بالإعلان عن نتيجة الانتخابات التونسية تكون تونس قد خرجت من عنق الزجاجة. فالانتخابات التونسية حظيت بنسبة مشاركة وصلت ل 61.8٪ من الشعب التونسى، وبمشاركة معظم القوى السياسية , وعلى أساس دستور نال الموافقة من الشعب. بذلك تكون تونس قد قدمت للوطن العربى نموذجاً يحتذى به للممارسة الديمقراطية، وأهدت ضوءا فى نفق المسار الديمقراطى المظلم بالوطن العربى. ولعلنا نتساءل عن سبب نجاح الديمقراطية فى تونس وفشلها فى ليبيا وسوريا واليمن، وأختلاف مسارها فى مصر؟ فالمجتمع التونسى يتمتع بدرجة عالية من الوعى والثقافة مما جعله يرفض ممارسة العنف من كافة القوى السياسية، مع الأخذ بأساليب العمل المدنى «الاجتماعى والسياسى» للوصول للناخب التونسى. فقد كان ل «بورقيبة» دور تاريخى محورى فى بناء العقل التونسى من خلال المنظومة التعليمية والثقافية والاجتماعية, والتى جعلت الشعب التونسى منفتحا على الحضارات الغربية، الامر الذى أسهم فى تبوؤ المرأة التونسية أيضا مشهد الصدارة فى نجاح العملية الديمقراطية. وبغض النظر عن الآثار السلبية لمشروع «بورقيبة» من ظهور طبقة علمانية، رفض الشعب التونسى مفاهيمها وتمسك بمفهوم الوسطية، ولكنها أيضا أسهمت مجددا فى رفض مشروع التيار الإسلامى المتشدد. ومع امتلاء الصحف المصرية بالكثير من المقالات والتحليلات من مختلف الأيدولوجيات السياسية. ترصد و تحلل سبب نجاح التجربة الديمقراطية فى تونس وفشلها فى مصر، إلا أننى أجد نفسى شديدة الإعجاب بالشعب التونسى الشقيق والذى أظهر أعلى درجات الخوف والوعى فى آن واحد، خوف على تونس أرضا ووطنا, ووعى لما يمكن أن يهدد الدولة التونسية من وجود جماعة الاخوان على رأس السلطة. فتدنى الأمية بين أبناء الشعب التونسى وثقافتهم كان عاملا أساسيا فى نجاح التجربة الديمقراطية، وأيضا كان دور حزب النهضة بقيادة «راشد الغنوشى» مؤثر جدا، فنشأته وثقافته، كأحد دعاة الفكر القومى فى شبابه ساعدته على الانخراط والنهل من أقطاب المعارضة العربية فى منفاها فى بريطانيا قبل ثورة الياسمين فى تونس, ما أكسبه ليونة فى التعامل مع معارضيه, بالإضافة لدور 30 يونية ونهاية الإخوان فى مصر، وصغر مساحة تونس وقلة عدد سكانها و ندرة المفهوم القبلى والعشائرى... كلها عوامل ساعدت على نجاح المسار الديمقراطى. وإن كنت شديدة الإعجاب بها إلا أننى أجد فى التجربة المصرية مع تيار الإسلام السياسى والأخوان خاصة نعمة من المولى عز وجل بغض النظر عما نلاقية منهم من إرهاب وتشفى حتى فى حوادث الطرق فلو أن الانتخابات الرئاسية الأولى أتت بالفري «شفيق» للسلطة ماكان تم كشفهم على حقيقتهم من تشدد وغلو وحقد وتعال على باقى أفراد الشعب من دون الأخوان (العاملين و المحبين والمتعاطفين)، وكنا سنظل ننظر لهم كفصيل و طنى شارك معنا فى 25 يناير ضد سلطة فاسدة، وعليه يستحق مشاركتنا فى الحياة السياسية، ونتألم لما يمكن أن يناله من عصف السلطة الجديدة فاختلاف طرق التفكير بين إخوان تونس عن إخوان مصر أجل من نهايتهم هناك لبعض الوقت. فانا أراهم كالسرطان لا يجدى معهم سوى البتر. إن خسارة حزب النهضة التونسى للانتخابات التونسية تمثل ضربة موجعة للتنظيم الدولى للاخوان، تضاف للضربات المتتالية للتنظيم بدأ من مصر وما حدث فى 30 يونية، ثم اليمن وسيطرة الحوثيين عليها وخروج كثير من المؤشرات حول التنسيق بين الرئيس اليمنى السابق «على عبد الله صالح» وجماعة الحوثيين، والثأر بينه وبين الإخوان فى اليمن وعدم نسيانه لدورهم فى إزاحته عن السلطة، مرورا بليبيا وتقدم الجيش الليبى بقيادة اللواء «خليفة حفتر» وفرض سيطرته على معظم الشرق الليبى والذى كان نقطة انطلاق الثورة الليبية على «معمر القذافى»، والتنسيق الظاهر بين الجيش الليبى والحكومة من جهة وبعض رجال نظام القذافى من جهة أخرى ممن لهم تأثير واضح على بعض القبائل الليبية، وانتقالا إلى سوريا وظهور تنظيم داعش والتى تنظر للإخوان على أنهم خوارج العصر وسيطرة داعش على مناطق حدودية إستراتيجية بالنسبة للاخوان كانت تمثل منفذا لهم للتجمع وتلقى المساعدات من داعميهم من سلاح و مقاتلين. فتونس كانت محض أمل للتنظيم الدولى لتكون مركزا له وملجأ لقياداته خصوصا بعد الدعوات المتكررة من حزب النهضة لاستضافة التنظيم فى تونس. والآن أيقن راشد الغنوشى أن وجود قيادات التنظيم الدولى للاخوان المسلمين فى تونس هو خصم من رصيد حزب النهضة لدى الشارع التونسى بعد ما علق لدى الشعب العربى بالإخوان من خيانة للأوطان فى سبيل تحقيق منافعهم هم خصوصا وأن كل التكهنات حول تشكيل الحكومة التونسية يخرج حزب النهضة من المشاركة فيها مع حزب نداء تونس الفائز الأول بالانتخابات, يفتح باب المشاركة للأحزاب الأخرى والتى تنتمى للدولة المدنية، وإن كان بعضها يحسب على النظام السابق. إن التجربة الديمقراطية فى تونس أخرت من نهاية الإخوان فى تونس, ولكن ميشفع لها أنها ضوء فى نفق الديمقراطية المظلم فى وطننا العربى.