أدى اتساع دائرة العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة على روسيا ودخول المرحلة الثانية من هذه العقوبات حيز التنفيذ إلى زيادة حدة اعتراضات كبار المسئولين النمساويين في قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة إزاء استخدام ورقة العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وأعرب المسئولون عن قناعتهم بعدم جدوي العقوبات لحل الأزمة الأوكرانية/ الروسية، موضحين أن الحل الأمثل يكمن في العودة إلى جلوس كافة الأطراف المعنية على طاولة المفاوضات. ويتضح من رصد ردود أفعال كبار المسئولين النمساويين وجود تيار قوي يرفض مبدأ فرض العقوبات على روسيا لقناعته التامة بأن فرض مثل هذه العقوبات لن ينجح في الضغط أو التأثير على سياسة روسيا، وأن العقوبات ستلحق الضرر في المقابل باقتصاد الدول الأوروبية الهش الذي لم يتعاف بعد من مشكلة الكساد. ويتضح هذا التوجه في تصريحات كبار المسئولين النمساويين، فأكد رئيس اتحاد الصناعات في النمسا جيورج كابش أن التعامل مع المشكلة الأوكرانية/ الروسية كان خطأً منذ البداية، وأن أوروبا وعدت المواطنين الأوكرانيين بآمال لا تستطيع الدول الأوروبية ضمان توفيرها لهم، مرجعا السبب الرئيسي إلى أن الحجم الأكبر من صادرات أوكرانيا يذهب إلى السوق الروسية. وأعرب كابش عن قناعته بأن العقوبات الاقتصادية تلحق الضرر بطبقات الشعب الفقيرة، واعتبر أنها "الطريق الخاطئ لحل النزاع الأوكراني/ الروسي"، محذرا من أن أوروبا لن تتحمل آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا لفترة طويلة. بدوره، حذر رئيس غرفة التجارة النمساوية كريستوف لايتل، من تأثر اقتصاد النمسا بالسلب نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا الاتحادية، مشيرا إلى معاناة قطاع الزراعة وتراجع صادرات النمسا إلى روسيا من المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية بواقع 10% وتكبد خسائر مادية أولية بقيمة 500 مليون يورو. وشكك لايتل في تأثير العقوبات الاقتصادية على قرارات روسيا أو إجبار الرئيس الروسي على تغيير قراراته وسياساته. فيما أكد رئيس مجلس إدارة الهيئة المعنية بإدارة الشركات الحكومية التي تمتلكها الدولة زيجفريد فولف، أن "العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا لن تفيد أحدا"، وقال إن فرض العقوبات يؤدي إلى تحفيز فرض عقوبات مضادة من قبل الجانب الروسي، مطالبا المسؤولين الأوروبيين بالتفكير في انعكاسات وتأثير العقوبات الاقتصادية قبل التفكير فيها. وأوضح فولف أن الحل الأمثل هو استئناف المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني، وأن العقوبات الاقتصادية لن تخيف روسيا الاتحادية، التي تحتجها أوروبا بمثل حاجة موسكو لها، واعتبر أن فكرة طرح الاتحاد الأوروبي على أوكرانيا كبديل لروسيا كان تصرفا خاطئا منذ البداية، ولفت إلى أن نحو 78% من اقتصاد أوكرانيا يعتمد بشكل مباشر على روسيا. وفي المقابل وعلى الجانب الرسمي، دعا وزير خارجية النمسا سباستيان كورتس، إلى بقاء أوكرانيا كدولة محايدة تتمتع بعلاقة شراكة مع كل من الاتحاد الأوروبى وروسيا، قائلا "مغازلة أوكرانيا لحلف الناتو لن تمثل حلا ولن تجعلنا نتقدم للأمام". واعترف كورتس بتأثير العقوبات على اقتصاد النمسا بشكل مباشر، لافتا إلى تأثير العقوبات المضادة التى تبنتها روسيا مؤخرا. فيما يرى متخصصون أن القطاع الزراعي كان أول القطاعات التي تأثرت سلبا نتيجة تراجع حجم تصدير المحاصيل الزراعية المختلفة من الفاكهة والخضروات إلى روسيا، وكذلك قطاع إنتاج المواد الغذائية المختلفة وأهمها منتجات الألبان، بالإضافة إلى قطاع الطاقة، حيث تأثرت شركة "أو إم فاو" النمساوية للبترول، وكذلك شركة "ايكون غاز" للغاز، إلى جانب قطاع صناعة معدات حقول البترول والغاز. وأوضح متخصصون أن قطاع إنتاج الحديد والصلب النمساوي تأثر بالعقوبات على روسيا، فضلا عن قطاع البناء والتشييد، وأخيرا قطاع البنوك حيث يتضرر بنك "رافايزن" وكذلك بنك "أوستريا". جدير بالذكر أن روسيا تحتل المرتبة العاشرة على قائمة أهم الدول تجاريا بالنسبة للنمسا، ويرتبط مصير نحو 55 ألف وظيفة في النمسا بشكل مباشر أو غير مباشر بحركة التجارة مع روسيا، وتصدر نحو 1200 شركة نمساوية منتجاتها المختلفة إلى السوق الروسية بقيمة تصل إلى 3,5 مليار يورو، كما تستورد النمسا في المقابل من روسيا بترول وغاز طبيعي بقيمة 3,2 مليار.