارا كثيرة.. اشتغلت فى عهد عبدالناصر ومبارك والسادات وأجد أن أفضلهم عبدالناصر لأنه كان يعى قيمة الإبداع ويقدر تأثير الفن على الناس. هل تعتبر جيلك من المخرجين محظوظا بالمقارنة بظروف الجيل الحالى؟ - بكل تأكيد، أنا من جيل محظوظ جدا سافرت فى بعثات تعليمية من عام 67 حتى عام 80 وفى البعثة الاخيرة درست تخطيط برامج، لم اكن الوحيد الذى سافر للخارج كان معى يحيى العلمى، أحمد توفيق، فهمى عبد الحميد. ولكن لا أجد الدولة هذه الأيام تهتم بتحسين قدرات ومهارات المخرج. كيف يرى المخرج محمد فاضل مستوى الأعمال الدرامية.. وما تقييمك للغة الحوار؟ - تابعت الأعمال الدرامية التى تم انتاجها مؤخرا وأصابتنى الصدمة بسبب لغة الحوار المبتذلة وبالتحديد فى مسلسل «السيدة الأولى»، وأشعر بأن هناك رؤوس أموال تضخ لتدمير المجتمع المصرى.. لا أقصد أن الممثل متآمر على وطنه لكنه لأنه فى نهاية الأمر يريد أن يشتغل والسلام.. سمعت أن مسلسل «سرايا عابدين» بلغت ميزانية إنتاجه 140 مليون جنيه المدهش أن مسلسل فشل ويشوه تاريخ مصر ليس به إضافة فنية لا تحاول أن تقنعنى أنه هذا المسلسل بمستواه الضعيف سوف يكسب ويحقق عائدا ماديا .. هناك مؤامرة هدفها تدمير المجتمع ويتم استخدام الفن كوسيلة لهذا الغرض. ولكن بماذا تفسر دفاع «يسرا» عن المسلسل واشتراكها فى الجزء الثانى؟ - إصرار يسرا مادى فقط، فتش عن المادة، لكن المسلسل بكل تأكيد فاشل ويحمل مغالطات تاريخية كثيرة ولم يحقق نسبة مشاهدة.. هناك اعمال الهدف منها ليس الربح ولكن تشويه المجتمع المصرى وتدمير القيم والثوابت.. بالمناسبة كنت اشتركت فى لجنة لتقييم المرأة فى دراما رمضان تحت إشراف المجلس القومى للمرأة وترأس اللجنة الدكتور صلاح فضل واكتشفت عدم وجود نموذج ايجابى للمرأة .. المرأة سلبية طول الوقت مع تحطيم صورة الأم تماما. فى رأيك.. هل تتحمل الدولة مسئولية انتشار الأعمال الفنية الرديئة؟ - طبعا.. فى كل لقاءاتى بالمسئولين أقول إن الثقافة والاعلام أمن قومى فرغم انشغال الدولة بمواجهة الإرهاب والأزمات الاقتصادية يجب أن تهتم بالإعلام وتهتم أيضا بالثقافة لأن الفن هو القوة الناعمة التى تؤثر وتغير.. يجب أن يعود قطاع الإنتاج بالتليفزيون بقوة وأن يقدم أعمالا تنافس القطاع الخاص، فى الماضى قدمت مسلسل «أنا وانت وبابا فى المشمش» كان ينتقد فساد المحليات وتم انتاجه من قبل الدولة لأننى تعاملت مع الموضوع بشكل فنى واستعنت بمجموعة من الممثلين لهم جاذبية خاصة ونجح المسلسل ومازال عالقا فى وجدان الناس.. الهدف من حديثى ان الدولة تستطيع تقديم أى شىء مادام المبدع يمتلك الرؤية ولديه حلول. قلت انك استعنت بممثلين لهم جاذبية.. فهل تتوفر الجاذبية فى الجيل الجديد؟ - أغلب نجوم الجيل الجديد فاقدون للجاذبية, هناك ناس اكتسبت النجومية بالإلحاح وليس بالموهبة. انتهى مهرجان القاهرة السينمائى.. ما تقييمك للدورة ال36 ولماذا رفضت حضور حفل الختام؟ - أتصور أن مهرجان القاهرة السينمائى فشل تنظيميا.. سمير فريد ناقد شاطر لكنه ليس إداريا جيدا لمست فى حفل الافتتاح فوضى كبيرة وسوء تنظيم وفضلت عدم الذهاب الى حفل الختام لأن الجواب يظهر دائما من العنوان. وما رأيك فى فشل إدارة المهرجان فى جذب نجوم عالميين؟ - سمعت أن سمير فريد، رئيس المهرجان برر هذا الأمر بأنه يرفض دفع فلوس للنجوم حتى يأتوا الى مصر واندهشت من كلامه. لأن كل مهرجانات العالم تدفع فلوس لنجوم العالم حتى يشاركوا فى مهرجانات السينما أو الغناء.. وهناك سماسرة لهذا الأمر مهمتهم جلب النجوم والتفاوض معهم حول الأجر. ما تقييمك لاداء الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة؟ - كويس الى حد ما.. أرى أنه مهتم بالثقافة الجماهيرية وهذا شىء إيجابى ويحسب له ولكن أنا مرعوب من تعيين اسماعيل سراج الدين فى منصب مستشار رئيس الوزراء لشئون الثقافة والآثار .. فما قيمة وزير الثقافة ووزير الآثار بعد هذا القرار.. وبصراحة شديدة انا مرعوب من وصول اسماعيل سراج الدين الى كرسى وزير الثقافة لأن هذا يعنى اننا نعود للخلف. حدثنا عن فيلم «ناصر 67» وما العقبات التى تمنع تنفيذه؟ - فكرت فى عمل جزء ثان لفيلم «ناصر 56».. يحمل اسم «ناصر 67» ويرصد الفيلم مرارة النكسة وحلاوة الانتصار وعلاقة الجيش بالشعب وكيف تم تجاوز الهزيمة وعبر المصريون القناة.. الأزمة التى تواجه المشروع خاصة بالتمويل، فالفيلم يحتاج ميزانية ضخمة لإنتاجه. وأتمنى ان تقف الشئون المعنوية بجانبى لتقديم فيلم جديد يؤرخ لعظمة المصريين. وماذا عن مسلسل «الشمندورة».. وتجاهل قطاع الإنتاج للمشروع؟ - أنا مندهش جدا.. هذا المسلسل يعد اول عمل درامى كامل عن سكان النوبة وقد تقدمت به لأسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق وللدكتور درية شرف الدين التى جاءت بعده ولم يصدر قرار بإنتاج العمل .. الميزة فى مسلسل «الشمندورة» أنه يحكى واقع المحافظات الحدودية.. وأرى أن مثل هذا العمل يجب أن تشجع الدولة على إنتاجه لأنه يجدد مشاعر الولاء والانتماء للوطن.