نشرت منظمة العفو الدولية في 22 آب (أغسطس) 2014 بياناً، وصفت المملكة العربية السعودية فيه بأنها تستخف بحقوق الإنسان لاستمرارها في تطبيق عقوبة القتل (الإعدام). وقد تضمن البيان تصريحات مسيئة وغير مسؤولة لنائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة سعيد بوميدوحه، حيث ذكر ما نصه: «لقد أصبح إعدام أشخاص مدانين بارتكاب جرائم بسيطة أو بناء على اعترافات منتزعة تحت التعذيب أمراً شائعاً على نحو معيب في السعودية. وإنه لأمر يبعث على الصدمة قطعاً أن نرى سلطات المملكة تستخف استخفافاً قاسياً بحقوق الإنسان الأساسية». ومن يقرأ هذا الكلام الصادر عن مسؤول في منظمة دولية تعمل في مجال حقوق الإنسان وتحمل الصفة الاستشارية التي تجعلها تحتل مقاعد في مجالس الأممالمتحدة وآلياتها المختلفة، يظن أنه قد اطَّلع على جميع ملفات قضايا المحكوم عليهم بعقوبة القتل ووقف على الواقع المعاش في المملكة عن كثب، في حين أنه بعيداً حيث هو يقلب رسائل البريد الإلكتروني التي أكاد أجزم أنه لا يملك غيرها مستنداً في ملاحظاته وانتقاداته. كلنا نعرف أن عقوبة القتل في المملكة لا توقع إلا في أضيق الحدود وفي جرائم خطرة محددة بموجب الشريعة الإسلامية. كما أن التعذيب ممارسة مجرمة بموجب أنظمة المملكة، وأن القضاة لا يبنون أحكامهم على اعترافات دفع إليها التعذيب وأن النظام القضائي في المملكة يحظر ذلك، وأن من يمارس التعذيب من الأشخاص الذين يتصرفون بالصفة الرسمية ليس بمنأى عن المساءلة والعقاب. وأن المملكة طرف في اتفاق مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهنية 1984، والتي أخرجت من مفهوم التعذيب الألم أو العذاب الناشئ عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها. وقد ذكر مسؤول المنظمة أيضاً: «إن تطبيق عقوبة الإعدام في السعودية بعيد كل البعد عن أي شكل من أشكال المعايير القانونية إلى درجة يصعب معها تصديق الأمر برمته». وهو بهذا القول لا يزال يمثل دور الرقيب الذي يقف عن كثب على جميع تفاصيل تلك القضايا، وهذا كلام براق قد يستميل العواطف، ولكنه غير دقيق، فأي المعايير القانونية يُقصد؟ فإذا كان يقصد معايير إلغاء عقوبة القتل، فالمملكة قد أبدت موقفها حيال عقوبة الإعدام، وذكرت في تقاريرها وبياناتها أن عقوبة القتل من العقوبات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية والتي لا تملك أية سلطة في الدولة إلغاءها أو تعليقها بهدف إلغائها على نحوٍ مطلق، كما أن المملكة ليست طرفاً في البروتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في شأن إلغاء عقوبة الإعدام. وإذا كان يقصد معايير تطبيق عقوبة القتل، فإن عقوبة القتل في المملكة لا توقع إلا في جرائم شديدة الخطورة، حددتها الشريعة الإسلامية التي تستمد المملكة أنظمتها كافة منها بنصوص قاطعة، ولا يحكم بها على الأطفال بموجب اتفاق حقوق الطفل 1989، ولا تنفذ - أيضاً - في الحوامل والمرضعات وفاقدي الأهلية، ولا تتم الإدانة بها إلا بالدليل القطعي الذي لا يقبل الشك، إذ يميل النظر القضائي إلى إسقاط العقوبة عند نشوء شبهة ما في القضية، إعمالاً لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : «ادرؤوا الحدود بالشبهات». ولا تصدر عقوبة القتل إلا بعد نظر القضية نظراً مشتركاً من ثلاثة قضاة في المحكمة الابتدائية، ويجب أن يصدر حكمهم فيها بالإجماع، فإن صدر، عُرضت على محكمة الدرجة الثانية (محكمة الاستئناف) حتى لو لم يطعن في الحكم أحد الأطراف، ويتم تدقيقه من دائرة جنائية مكونّة من خمسة قضاة، فإذا صادقت محكمة الاستئناف على الحكم، عُرضت على المحكمة العليا، ويتم تدقيق الحكم من خمسة قضاة، وإذا صادقت المحكمة العليا على الحكم تكون قد اكتملت مراحل النظر القضائي. وما يجدر ذكره أن من أوجه سماحة الشريعة الإسلامية وحمايتها للحق في الحياة، أنه يمكن صدور العفو عن المحكوم عليه بعقوبة القتل من ولي الأمر (الملك) في جرائم التعزير، ومن أولياء الدم أو أحدهم في جرائم القصاص، وتسقط عقوبة القتل بالعفو من واحد من أولياء الدم ولو كان عددهم أكثر من ذلك. وأن من حق المحكوم عليه بالقتل قصاصاً، في حال وجود قُصّر من أولياء الدم انتظار بلوغهم سن الرشد ليقرروا العفو أو إيقاع العقوبة. وعملاً بقول الله تعالى: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، فإن لجان الإصلاح التابعة لإمارات المناطق تبذل جهوداً كبيرة في حث أولياء الدم على العفو عن القاتل بناء على أمر سامٍ صدر بهذا الخصوص. وفي ما يتعلق بتنفيذ عقوبة القتل، فإنه لا يتم إلا بصدور أمر سامٍ يكلف لجنة أمنية بتنفيذها بموجب نظام الإجراءات الجزائية. وفي ما يتعلق بالضمانات الجنائية، فقد تضمن نظام الإجراءات الجزائية أحكاماً تكفل تمتع السجين أو الموقوف بحقوقه بدءاً من ضبطه، وحتى إيقاع العقوبة عليه أو تبرئته، ومنها عدم إخضاعه للتعذيب أو المعاملة القاسية، وحقه في الحصول على المساندة القانونية (توكيل محام)، وحقه في التحقيق معه وفق الضوابط التي حددها النظام وغيرها. ولضمان إعمال النظام يقوم ممثلون عن هيئة التحقيق والادعاء العام، بزيارات دورية للسجون ودور التوقيف. كما يقوم ممثلون من هيئة حقوق الإنسان، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بزيارات دورية ومفاجئة للسجون ودور التوقيف من دون أخذ إذن من جهة الاختصاص، والوقوف على أحوال السجناء والموقوفين وتلقي شكاواهم ومعالجتها. كما أن وزارة الداخلية قد بادرت - أخيراً - بافتتاح مكاتب لهيئة حقوق الإنسان، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في بعض السجون، لرصد واستقبال شكاوى السجناء، ومتابعة أوضاعهم عن قرب. هذه هي أهم المعايير الدولية لتطبيق عقوبة الإعدام، فعن أي معايير يتحدث مسؤول المنظمة، ويؤكد أن المملكة لا تمتثل لها! وأضاف مسؤول المنظمة: «يشكل تعذيب الناس كي يعترفوا بارتكاب الجرائم، وإدانتهم في محاكمات شائنة من دون وجود مساندة قانونية كافية، ومن ثم إعدامهم إدانة مزرية للوحشية التي ترعاها الدولة في المملكة». ويتضح في هذا الكلام العدائية التي ينتهجها في طرحه، فهو به يريد التأثير في الرأي العام العالمي تجاه المملكة، مستبعداً الموضوعية والمهنية من حساباته، وهذا الأسلوب ينتهجه من يتذرع بحقوق الإنسان لتحقيق اعتبارات سياسية أو فكرية. والسؤال الذي يُجب أن يُطرح هو: كيف حكم بوجود تعذيب، وأن الإدانات تتم من دون مساندة قانونية، وفي محاكم شائنة، وهو في منأى عن الواقع المعاش في المملكة، ولم يستند في أحكامه هذه إلى أدلة أو حتى قرائن تسندها وتثبت صحتها؟ ألم يصف المحاكمات التي تتم في المملكة بأنها شائنة لعدم وجود مساندة قانونية، فماذا يجب أن توصف محاكمته للوضع في المملكة من دون أدلة تسند ادعاءاته؟ وقد ذكرت المنظمة في ختام البيان أن عقوبة القتل في المملكة تطبق في الجرائم غير العنيفة، وذكرت منها الاغتصاب والسطو المسلح والمخدرات، وفي المقابل قد أشارت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (المكلفة بمتابعة نفاذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) في أحد تعليقاتها، والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، إلى عدد من الجرائم غير شديدة الخطورة، ولم يُذكر بينها الاغتصاب ولا السطو المسلح! بل إن المحكمة الجنائية الدولية عرّفت مصطلح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان (الجرائم الأشد خطورة) في المادة (7) من ميثاقها، وذكرت من بينها الاغتصاب، واختطاف الأشخاص، وكل جريمة تتسبب في إيذاء النفس أو الجسد أو الصحة العقلية. نقلا عن صحيفة الحياة