من الممكن أن يتحمل المواطن المصري ارتفاع أسعار بعض السلع التي تدعمها الحكومة لعلاج مشاكل الدولة الاقتصادية لذلك عندما ارتفعت قيمة لتر البنزين، استجاب الشعب وعندما قرروا تحريك قيمة الكهرباء قلنا لا مانع، لكن عندما يستغل بعض قيادات الدولة مثل هذه الأمور لكي يعالجوا مشاكل وقصوراً موجوداً داخل أجهزتهم، ففي هذه الحالة يجب أن نتوقف قليلاً لسبب بسيط أن جيوب الناس الغلابة لن تحتمل أكثر من هذا، لأننا كمواطنين مصريين لنا طاقة، والراتب في الأساس لا يتحمل الزيادات التي حدثت، وبالتالي لا يجب أن نتحمل ما لا طاقة لنا به. الأسبوع الماضي عقد عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، جلسة مع العاملين بماسبيرو، وكان سببها الرئيسي هو إيجاد مخرج ووضع حلول لأزمة هذا الكيان المالية، التي عجز عن حلها كل من جاءوا قبل «الأمير»، ومنهم وزراء، وفوجئ الجميع بأن عصام الأمير قادم بمجموعة من الاقتراحات أبرزها إعادة رسوم الراديو والتليفزيون علي فاتورة الكهرباء طبقاً للقانون بزيادة ترشيد لكل كيلو وات بعد إعفاء ال 50 كيلو الأولي بما يحقق دخلاً للاتحاد ملياراً وثلاثمائة وخمسة ملايين جنيه سنوياً. والثاني زيادة 3 قروش علي كل كيلو مما يوفر للاتحاد سنوياً ملياراً وسبعمائة واثنين وأربعين مليون جنيه. وهناك اقتراحات أخري منها أن يتولي الاتحاد الإدارة الاقتصادية للمحطات الإذاعية «نغم» و«ميجا هيتس» و«9090» و«راديو مصر» ومقترح بإنشاء إذاعة «إف إم» خاصة بالمرور، مما يحقق للاتحاد عائد 300 مليون جنيه، وكذلك بذل جهود تسويقية للمواد البرامجية والدرامية التي يملكها الاتحاد وتطوير أداء القنوات الإقليمية. وهنا لابد أن نتوقف قليلاً أمام مقترحات السيد عصام الأمير رئيس الاتحاد والقائم بأعمال وزير الإعلام. فيما يتعلق بتحميل المواطن المصري أعباء أخري علي فاتورة الكهرباء، فهذا نوع من أنواع الاستسهال، فالمواطن ممكن أن يتحمل ارتفاع السلع الأساسية مقابل تحسينها أو من أجل أن يتحمل مع الدولة أعباء الحياة والحروب الخارجية علينا، وعمليات الضغط التي يلجأ إليها الغرب لتركيع مصر، لكن المواطن المصري لن يتحمل أعباء إضافية ممثلة في بعض البرامج ضعيفة المستوي التي يقدمها التليفزيون المصري منذ سنوات، المواطن المصري لن يتحمل دفع مرتبات 43 ألف موظف ومتطلباتهم التي تزيد يوماً بعد يوم. المواطن المصري لن يدفع فواتير الآخرين، خاصة أن أهل ماسبيرو أنفسهم لا يريدون تحمل جزء من المسئولية بدليل أن هناك مشاكل شبه مستمرة بسبب المطالب المالية الكثيرة من بعضهم، وآخرها ما حدث في القنوات المتخصصة عندما قرر رئيسها السابق عبدالفتاح حسن تخفيض بعض المكافآت الخاصة بالبرامج حتي يحدث نوعاً من العدالة بين العاملين، وكان من الأفضل لعصام الأمير أن يبحث عن مخرج من نوعية الارتقاء بالشاشة حتي يستطيع أن يستقطب شركات ووكالات الإعلان، بدلاً من هذا المستوي الهزيل للشاشة المصرية التي أدي إلي تراجع نسب المشاهدة بشكل لا يتناسب مع أهمية مصر وريادتها الإعلامية، الآن الشاشة المصرية لا يوجد بها برنامج واحد يدخل دائرة المنافسة مع أي قناة خاصة مازالت في سنوات عمرها الأولي، هناك قنوات وليدة عمرها لا يتجاوز السنوات الثلاث سبقتنا بشكل مذهل، فالتليفزيون المصري بكل قنواته الفضائية والمتخصصة والعامة وغير العامة يعتمد علي أفكار وبرامج سطحية، حتي المكتبة والأرشيف الكبير الموجود بها يساء استغلالها، فهذا الكيان بعشرات القنوات التي يملكها لا تعرف متي تشاهد فيلماً عربياً أو متي تستمتع بإحدي أغاني سيدة الغناء أم كلثوم هو سمك لبن تمر هندي. الأولي علي كل مسئولي ماسبيرو أن يقوموا بإعادة استغلال ال 43 ألف موظف، وإعادة الطيور المهاجرة إليه وهم كثيرون من مقدمي برامج مثل معتز الدمرداش ومريم أمين وتامر أمين ومني سالمان وريهام السهلي وأسامة كمال وريهام إبراهيم وإيمان الحصري ودعاء جاد الحق وآخرين من المخرجين والفنيين وبعضهم يعمل في الفضائيات ويعمل في نفس الوقت بالتليفزيون المصري أي أنهم يذهبون لماسبيرو من أجل تقاضي المرتب فقط. الأولي علي مسئولي ماسبيرو أن يعيدوا الخطة البرامجية وتحسين الصورة والاستعانة بالتكنولوجيا الموجودة بالمبني ويساء استخدامها. كما أن فكرة أن يتولي الاتحاد الإدارة الاقتصادية لبعض المحطات الإذاعية الناجحة، أتصور أن الوقت مبكراً لهذا، فالأولي أن ينجح الاتحاد في إعادة القنوات والإذاعات الخاسرة ثم يفكر في الإذاعات الناجحة، حتي لا تتحول هذه المحطات الإذاعية إلي جثث جديدة تنضم لسابقيها. عصام الأمير تصور أن الحل البسيط والسهل والمريح هو الذي لا يغضب العاملين بماسبيرو، فجلس يطمئنهم علي مستقبلهم، ويعدهم بأن يفرض إتاوة جديدة علي جيوب الناس الغلابة، وكأن المواطن المصري «ناقص».. عصام الأمير يتخيل أن الموظف المصري الغلبان يحصل علي الحد الأقصي للأجور، وهو 42 ألف جنيه، كما يحصل قيادات ماسبيرو.. فأراد أن يأخذ منه ما يشفع له عند أهل ماسبيرو، لسنا في أوروبا أو أمريكا حتي نتحمل قيمة مرتبات 43 ألف موظف، أو نتحمل قيمة مجموعة من البرامج ضعيفة المستوي والمحتوي، أهالينا في ريف وصحراء مصر يعيشون اليوم باليوم، وربما هناك من ينام بدون عشاء، وهناك من يضم وجبتي الإفطار والغداء من أجل أن يوفر رغيف عيش. يبدو أن مكتب السيد عصام الأمير المطل علي النيل وفي أرقي مناطق حي الزملك أنساه أن هناك ملايين يسكنون العشوائيات والبعض الآخر يفترش الأرض تحت الكباري، ابعدوا عن جيوب الناس الغلابة يا ساكني ماسبيرو.. لأن فاتورة الكهرباء أصبحت تصرخ مثلنا بهتاف «كفاية حرام».