تبذل الحكومة الإسرائيلية كل جهدها كى تلتحق بالحلف الذى تشكله الإدارة الأمريكية لمحاربة «داعش» تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام ،الذى تم استنساخه من تنظيم» القاعدة» بعد أن رسخ وجوده فى العراق فى أعقاب غزوه وتفتيته، وزرع بذور الاقتتال الأهلى بين طوائفه ومذاهبه وثقافاته، وأقاليمه، ونهب ثرواته النفطية والأثرية. الهدف الذى تسعى إليه اسرائيل من وراء ذلك، هو إقناع الإدارة الأمريكية والدول الغربية بالتسوية بين «داعش» و«حركة حماس» كى تبرهن أن حربها الإجرامية على غزة التى دمرت البنية التحتية للقطاع وراح ضحيتها أكثر من الفى فلسطينى، نحو 80% من بينهم مدنيون، وجرح أكثر من عشرة آلاف آخرين، هى جزء مما يسميه رئيس وزرائها «نتنياهو» مواجهة للإرهاب الجهادى فى المنطقة، فضلا عن التعمية على عمليات مصادرة الأراضى فى الضفة الغربية والقطاع التى تجرى على قدم وساق ، وتوسيع النشاط الاستيطانى بهما، وإبطاء الجهود التى تبذل لإعادة إعمار غزة، ومواصلة إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، لعرقلة التوصل لتسوية تقود إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى، لاقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف. مساعى إسرائيل كى تكون طرفا فى الحلف الأمريكى لمحاربة تنظيم «داعش» الذى يدعو قادته إلى محاربة الصليبيين ومن ولاهم على أرض الإسلام، بعد أن أعلنوا دولة الخلافة فى العراق، لم تكلل بالنجاح، لسبب بسيط، هو أن الطرفين بينهما تعهدات سابقة بالمحاربة المشتركة للإرهاب بشكل عام، بالإضافة إلى إدراك الولاياتالمتحدة أن وجود اسرائيل فى مثل هذا التحالف، سيسهم فى إثارة مخاوف الدول العربية وإيران التى ترغب فى جلبها لبناء هذا الحلف وفى جذب التمويل الخليجى لخططه، ووفقا لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الإثنين الماضى، فإن الرئيس الأمريكى» باراك أوباما» يسعى من جانب آخر لحشد دعم دول الإقليم ذات الأغلبية السنية مثل مصر والسعودية وتركيا كى لا تبدو إدارته وكأنها تخوض حربا مذهبية بالنيابة عن الحكومة العراقية ذات الغالبية الشيعية، ضد الأقلية السنية التى ساند بعضهم تنظيم» داعش». ومن المعروف أن إيران التى تمتلك نفوذا كبيرا فى الشأن العراقى، وتساند بقوة النظام السورى، كانت مدعوة إلى المشاركة فى مؤتمر جدة لمواجهة الإرهاب فى المنطقة، لكنها اشترطت دعوة الرئيس السورى «بشار الأسد» فتوقفت المملكة السعودية عن توجيه الدعوة إليها، وبرغم ذلك فقد أعلن نتنياهو «أن اسرائيل تدعم الولاياتالمتحدة فى هذا الملف، بطرق متعددة، بعضها معلن، وبعضها الآخر غير معلن! التخبط هو المحور الرئيسى لإدارة أوباما لهذا الملف الذى يبدو الثابت الوحيد فيه هو تعهده للشعب الأمريكى بعدم خوض حرب برية ضد «داعش»، وتحميل دول الإقليم التكلفة المالية واللوجستية لهذه الحرب، فالإدارة الأمريكية ترفض مشاركة النظام السورى الذى يعد تنظيم داعش صنيعته، فى الحلف الذى يقوم بمحاربته فى سوريا بجانب العراق، وتسعى لإعادة إيران إلى المجتمع الدولى، وتنسق معها لملاحقة التنظيم فى العراق، وهى حليفة رئيسية لنظام بشار الأسد، وتعد بتسليح المعارضة السورية لمساعدتها فى مواجهة بطش النظام، وترفض مد الأخيرة بأسلحة ثقيلة، لكن المؤكد فى ظل كل هذا الارتباك، هو أن الإدارة الأمريكية لم تتعلم من تجاربها السابقة. ففى بداية الثمانينات من القرن الماضى، حشدت واشنطن الدول العربية والإسلامية، لمساعدتها فى مواجهة الغزو السوفيتى لأفغانستان، فتشكلت فى جبالها وبأموال المخابرات الأمريكية ،الجماعات الجهادية التكفيرية التى عرفت باسم الأفغان العرب، حيث عادت لتخوض حروبا تدميرية داخل أوطانها، مازالت ممتدة حتى اليوم، وما يجرى فى سيناء وفى اليمن وفى دول المغرب العربى، وحتى فى العراق وسوريا، ونيجيريا، ما هو إلا فلول لتلك الجماعات، فضلا عن تمدد تنظيم القاعدة، ودعمه لتسلم حركة طالبان التكفيرية، للحكم فى أفغانستان، فأعادت البلاد إلى القرون الوسطى، بفرض النقاب على النساء ومنع تعليمهن وعملهن، وفرض الجزية على غير المسلمين، وتطبيق حدود الرجم والجلد وقطع الأيدى، ومنع التصوير وتحطيم التماثيل، وقتل المخالفين فى الرأى، وقطع رؤوسهم، وهى نفس المشاهد التى استلهمها تنظيم داعش. ومع اقتراب الانسحاب الأمريكى النهائى من افغانستان نهاية العام الحالى، تعود حركة طالبان للمشهد الأفغانى أكثر قوة من ذى قبل، وتسعى الإدارة الأمريكية للتفاوض معها، بوساطة قطرية، بعد فتح مكتب تمثيلى للحركة فى العاصمة الدوحة! وفى العدد المشار إليه من «نيويورك تايمز» ذكرت الصحيفة أن جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى اثناء جولته الأخيرة فى المنطقة، لم يتلق من الحكومة المصرية، أى تعهدات علنية بشأن تشكيل التحالف الأمريكى ضد «داعش»، وأضافت الصحيفة أن واشنطن لا تنتظر من القاهرة مساهمة عسكرية مهمة فى هذا السياق، لكنها تطلب منها، كعاصمة للإسلام السنى، وكمركز للأزهر أن تحشد الرأى العام فى العالم العربى ضد «داعش».! وغنى عن البيان أن الموقف المصرى الذى عبر عنه وزير الخارجية «سامح شكرى» فى مؤتمر جدة، بحضور «جون كيرى» وعدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، ينطوى على رد واضح التحديد على المطالب الأمريكية، ملخصه أن الإرهاب فى المنطقة كل لا يتجزأ، وأن إرهاب داعش هو امتداد لإرهاب أجناد بيت المقدس فى سيناء، ولإرهاب جماعة الإخوان وأنصارها ومرتزقتها فى المدن والجامعات المصرية، ولإرهاب الجماعات التكفيرية فى سوريا وليبيا، - وأضيف من عندى وإرهاب اسرائيل- وأن السعى لتفتيت الدول العربية وتقسيمها والتدخل فى شئونها، قد شجع هذه الجماعات على التمادى فى مواصلة أعمالها الإجرامية بحماية غربية، وبعيدا عن مقررات الشرعية الدولية. حسمت الدبلوماسية المصرية الموقف بأن مصر لاينقصها الانضمام إلى أى تحالف، لانها تحارب الإرهاب على أراضيها منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأضيف من عندى إلى ذلك أن الرأى العام العربى، لاينقصه بدوره محاضرات فى التوعية بمخاطر الإرهاب، ذلك أن الشعوب العربية تكتوى بناره على امتداد عقود، بفضل مساندة الإدارة الأمريكية لأنظمة حكم استبدادية وفاسدة فى المنطقة ، نهبت ثروات تلك الشعوب وأذلتها وأجاعتها ،فى مقابل الحفاظ على المصالح الأمريكية، ومن أجل الحفاظ على تلك المصالح التى تركزت فى الهيمنة على منابع الطاقة، والحفاظ على أمن اسرائيل، شجعت الإدارة الأمريكية الحروب الطائفية والمذهبية والصراع على الحدود بين دول المنطقة، كما اصطنعت منظمات إرهابية تكفيرية لخوض حروبها، ولما أنهت المهمة ولفظتها، انفجرت فى قلب بلادها، كما فعلت القاعدة فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 فى نيويورك وفيما بعد فى لندن ومدريد. قد تنجح الضربات الجوية الأمريكية فى إضعاف تنظيم داعش ،لكنها بالقطع لن تقضى عليه، بل لعلها ستساهم فى جلب مزيد من التعاطف معه، وليس التحاق افراد أوروبيين إلى صفوفه، سوى ملمح واحد لهذا التعاطف، والرفض للانسحاق الأوروبى أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية. والإرهاب لن يمكن تطويقه ومنعه فى المنطقة، ما لم يتسم القرار الدولى بالعدالة فى القضايا الخاصة بشئونها، وهو القرار الذى تتحكم فى توجيهه الإدارة الأمريكية، التى تغمض عينيها عن الإرهاب الذى تمارسه اسرائيل فى المنطقة منذ نشأتها، وتمنحها الدعم المالى والعسكرى لقمع الشعب الفلسطينى وتشريده وحرمانه من حقه فى إقامة دولته.! ساعدت واشنطن فى تشكيل الجماعات الدينية التكفيرية فى منطقتنا فتمددت من أفغانستان، إلى نيجيريا مرورا بالصومال ومالى، والمثل الشعبى المصرى يقول «اللى حضر العفريت يصرفه» وعليها وحدها أن تصلح الأخطاء التى ارتكبتها فى حق دول المنطقة، إذا كانت تريد حقا أن تكون داعش آخر الأخطار الإرهابية!