هل حان الوقت، لإثيوبيا، أن تنتقم من السد العالى.. ولو بعد 55 عاماً؟! تلك أراها حقيقة هذه الأيام. إذ عندما قررت مصر إنشاء هذا المشروع كانت تطبق فكرة قديمة تقوم على أن يكون خزان المياه بها.. يقع داخل أراضيها.. وكان ذلك تنفيذاً لما رآه عباقرة مياه النيل المصريون، بضرورة إنشاء خزان عملاق يقى مصر من العطش المائى.. ولا يضع مصر تحت أى ضغوط إذا ما أقامت مصر هذا الخزان خارج أراضيها وكان أكبر علماء مصر القائلين بذلك هو المهندس العبقرى عثمان باشا محرم وزير الأشغال أى الرى الوفدى الذى شغل هذا المنصب مرات عديدة بين عامى 1927 و1952. وهو الذى صمم على هذه الفكرة تحسباً لتقلبات الزمن وتغير السياسات. وحتى خزان أسوان الذى بدأ إقامته عام 1898 وافتتح عام 1902 تمت تعليته الأولى عام 1912 والثانية عام 1933 لم يكن خزاناً دائماً، ولكنه كان خزاناً لعام واحد.. وعندما تصاعدت فكرة إنشاء خزان دائم طرحت أكثر من فكرة.. إحداها فكرة استخدام بحيرة تانا كخزان دائم برفع منسوب تخزين المياه فيها.. ولكن إثيوبيا، رفضت هذه الفكرة خوفاً من غرق الكنائس المسيحية والأديرة التاريخية المقامة على الجزر المنتشرة فى هذه البحيرة، التى تنبع منها الكثير من الأنهار، أكبرها النيل الأزرق الذى يطلق عليه فى إثيوبيا اسم «أباى الكبير» ولكن الرفض الأكبر جاء من مصر التى رأت ضرورة أن يكون هذا الخزان داخل أراضيها.. والحمد لله أن تم رفض هذه الفكرة لأن ذلك كان سيضع رقبة مصر بالكامل فى فم الأسد الإثيوبى!! كما رفضت مصر فكرة استخدام بحيرة فيكتوريا كخزان مائى يخدم عدة دول منها مصر.. وان كان ذلك لم يمنع مصر من المساهمة فى بناء خزان أوين على هذه البحيرة كخدمة أوغندا.. تماماً كما رفضت مصر مشروعات أخرى لتخزين مياه النيل داخل أراضى السودان... لنفس السبب. وللعلم فإن مصر فكرت ومنذ آلاف السنين فى إنشاء خزان لمياه النيل وبالذات أيام الخليفة المستنصر بالله.. وعند أسوان، بالذات!! وصاحب هذه الفكرة شاعر معروف. إلى أن جاءت فكرة السد العالى وضرورة إنشاء خزان يقى مصر من العطش لسنوات عديدة.. وكان أن اتفقت مصر فى عام 1959 مع السودان على اتفاقية لتقسيم مياه النيل بين الدولتين ولما لم يكن هذا الاتفاق يتناول المياه عند وصولها الى أرض السودان فلم يكن هناك أي داعٍ للاتفاق مع إثيوبيا التى تنبع منها الأنهار التى تغذى النيل الأساسى داخل أراضى السودان. وللأسف اعتبرت إثيوبيا هذا الاتفاق تجاهلاً لها من مصر فأخذت موقف العداء من مصر والمصريين.. ولعبت أمريكا لعبتها غير النظيفة فأرسلت بعثة من خبراء الزراعة والمياه من عندها لتضرب فكرة السد العالى، وحرمانه من أكبر كمية ممكنة من المياه.. وقدمت أمريكا لإثيوبيا مشروعاً متكاملاً لإنشاء «33» سداً داخل إثيوبيا تتركز أكبرها على الأنهار التى تغذى النيل ومنها عطبرة والأزرق وغيرهما. ومن هذه السدود ما هو مخصص لتوليد الكهرباء فقط.. ومنها ما هو مخصص للرى.. ومنها ما يجمع بين الكهرباء والرى.. وكان سد النهضة هذا سداً عادياً يستطيع أن يخزن مياه النيل الأزرق حتى 14 مليار متر مكعب فقط. وفجأة بعد أن كان هذا السد بلا اسم وكان اسمه وقتها سد الحدود لوقوعه على بعد 25كم من حدودها مع السودان أو السد إكس. تحول الى سد يستطيع أن يحجز «74» مليار متر مكعب.. وأطلقت عليه اسم: سد النهضة!! وهذه الطاقة التخزينية تقارب طاقة تخزين السد العالى بل وينتج كهرباء يمكن ان تغطى احتياجات نصف دول شرق أفريقيا!!. وهو سد يمكنه أن يحجز معظم ما كان يصل الى مصر من مياه على الأقل فى فترة تعبئة هذا السد الذى يحرم مصر وطوال فترة التعبئة من أكثر من 12 مليار متر مكعب سنوياً. وهذا يؤثر على كل المنشآت المقامة على طول النيل من أسوان الى دمياط ورشيد من كبارى وقناطر وموانئ نهرية، كما يؤثر على انتاج الكهرباء من محطة السد.. وأيضاً محطتى خزان أسوان. وأخطر ما فى ذلك هو أن سد النهضة يمكن ان يلغى كثيراً من إمكانيات السد العالى. وتجعل تخزين المياه يتم هناك داخل إثيوبيا، وليس داخل مصر فى بحيرة السد العالى ويؤثر على انتاج الكهرباء. فهل تعلن إثيوبيا بهذا السد «موت السد العالى المصرى» انتقاماً من مصر لأنها كما تدعى تجاهلت الاتفاق معها. أم تريد أن تجعلنا نركع لرغباتها.. ويجعل مصير كل المصريين معلقاً بقرار يصدر من أديس أبابا!! تلك هى الكارثة!!