بينما تسارع مصر الخطى من أجل شق فرع جديد لقناة السويس لتعظيم الفائدة الاقتصادية التي تحصل عليها من خلال هذا الممر الملاحي العالمي، والذي يعتمد عليه جزء كبير من حركة التجارة الدولية بين الشرق والغرب. تتواتر الأنباء كل يوم عن تقدم جديد للحوثيين في اليمن يسيطرون بموجبه على مدن ومحافظات جديدة لا يجد من يوقفهم أمام عجز الدولة اليمنية وضعفها وتفككها بسبب سلطة ضعيفة وسيطرة التنظيمات الجهادية على عدد من مدن البلاد. يمثل تقدم الحوثيين في اليمن نذر خطر ليس على المستقبل السياسي لليمن فقط، وإنما يهدد حرية الملاحة في مضيق باب المندب الذي لا يمكن لحركة التجارة عبر قناة السويس أن تستمر من دونه، حيث يمر به نحو 25 ألف سفينة سنويا، وتقدر كمية النفط العابرة فى المضيق ب3.3 مليون برميل يوميا. وظهرت أهمية المضيق الاستراتيجية بشكل أكبر عندما أرسلت البحرية المصرية سفنا حربية لإغلاقه أثناء حرب أكتوبر 1973، لمنع مرور السفن الإسرائيلية أو أي سفن تقصد ميناء ايلات الإسرائيلي الذي يقع على خليج العقبة. بالرغم من الأهمية السياسية التي مثلتها سيطرتهم على العاصمة صنعاء، إلا أن محاولة الحوثيين السيطرة على محافظة الحديدة هي أوضح مثال لحقيقة سعيهم للسيطرة على هذا المضيق الاستراتيجي. وسبق أن طالبت جماعة الحوثي بمنفذ على البحر الأحمر يقع تحت سيطرتها، خلال جلسات الحوار الوطني التي استمرت 9 أشهر وانتهت في يناير 2014. وكثفت جماعة الحوثيين خلال الأيام الماضية من حضورها المسلح فيها لبدء طريق السيطرة على باب المندب. وقد سيطروا بالفعل على ميناء «الحديدة» الرئيسي من خلال زرع مندوبين عنهم في الميناء وفي قوات خفر السواحل كسيطرة غير معلنة. كما سيطر مسلحو الجماعة على ميناء الصليف (وهو ميناء آخر في المحافظة) وقلعة الحديدة التاريخية قبل أن ينسحبوا منها دون قتال أو إبداء أسباب، لصالح مسلحي الحراك التهامي، المطالب بإنشاء إقليم «تهامه». وبسيطرة الحوثيين على الحديدة، لن يفصل الجماعة عن مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات المائية فى العالم، سوى محافظة تعز، ثانى أكبر محافظات البلاد. يقول المراقبون إن هناك توسعا حوثيا غير مطمئن، لكن يبدو أن الحوثيين رأوا أن إسقاطهم للعاصمة (في 21 سبتمبر الماضي) جعلهم يشعرون أن إسقاط الأطراف الساحلية أمرا سهلاً وسيجعلهم أكثر قوة. وفيما يقول ناشطون في جماعة الحوثي إنهم يهدفون من سيطرتهم على سواحل البحر الأحمر إلى القضاء على عمليات التهريب غير المشروعة فقط، يؤكد مراقبون أن الجماعة تنفّذ مخططات أكبر من الهم الوطني، وتطمح للسيطرة على مضيق باب المندب ضمن أجندة خارجية تسمح لإيران بالتحكم في طريق بواخر النفط، كما تجعل الجماعة قريبة من مصانع السلاح في القرن الأفريقي. وتقول مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية إن الدعم الإيرانى للحوثيين لا يأتى فقط من وجهة التقارب المذهبى الشيعى، لكن فى إطار أكبر لبسط سيطرتها على المنطقة، وتأمين مزيد من ممرات النفط من خلال السيطرة على باب المندب، إضافة إلى مضيق هرمز، وهما أكبر الممرات المائية التى تمر خلالها صادرات النفط الخليجية إلى الغرب. وحذرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية أيضا من ذلك الخطر. ونقلت عن دبلوماسي فضل عدم كشف اسمه، قوله «الامر مسألة وقت، إذا تحكمت إيران فى هذا المضيق الأهم بين نظرائه ستتمكن من تشكيل السياسات التجارية والعسكرية فى الإقليم». ويرى تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» أن ما تصبو إليه إيران من دعمها للحوثيين هو الحصول على إقليم مرتبط بها يطل على باب المندب والبحر الأحمر فى موقع جغرافى ذى أهمية استراتيجية كبيرة، فى إطار السيطرة على الممرات المائية فى المنطقة. من جهة اخرى، يعتقد البعض أن السيطرة على مضيق باب المندب البوابة الجنوبية لقناة السويس تأتي بإيعاز إيراني كورقة تلعب بها طهران حتى ايران بسيطرتها على طرق امدادات النفط وحركة التجارة بين الغرب والشرق من أجل تعزيز موقفها على طاولة المفاوضات الغربيةالإيرانية ليتسنى لها طرح شروطها من موقع قوة وحتى تتفادى تقديم التنازلات بشأن برنامجها النووي. والسيطرة غير المعلنة للحوثيين في الوقت الحالي على الحديدة تأتي من رغبتهم في السعي لإحكام قبضتهم على اليمن، وهم في هذا الوقت لا يريدون تهديد الدول المجاورة لمنع أي تدخل خارجي يعرقل تحركاتهم باليمن. ويعتقد البعض أن سيطرة الحوثيين على محافظة الحديدة التي تضم اكبر الموانئ في اليمن الهدف منها ضمان خط إمدادات للسلاح والدعم الإيراني حتى يستطيع مواصلة السيطرة على اليمن. وتزداد خطورة الحوثيين على هذا المضيق بسبب الفراغ السياسي الذي تعيشه الجهة المقابلة، وهي الصومال، التي كانت قبل سنوات مصدرا لتهديد التجارة الدولية عندما تمكن مجموعة من القراصنة الصوماليين بوسائل من توقيف أساطيل وناقلات نفط في باب المندب، فما الحال لو انفجر الوضع في اليمن، فلن تتمكن أي قوة عسكرية في تأمين خط الملاحة العالمية. وسيصبح الأمر كارثة بالفعل إذا ما ركب بعض السياسيين الانتهازيين موجة فصل جنوب اليمن عن شماله، هنا ستزداد الاضطرابات وتشتعل الصراعات الأكثر حدة وتغذي الاستقطابات الإقليمية على هذا الصراع.