تكشف عرائض الشكوى ورسائل الرجاء والتوسل الموجهة إلى الصحف والفضائيات عن كثير من الغرائب التى لا تعنى سوى الغياب العقلى عن بعض المواطنين عما يحيط بهم - وبنا من الظروف والملابسات التى تؤكد كلها أن البلاد فى أزمة!، وأن علينا جميعا إدراك أن سلوك البعض منا فى حياته يفاقم من هذه الأزمة!، ويضيف إليها رصيدًا لا ينفد من المشاكل مادامت حياته تلتزم بهذا السلوك، ويظن الذين يحررون هذه الشكاوى بأيديهم - أو تكتب لهم - أنهم بكلماتها يستطيعون إلهاء قادتها عن مدى الجرم الذى ارتكبوه فى حق أنفسهم ومازالوا يرتكبونه فى حق البلاد كذلك!، ولكن أصحاب هذه يخفقون فى إقناع قارئها إذا كان محترفا لمهنته مثلى!، بعد طول عمر فى مهنة لا يعترف غير القراءة وفرز ما بين يديه من الأوراق، وهذا شأن من تربوا من جيلى على قراءة الكثير وكتابة القليل، حتى يصبح من يفعل على دربة ودراية بالأساليب وما تعنيه وما وراءها من مقاصد وما تخفيه من الجرائم!، فهذا أحدهم يكتب لك مناشدا المحافظ - عن طريقك - أن يصرح له ويرخص بإقامة كشك خشبى فى أحد الشوارع يكسب منه عيشه، حيث هو لا يجد موردا للرزق، وصاحب أسرة من زوجة وستة أولاد، وهو لا يحكى لك عن رحلته فى الحصول على الرزق لزوجته وقاطرته السداسية!، خلال رحلة الانجاب الطويلة هذه!، ولكنه يسير ملمحا - بدون أن يصرح - أنه كان قد أقام كشكا خشبيا فى هذا الشارع على عهد الانفلات الأمنى الذى عرفناه خلال سنوات بعد ثورة 25 يناير 2011، فلما حانت ساعة القضاء على الانفلات وإعادة النظام قامت شرطة المرافق بإزالة كشك صاحب الشكوى غير المرخص!، وهو لا ينسى الدعاء على الذين قاموا بإزالة الكشك!، لكنه يفاجئنى فى نهاية الشكوى بأن يكون الكشك!، الذى سوف يرخص له المحافظ به ويسمح فى نفس المكان بالشارع الذى كان له فيه الكشك السابق غير المرخص!، وهذا يعنى أنه لن يرضى بكشك جديد مرخص فى مكان غير المكان السابق!، وعلى المحافظ أن يراعى ذلك حتى لا «يزعل» منى ومنه صاحب الشكوى!، الذى بدأ أمره بالمخالفة للقانون!، ثم عاش لسنوات ينعم بالمخالفة، دون أن ينتبه ولو لمرة واحدة أنه يخالف!، وأن استمرار المخالفة لن يطول مهما امتدت الفوضى، فلما حانت الساعة أرسل يشكو شظف العيش بعد رغد سنوات المخالفة وانجاب العيال!. وقد نشرت شكوى الرجل، لكننى كنت على ثقة من أن المحافظ لن يستجيب له!، إذ لا شك أدرك المحافظ أن هذا لابد من عقابه بحرمانه من الكشك الذى يريده «فى نفس المكان السابق والشارع»!، ثم هو قد أنجب كل هذه العيال مغامرا فوفر لهم سوء العيش دون أن ينتبه إلى أن رعاية الأولاد يلزمها دخل ثابت من عمل ثابت، لكنه أنجب العيال وهو لا يعرف من أين يضمن عيشهم!، ويخالف القانون انتهازا لفرصة الانفلات دون أن يتبصر فيعرف أن الانفلات لن يدوم!، ولست أدعى أن هذا الرجل قد تفرد فيما فعل وما طلبه فى شكواه بل أبواب رسائل الجمهور فى سائر الصحف والمجلات تخرج حافلة بنماذج شتى تؤكد أن «لله فى خلقه شئون»، فقد تفاوتت العقول إلى حد يجعلك تصدق أن بعض الشاكين فى الصحف والمجلات غير عقلاء!، بعضهم يقدم على الزواج والانجاب مع مرور سنوات عليه بدون عمل!، لماذا فعل ذلك وكيف فعله، ومن هذه المسكينة التى رضيت به من البداية زوجا «عواطليا» لا يعمل!، ثم استمرت زوجة تنجب له الأولاد وهو على هذا الثبات على مبدأ التعطل!، وقد لاحظت أن معظم الشاكين من هذه النوعية التى ترى أن من حقها أن تفعل ما تشاء، وعلى الدولة أن تتولى رعايتهم ومن يتبعونهم رعاية كاملة من المسكن إلى الشغل!، دون التنازل عن طلباتهم التى لا يتوقفون عن طرحها على الجميع وبإلحاح بارد!.