سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
.. وتوقفت "نبضات" الرئيس الرابع للوفد "نعمان جمعة".. نهاية رحلة كفاح ونضال سياسى
أول من قال بعد رحيل فؤاد سراج الدين: انتهى عهد الزعامة وبدأ زمن الرئاسة فى الوفد
إذا كنت تتفق أوتختلف مع الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد الأسبق،لايعنى ذلك أنك تستطيع ،أو تملك،محو اسمه من سجلات تاريخ الحزب العريق،كرابع رؤسائه، وأول من يتولى المنصب بعد رحيل قيادته التاريخية، فؤاد سراج الدين. ولا تستطيع إلغاء مواقفه المسجلة فى جريدة «الوفد»عبر مقالاته الشهيرة التى كانت تحمل عنوان»نبضات» التى كان ينشرها لمدة 16 سنة فى الصفحة الثانية من العدد الأسبوعى كل خميس بجوار باب «العصفورة» الشهير. هو أول رئيس منتخب للحزب بعد انتهاء مرحلة الزعامة،التى مر بها سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين،وهو من قال عقب انتخابه فى سبتمبر عام 2000 بعد رحيل «الباشا» سراج الدين،لقد انتهى عهد الزعامة وبدأت مرحلة الرئاسة فى الوفد. الرجل الآن فى ذمة الله،بعد مرحلة طويلة من الكفاح والنضال السياسى،فى مواجهة العدوان الثلاثى، ثم فى مواجهة الاستبداد السياسى،فى عهود عبدالناصروالسادات ومبارك،فقد غيبه الموت،بعد إغماءة فى أحد شوارع باريس،التى سافر إليها مؤخراً للعلاج،بعد أزمة صحية كبيرة،ليسقط الرجل للمرة الأخيرة بعد أن كان معروفاً عنه صلابته فى مواجهة الشدائد،ولكن هذه المرة كانت موعد الرحيل الذى لايمكن لأحد مخالفته . ولد الدكتور نعمان جمعة في يوم 22 يونيو 1934 لأب شرقاوى كان يعمل مهندساً زراعياً،وكانت طبيعة عمله تتطلب الانتقال بين المحافظات،ولكنه تزوج واستقر فى شبين الكوم بالمنوفية لينجب الطفل «نعمان» وسط 10 أبناء، خمسة أولاد، وخمس بنات، كان هو أصغرهم. تدرج نعمان فى مراحل التعليم المختلفة وظهرت ملامح نبوغه الدراسى انضم للوفد عام 1948. عندما كان عمره 14 عامًا انضم إلى لجنة الطلبة الوفديين، حيث كان والده يشجعه علي الانضمام للوفد، والمشاركة في المظاهرات التي تطالب بجلاء الإنجليز عن مصر.انهى مرحلة التعليم الثانوية فى مدرسة المساعى المشكورة بالمنوفية،ليلتحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة،ويتفوق فى دراسة القانون ويتم تعيينه وكيلاً للنائب العام عام 1956 وكان عمره وقتها 22 عاماً وتنقل بين نيابات جنوبالقاهرة، وباب الشعرية ،ومالبث وكيل النائب العام يتولى مهامه حتى اندلعت الحرب فى منطقة القناة،ليبدأ العدوان الثلاثى على مصر،عقاباً لها على تأميم القناة،ليترك وكيل النيابة الشاب عمله،ويذهب إلى بورسعيد،لينضم إلى صفوف المقاومة الشعبية التى واجهت الإنجليز والفرنسيين والصهاينة على شواطئ القناة،وتم أسره من قبل القوات الفرنسية خلال إحدى العمليات العسكرية التى قام بها مع زملائه الفدائيين وبعد حوالي شهرين من السجن والتعذيب ، تم الإفراج عنه،وكان نعمان جمعة يحكى للمقربين منه عن وصلات التعذيب التى تعرض لها ومنها محاولة شد بعض أجزاء من جسمه بالقوة،إلا أنه تحمل التعذيب حتى أن القوات الفرنسية تصورت أنه رجل مخابرات مدرب نظراً لقدرته الغريبة على التحمل،وقد احتفلت جريدة الأهرام بوكيل النيابة الشاب على صفحتها الأولى بعد الإفراج عنه،باعتباره نموذجاً للفداء والتضحية. سافر وكيل النيابة الشاب بعد ذلك إلى باريس، لاستكمال دراسته، حيث حصل على الدكتوراه في القانون المدني بتفوق، وعمل لفترة في هيئة التدريس بجامعة باريس،وبعد 10 سنوات قضاها في باريس، عاد إلى مصر ليعمل بالتدريس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ويصبح رئيساً لقسم القانون المدني لمدة سبع سنوات،ثم عميدًا لها بالانتخاب مرتين متتاليتين من عام 1988 إلى عام 1994،ليصدر قانون تعيين العمداء الذى قيل أنه صدرحتى لايتمكن نعمان جمعة من تولى العمادة للمرة الثالثة بعد مواقفه المتعلقة بتطوير الدراسة فى كلية الحقوق بقرارات خاصة بمجلس الكلية دون الرجوع لرئيس الجامعة،الذى كان الدكتور مفيد شهاب وقتها، ودون انتظار موافقات المجلس الأعلى للجامعات،وقد أصدر الدكتور نعمان جمعة وقتها قرارات تاريخية بإلغاء بعض المواد التى لاتفيد القانونى فى عمله مثل مادة «التعاون»وقرر تحويل اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى مادتين اختياريتين،يدرسهما من يريد استكمال دراساته العليا ويعفى منهما من يريد العمل بالمحاماة على المستوى المحلى،إلا أن السبب الذى قيل حول إصدار القانون للتخلص منه كان رفضه عقد مؤتمر للمجلس القومى للمرأة بحضور سوزان مبارك عام 1994 فى المسرح الجديد بالكلية بدون الحصول على موافقته باعتباره عميداً للكلية،وقيل إن سوزان مبارك علمت برفضه فقررت معاقبته بإصدار القانون. كان نعمان جمعة هو الذراع اليمنى لفؤاد سراج الدين زعيم الوفد لفترة طويلة،فقد شارك نعمان،مع القيادات التاريخية للحزب، فى عملية إعادة الوفد للحياة السياسية عام 1978 ثم عام 1984 ليتولى منصب سكرتير مساعد الحزب ضمن كبار قيادات الوفد وقتها، وظل رجال الوفد منذ عام 1978 في صراع مع السلطة داخل أروقة المحاكم، وتمكن كبارالقانونيين بالحزب ومن بينهم الدكتور نعمان جمعة من الحصول علي حكم تاريخي بعودة الوفد إلي الحياة السياسية عام 1984. ولعودة الوفد قصة مناورات قانونية مهمة،فقدكان الدكتور نعمان ينظم عملية ترشيح الوفد لقائمة انتخابات المحليات في شمال القاهرة بالتعاون مع المرحومين كرم زيدان وأحمد طه، وذلك للحصول علي قرار سليم بوجود الحزب واقعياً،يمكنه من الطعن أمام القضاء الإداري، وكان يعد الأوراق، ويجمع الوثائق، ويرفع الدعاوي، ويترافع أمام القضاء مطالبا بعودة الوفد، وبعد حكم القضاء العادل أعلن جمعة قرار العودة في مؤتمر صحفي عالمي، لأن فؤادباشا سراج الدين زعيم الوفد وإبراهيم باشافرج سكرتير عام الحزب كانا في ذلك الوقت معزولين سياسيا، ومنذ ذلك التاريخ 1984 والدكتور نعمان هو الذراع اليمني لزعيم الوفد الراحل فؤاد باشا سراج الدين. كان عموده الأسبوعى «نبضات» بجريدة «الوفد»علامة مهمة فى الحياة السياسية المصرية خلال عهد حسنى مبارك حيث كان يتميز بالصلابة فى مواجهة الحاكم،ولعل أبرز مقالاته كانت خلال حرب الخليج الثانية التى اندلعت عقب احتلال صدام حسين للكويت،فقداتخذ من خلال مقالاته موقفاً رافضاً للهجوم على العراق،متهماً قوات التحالف بالتخطيط لاحتلال منابع البترول. في 9 أغسطس عام 2000 رحل فؤاد سراج الدين وكان الدكتور نعمان هو النائب الأول لرئيس الوفد وحسب نص لائحة الحزب، يتولي النائب الأول الرئاسة لحين انتخاب الرئيس الجديد، وفي أول سبتمبر 2000 أجريت الانتخابات، وأعلن فوز الدكتور نعمان جمعة برئاسة حزب الوفد خلفا للزعيم الراحل فؤاد سراج الدين. وأجريت الانتخابات في جو ديمقراطي فريد، حيث تنافس 4 مرشحين، وحصل الدكتور نعمان جمعة علي نسبة 78.25% من الأصوات،ليستمر نعمان جمعة فى رئاسة حزب الوفد حتى ديسمبر 2005. ترشح نعمان جمعة فى أول انتخابات رئاسية تعددية تجرى منذ عام 1952 وذلك فى عام 2005 وقد حصل على المركز الثالث بعد عدة أحداث ووقائع أثرت على النتيجة غير المتوقعة،ليترك رئاسة الحزب بعدها باشهر قليلة بقرار من الهيئة الوفدية،ليتم بعدها تغيير لائحة الحزب والنص فيها على تحديد مدة رئاسة الوفد بأربع سنوات فقط قابلة للتجديد مرة واحدة من خلال انتخابات مباشرة بين مرشحين متعددين،ليتولى رئاسة الحزب بعده المستشار مصطفى الطويل لمدة مؤقتة استمرت ستة أشهر. رحم الله الفقيد، الذى كان بلاشك جزءاً من تاريخ الوفد.