تشهد المنطقة العربية في السنوات الأخيرة وفي الآونة الحديثة ظهور العديد من التحديات والتي تمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي العربي وللأمن القومي المصري،وتهدف هذه التحديات إلى تقسيم وتفتيت الدول العربية والسيطرة على المنافذ البحرية وممارسة أساليب الضغط المختلفة على الدول العربية سواء من خلال إشعال الصراعات الداخلية وتقوية الانقسامات الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية، أو من خلال ممارسة الضغوط الإقليمية من جانب بعض الدول التي تنتمي إلى الإقليم مثل تركياوإيران وإسرائيل وربما إثيوبيا وذلك وصولا إلى التدخلات الدولية في شئون المنطقة التي تتخذ أشكالا مختلفة اقتصادية وسياسية وصولا إلى إمكانية التدخل العسكري تحت مسميات مختلفة ومبررات متعددة قد تكون مغلفة في بعض الأحيان بمبررات إنسانية أو أخلاقية أو قانونية لإخفاء الوجه القبيح لمثل هذه التدخلات، ولعل من أهم التحديات المعاصرة التحدي الذي يمثله تنظيم «داعش» في العراق والشام، والتحدي الذي يمثله الحوثيون في اليمن، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الملاحظات التالية:- أولا: أن هناك دوراً دولياً واقليمياً في ظهور هذه التنظيمات وتشجيعها ودعمها سواء كان هذا الدعم ماليا أو تسليحيا أو معلوماتيا من وراء الستار ولذلك ليس من قبيل المغالاة القول إن مثل هذه التنظيمات هي صنيعة لأجهزة استخباراتية دولية نشأت لتحقيق مصالح للقوى الكبرى وتنفيذ مخططات التقسيم والتفتيت للمنطقة العربية، ويمكن الاستدلال على صحة ذلك من خلال عدة دلائل لعل أهمها ما لجأت إليه القوى الكبرى وأجهزتها من تهوين في البداية من شأن هذه الحركات وخصوصا «داعش» والتي قدرت المخابرات الأمريكية أعداد المنتمين إلى هذا التنظيم في البداية بما لا يتجاوز عدداً محدوداً من الآلاف، ثم أعلنت الولاياتالمتحدة مؤخرا إنه حدث خطأ في التقديرات لأعداد المنتمين إلى هذا التنظيم وإن عددهم الفعلي هو 31 ألف مقاتل، ويلاحظ إنه قد يكون من الناحية الواقعية الأعداد تفوق ذلك بكثير وهو ما يفسر ما يحرزه تنظيم «داعش» من تقدم وسيطرة على مناطق مختلفة ومتعددة ومهمة سواء في سوريا أو العراق، ويمكن أن ينطبق ذلك أيضا على الحوثيين الذين أحرزوا درجة كبيرة من السيطرة على مناطق مهمة واستراتيجية في اليمن ويعملون على الوصول إلى الساحل والسيطرة على باب المندب وما يمثله ذلك من تهديد للأمن القومي العربي. ثانيا: إن هناك دلالات مهمة لظهور «داعش» والحوثيين سواء من الناحية المكانية أو الزمانية ، فمن حيث المكان فإن ظهور «داعش» في العراقوسوريا ليس مصادفة ،فالعراق شديد الثراء بموارده البترولية والتي تريد القوى العظمى الاستفادة منها واستغلالها واستنزافها والحصول عليها بأدنى الأسعار وهو ماحدث منذ أكثر من عقد من الزمان عقب احتلال العراق ويبدو الأمر أن هناك رغبة لدى القوى الكبرى في استمرارية استنزاف الموارد البترولية العراقية من خلال تنظيم «داعش» وما يمثله من تهديد لوجود الدولة العراقية ذاتها واحتمال تقسيمها إلى عدة دويلات فضلا عن السيطرة على موارد بترولية مهمة وبيعها في الأسواق الدولية بأسعار متدنية، كذلك فإن تواجد التنظيم الداعشي في سوريا يمثل مزيداً من الإنهاك والإضعاف للجيش السوري تمهيدا للقضاء عليه تماما لإخراجه من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن سبق القضاء على الجيش العراقي وإخراجه أيضا تماما من معادلة الصراع وهو ما يحقق فائدة لإسرائيل وأمنها، فضلا عن أن تنظيم «داعش» يمثل أيضا درجة من التهديد للدول العربية الخليجية ولو على المدى المتوسط أو الطويل وخصوصا للمملكة العربية السعودية وبطبيعة الحال فإن منابع البترول المهمة تتواجد في هذه الدول العربية الخليجية ما يمثل تهديدا للأمن الخليجي وللأمن العربي ككل كذلك ومن حيث الزمن قد لا يكون من قبيل المصادفة أن يتزامن الخطر الذي يمثله تهديد تنظيم داعش في الشام والعراق مع الخطر الذي يمثله الحوثيون في اليمن، ويؤدي هذا التزامن والتضافر إلى زيادة حدة الضغوط التي تمارس على الدول العربية وعلى أمنها القومي، ولذلك يمكن أن يثار التساؤل حول مدى الجدية في مقاومة تنظيم «داعش» الإرهابي على المستوى الدولي ،وهل هناك احتياج فعلا إلى هذا الحشد الدولي الضخم للقضاء على هذا التنظيم أم إن الحرب ضد «داعش» هي ستار لإخفاء أهداف ونوايا أخرى للقوى العظمي وأهداف أكثر خطورة تسعى إلى تحقيقها في المنطقة وخصوصا مع الأخذ في الاعتبار اندلاع مظاهر ومؤشرات عدم الاستقرار والعنف السياسي في ليبيا وهي أيضا دولة عربية بترولية تندرج في اطار استراتيجيات وأهدف القوى الدولية في المنطقة. ثالثا: إن الحوثيين في اليمن يمثلون تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري وللأمن القومي للدول الخليجية العربية وخصوصا بعد التقدم الذي يتم إحرازه من جانب الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق أخرى مهمة واستراتيجية وسعيهم نحو السيطرة على باب المندب مما يمثل تهديدا لأمن الدول العربية المطلة على البحر الأحمر والذي كان أقرب إلى كونه منطقة نفوذ عربية، ووصول الحوثيين إلى السيطرة على مضيق باب المندب يمثل تهديدا شديد الخطورة على مصر والدول العربية الخليجية والدول العربية المطلة على البحر الأحمر، كما يمثل تهديدا خطيرا للملاحة في قناة السويس وحركة التجارة الدولية بين الشرق والغرب فهل إذا تحقق سيناريو السيطرة على باب المندب من جانب الحوثيين والذين تدعمهم إيران بالضرورة هل يكون ذلك ذريعة جديدة للتدخل الدولي العسكري في المنطقة بحجة حماية التجارة الدولية وتأمين الخطوط الملاحية والحفاظ على حرية الملاحة،وربما يكون من المفيد أن نتذكر إن إغلاق مضيق باب المندب من جانب مصر كان من أهم العوامل التي أسهمت في اندلاع حرب 1967. ويمكن القول أخيرا إن الأمن القومي العربي مهدد من أكثر من اتجاه ومن أطراف مختلفة إقليمية ودولية ويتطلب الأمر تضافر الجهود العربية وتنسيقها للتغلب على هذه الأخطار التي تمثل تهديدا للعرب جميعا. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة