عرض الاستحواذ علي شركة بسكو مصر حدث فرض نفسه علي مجتمع الأعمال خلال الأيام القليلة الماضية، وسيظل كذلك الي أن تحسم صفقة البيع إما الي المجموعة الإماراتية «أبراج» أو الشركة الأمريكية التي قلبت الطاولة علي الكل بتقديمها سعرا أعلي من العرض الإماراتي. الأسبوع الماضي استيقظ مجتمع الأعمال علي قبول الرقابة المالية لعرض شركتي «سفنكس أوبيليسك» و«بيسكو انڤست للتجارة والاستثمار» التابعتين لمؤسسة أبراج الإماراتية لشراء حتي 11٫5 مليون سهم من أسهم «بسكو مصر» التي تمثل 100٪ من أسهم رأسمال الشركة بسعر 73٫91 جنيه مصري للسهم الواحد وبقيمة إجمالية تبلغ 850 مليون جنيه ولم تمر 24 ساعة حتي كان عرض «كيلوج» الأمريكية بسعر نقدي يبلغ 79 جنيها مصري للسهم الواحد وبقيمة إجمالية تبلغ 908٫5 مليون جنيه، ومن قبلهما عرض شركة صافولا السعودية التي تراجعت عن عرض الشراء نهاية سبتمبر الماضي. المشهد في شركة «بسكو مصر» يعيد للذاكرة سيناريو شركة الإسماعيلية للدواجن منذ سنوات معدودة حينما قامت الحكومة ببيع حصتها بتراب الفلوس وبسعر متدن للسهم لمستثمر سعودي، رغم أنها تمتلك مساحات كبيرة من الأراضي تقدر حاليا بالمليارات خاصة بعد إضافة أنشطة أخري للشركة للاستفادة من مساحات الأراضي. الحكومة ممثلة في القابضة للصناعات الغذائية تخارجت من الحصص الحاكمة ل«بسكو مصر» ضمن برنامج الخصخصة علي مرحلتين في عام 97 و2005، لصناديق استثمار خاصة وأخري تابعة للحكومة متمثلة في هيئة الأوقاف وشركات التأمين إلا أن قرار البيع صار مشهدا سيئ السمعة، ومرفوضا تماما لدي السواد الأعظم من المراقبين، فالأصول التي فقدتها الدولة للعديد من الشركات وتخلصت منها بتراب الفلوس ليست ببعيدة ولا تزال بعض الشركات تكتوي بنار الخصخصة العشوائية للآن. المراقب يتبين أن الشركة تأسست باعتبارها شركة مساهمة مصرية بقرار رئيس الجمهورية في يناير 1957، بغرض صناعة المواد الغذائية المختلفة، ومنها الفطائر والبسكويت والخبز واللبان والشيكولاتة، ومنتجات الحبوب بما يكفي احتياجات ومتطلبات المدارس والهيئات والمؤسسات والأسواق المالية، ولأن الشركة تمتلك آلاف الأمتار في مناطق استراتيجية بالإسكندرية، قامت بإضافة نشاط في مارس 2010 يتمثل في شراء وبيع وتأجير واستئجار وحيازة واستغلال وتقسيم الأراضي الفضاء، وكذلك ترتيب واستغلال حقوق الانتفاع والارتقاء وكافة الامتيازات والحقوق العينية علي هذه الأراضي. الشركة التي تعد بوضعها السابق والحالي «فرخة تبيض ذهبا» باعتها القابضة للصناعات الغذائية في 16 يناير 2005، الي مجموعة من صناديق الاستثمار الخاصة وصناديق استثمار بالبنوك منها البنك التجاري الدولي والصندوق المصري العالمي وصندوق مصر الاسكندرية للاستثمارات المالية وشركة كرنك للاستثمارات بسعر 25٫60 جنيه للسهم، بقيمة إجمالية 165٫3 مليون جنيه وذلك بعدما قامت القابضة للصناعات الغذائية ببيع جزء من الشركة في إطار برنامج الخصخصة التدريجي مع منتصف تسعينات القرن الماضي. بعيدا عن أن الشركة شاهد جديد علي فشل الحكومة في برنامج الخصخصة فإن صفقة الاستحواذ الحالية والتي يتصارع عليها شركات إماراتية وأمريكية، متوقع أن تشهد مفاجآت مثيرة بعد قيام شحاتة محمد شحاتة مدير المركز العربي للنزاهة والشفافية بتقديم بلاغ للنائب العام برقم 23263 لسنة 2014، عرائض النائب العام ضد رئيس مجلس الوزراء، وزير الاستثمار، وزير الصحة، ورئيس هيئة الرقابة المالية حول عملية البيع، وما تضمنه البلاغ من اتهامات ضد الشركة الأمريكية والأضرار التي تلحق بالمستهلكين بالسوق المحلي. واجهت شريف سامي رئيس الرقابة المالية بهذا البلاغ باعتباره أحد الذين تضمنه البلاغ، فأجابني قائلاً: إنه من أساسيات السوق حرية الدخول والخروج للمستثمرين، وأن عروض البيع والشراء تتعلق بأطراف الصفقة، إذ إن المشتري له حرية العرض والبائع له كامل القرار الاستثماري. وتابع أن الرقابة المالية تقوم بتطبيق القوانين الخاصة بعملية الشراء والبيع وطالما الشركة العارضة للشراء مستوفاة للقوانين والشروط، فلا توجد مشاكل للعرض. وحول موقف الشركة الأمريكية وعلاقتها بمساهمين إسرائيليين مثلما تضمن البلاغ نفي رئيس الرقابة المالية ذلك، وتابع قائلاً: إن الجهات المختصة قامت بالاستعلام الأمني ولا توجد أي شبهات حول الشركة وإلا ما تم السماح لها بتقديم العرض. كما أن الصناديق الاستثمارية تبحث عن مصلحة عملائها، وما يحقق لهم مكاسب مناسبة، وبالتالي فإن القرار الاستثماري بالبيع يتعلق بهذه الصناديق المالكة في الشركة، وفقاً لقول سامي. سألت الدكتور معتصم الشهيدي، الخبير الاقتصادي، عن الصفقة وعملية بيع الشركة لكيانات غير وطنية، أجابني قائلاً: إن تكالب وصراع المؤسسات العربية والأجنبية علي الشركة، بسبب ما تملكه من مساحات أراض شاسعة في منطقتي السواح والسيوف بالإسكندرية وهذه المناطق وسط الكتلة السكنية، ما يعزز من قيمتها المالية مستقبلاً، وفرص استغلال هذه المساحات في الاستثمار العقاري، خاصة أن الشركة أضافت نشاط الاستثمار العقاري في أنشطتها عام 2010. وتابع: إن الشركة ليست من الشركات الاستراتيجية التي تسبب المخاوف من بيعها أو تسبب قلقاً وبعداً أمنياً، إذ يوجد العديد من الشركات التي تعمل بمجالها، وكذلك فإن القانون أتاح للرقيب الاستعلام الأمني عن الشركات المتقدمة، ومدي إمكانية قبول عرضها من عدمه. «مثل هذه الصفقات هي خراب اقتصادي، خاصة إذا تعلق الأمر بالصناعات الغذائية»، هكذا علق الدكتور عبدالخالق فاروق، الباحث والمفكر الاقتصادي، مدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية، حيث إنه علي الدولة العودة مرة أخري إلي دورها بالحفاظ علي أصول الشركات وعدم التفريط فيها، خاصة الشركات التي تتعلق بالصناعات الاستراتيجية، وحتي يتحقق التوازن بين القطاعين العام والخاص. «لسنا في حاجة إلي تكرار نفس أخطاء الماضي، والتخلص من أصول الدولة بأسعار بخسة، وعلي الدولة إعادة حساباتها في عدم التخلي عن الأصول مرة أخري» بحسب فاروق. العرض أثار تساؤلات حول فتح ملف الخصخصة مرة أخري في إحدي الشركات الاستراتيجية رغم أن الملف أغلق منذ فترة وفقا لقول صلاح حيدر المحلل المالي بعد أن طرحتها الحكومة للبيع واستحوذ عليها عدد من الصناديق الاستثمارية التي قامت بإعادة هيكلة الشركة وأعادتها الي طريق الربحية مرة أخري وهو ما أغري العديد من المستثمرين للدخول في تلك الصفقة الناجحة، وبالتالي فإن الاستثمار في شركة «بسكو مصر» من قبل مستثمر أجنبي لا يعد مؤثرا علي قطاع الصناعات الغذائية الوطنية نظرا لأن النشاط الأساسي للشركة يعد من الأغذية التكميلية والتصنيع النهائي لبعض المنتجات التكميلية بعيدا عن احتكار السوق. إذن صفقة بيع «بسكو مصر» قد تشهد العديد من المفاجآت عقب زيادة الشركة الأمريكية عرض الشراء الي 79 جنيها، فهل تقوم المؤسسة الإماراتية بزيادة السعر من جديد في ظل ما تمتلكه الشركة من أصول.