الوعود البراقة تكسب ثقة مؤقتة لا تلبث أن تنهار مطلوب خطة شاملة تتكامل فيها خطوات جميع الوزارات الحزم واستخدام القوة المشروعة تكسب تأييدا جماهيريا واسعا الهجوم الكاسح علي وزارة الدكتور عصام شرف السابقة لم تحركه رغبة جماهيرية في إبعاد وزراء ينتمون الي نظام مبارك فحسب بل حركته بنفس القدر الارتباك والعشوائية التي كانت السمة البارزة لأداء الوزارة السابقة،ويأتي التشكيل الجديد للوزارة الحالية ليستبعد عددا من الوزراء المنتمين - حسب تقدير الثوار - الي نظام الرئيس المخلوع، ولا شك أن التشكيل الجديد يضم عددا من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة والمشهود لها باتخاذ مواقف شجاعة ضد فساد النظام السابق. ولكن إذا كان وجود هذه الشخصيات يبعث الطمأنينة في القلوب نسبيا فإن الممارسة العملية هي الاختبار الحقيقي الذي سوف يثبت نجاح أو فشل هذه الوزارة الجديدة في اتخاذ خطوات جادة علي طريق تحقيق أهداف الثورة وفي بناء مناخ صحي خلال الأيام القليلة المتبقية علي قيام مؤسسات الدولة الدائمة وهو المناخ الذي يرسي الأمن علي قواعد راسخة ويسمح لعجلة الإنتاج بأن تبدأ في الحركة المستمرة تمهيدا للانطلاق الي آفاق النهضة المرجوة في جميع المجالات. مراجعة أمينة لأسباب الفشل البداية الطبيعية تتطلب تشخصيا دقيقا للأخطاء والعلل التي أدت الي فشل واضح لوزارة د. شرف السابقة في أكثر من مجال: أولا: الأمن.. كان المطلب الشعبي المُلح هو إعطاء أولوية قصوى لإعادة الأمن بقوة وفاعلية.. وكان التصور أن تلمس الجماهير وبسرعة فائقة وجودا فاعلا لرجال الشرطة يحقق الأمن في كل شارع ويطمئن الجماهير وكانت وعود الدكتور شرف المتكررة بإعادة الأمن لا يتحقق منها شيء يلمسه المواطن في حياته اليومية، وكثرت التبريرات التي تتحدث عن نقص في الأدوات والمعدات والأفراد، وتدهورت الحالة الأمنية بدرجة رهيبة وأصبح تحدي القانون سلوكا نلحظه في كل مكان علي أرض مصر، من بناء مخالف يلتهم الأرض الزراعية في الريف ويهدد حياة المواطنين في المدن، الي تحويل الشوارع والميادين في القاهرة ومدن مصر الي أسواق عشوائية، الي ترك المواطنين يواجهون عمليات البلطجة والابتزاز التي يمارسها مسجلون خطر أسماؤهم معروفة للداخلية، وبدا واضحا حكومة د. شرف عاجزة تماما وفاشلة بامتياز في إدارة ملف الأمن الذي لم تقف آثاره المدمرة عند حد شعور المواطن بفقدان الأمن والأمان بل تجاوز ذلك الي فقدان هيبة الدولة واجتراء المجرمين بدرجة تثير الفزع، وزاد الطين بلة التعامل الرخو والضعيف في مواجهة مظاهر الخروج الصارخ علي القانون، واللجوء الي رجال الدين لاستعطاف متحدي القانون، هذا السلوك شجع الجميع علي تحدي القوانين وأصبحت الفوضي هي سيدة الموقف، والدكتور شرف هو المسئول الأول قبل وزير الداخلية عن هذا الفشل الأمني الذريع لأن الدكتور شرف ومعه وزير الداخلية أرادا كسب التعاطف الجماهيري بالتعامل الرخو مع أبشع مظاهر تحدي القوانين. ثانيا: ملف الإعلام.. تعامل د. شرف وحكومته مع هذا الملف بارتباك وعشوائية بالغة الغرابة، وعالج الاحتقان الطبيعي في وسائل الإعلام التي ظلت تحت سيطرة رجال الرئيس المخلوع لفترة طويلة، وعندما تحركت لعلاج ملف الصحافة جاءت خطوات العلاج متأخرة، وناقصة. أما ملف الإعلام المرئي والمسموع فظلت حكومة د. شرف تتعامل معه بارتباك شديد، وعشوائية تبعث علي الرثاء، وكان النتيجة الطبيعية فشلا ذريعا وفريدا من التخبط والانهيار. ثالثا: ملف محاكمات رموز النظام السابق.. وتسبب البطء الشديد في المحاكمات والغموض والتردد في القبض علي العديد من رموز الفساد هذا كله أشعل غضب الجماهير التي لم تهدأ إلا قبيل أيام من تعديل الوزارة عندما اتخذت الإجراءات للإسراع بالمحاكمات وتقديم عددا آخر من رؤوس الفساد الي المحاكمة. الحزم المفقود الملفات التي فشلت حكومة د. شرف السابقة فيها كثيرة أما الملفات التي تحقق فيها بعض التقدم فيرجع الفضل فيها الي شخصية الوزراء في المواقع التي تحقق فيها قدرمعقول من القدرة علي اتخاذ القرار المناسب بغير مراعاة التوازنات والمواءمات والتي راعت المصلحة العليا وحسب، ولعل النجاح اللافت للنظر الذي قابلته الجماهير بكل الحماس للدكتور نبيل العربي عندما تولي وزارة الخارجية وقرارات الدكتور جودة عبدالخالق وزيرالتضامن الاجتماعي وقرارات وزيرالداخلية الأخيرة الخاصة بحركة الشرطة. هذه النماذج التي حققت نجاحا ملحوظا أو نجاحا نسبيا تثبت أن امكانية النجاح متوفرة، وأن الشرط الأهم الذي يحقق النجاح هو توفر الرؤية الواضحة للهدف الذي يحدده صاحب الرؤية والقدرة علي اتخاذ القرار وتنفيذه حتي وإن ارتفع بعض الأصوات التي لا ترضيها هذه القرارات باحتجاجات غاضبة تعتمد علي الصخب والصراخ بغيرحق، ولا يعني هذه الموافقة علي اتخاذ أي وزير لقرارات - مهما كانت خاطئة - والإصرار عليها وتحدي الجماهير، بل يعني أن يتخذ الوزير القرارات الصائبة بعد دراسة ثم يتحرك بجدية لتنفيذها ويصغي باهتمام للملاحظات الجادة علي القرارات اذا أثيرت بطريقة موضوعية ولا شك في أن الوزير الذي يتمتع بشخصية قوية وحازمة وقدرة علي اتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذها، مثل هذا الوزير لايتردد في الاستماع باهتمام لأصوات النقد الجادة بل ولا يتردد في مراجعة قراراته إذا ثبت أنها قرارات خاطئة، المهم أن يكون الوزير صاحب قرار وقدرة علي التنفيذ. تكامل الجهود لتحقيق هدف محدد نماذج النجاح التي أشرت اليها تعود كلها الي اجتهادات شخصية وهذا نموذج لا يمثل خطوات ملموسة علي طريق تحقيق أهداف الثورة التي تحتاج الي تناسق الخطوات علي طريق محدد نحو هدف واضح تحققه الحركة التي تتم في إطارخطة شاملة تتكامل فيها كل الخطوات. من هنا كانت الأهمية الكبري للعمل الجماعي لمجلس الوزراء ضمن رؤية وخطة واضحة يساهم في تحقيقها كل عضو بالوزارة وهو يدرك بوضوح موقع خطواته في إطار الخطة الموضوعة وآليات التحرك المرسومة بدقة للوصول الي تحقيق الأهداف التي حددتها الخطة. وفي هذا المجال فإن التوقف أمام أشخاص الوزراء - مع أهميته - ليس هو الطريق الي النجاح المطلوب، العمل الجماعي في إطار خطة واضحة هو الأسلوب السليم، فهل يتحقق بالتشكيل الجديد ما نرجوه من تكامل الخطي؟! المتفائلون - وأنا منهم - يرون أن وجود نائبين لرئيس الوزراء لكل منهما مهام واضحة سوف يساهم في أن يتبني مجلس الوزراء الجديد أسلوب وضع الخطط الواضحة ورسم السياسات بوضوح خاصة أن شخصيتي النائبين (الدكتور علي السلمي والدكتور حازم الببلاوي) لديهما القدرة والخبرة المتميزة في المجالات التي يتولي كل منهما المسئولية عنها. المطلوب خطوات عملية سريعة إذا أرادت هذه الوزارة أن تطمئن الجماهير الي أنها لن تكون نسخة من الوزارة السابقة فعليها أن تبدأ فور حلف اليمين باتخاذ خطوات سريعة لكسب ثقة الجماهير، وأن تبتعد عن إطلاق الوعود البراقة أو ترديد الشعارات لكسب تعاطف الجماهير، هذا التعاطف الذي لا يلبث أن ينقلب الي سخط اذا لم تتحقق هذه الوعود. أما كسب ثقة الجماهير فيحتاج الي قرارات محددة تلمس الجماهير أثرها الايجابي في حياتها اليومية، وأؤكد أن بعض القرارات والإجراءات التي لا تحتاج الي جهد كبير أونفقات كثيرة يمكن أن تكسب ثقة الجماهير في أيام. 1 - وضع الأمن بكل مظاهره علي قمة الأولويات بدءا من إزالة الأسواق العشوائية التي أغلقت شوارع وميادين القاهرة والمدن بل والحزم في تطبيق قانون المرور وصولا الي التحرك المستمر بقوات خاصة لمطاردة البلطجية وتجارة المخدرات التي أصبحت تباع علنا في الشوارع، وتكليف أقسام الشرطة بالتحرك السريع والجاد للتحقيق في بلاغات المواطنين وبشكل عام إعادة الانضباط بدرجة كبيرة الي الشوارع وبكل حزم وعدم السماح مطلقا وتحت أي ذريعة ولأي فئة بقطع الطرق أو تعطيل العمل بالمصانع أو المنشآت العامة والتعامل بحزم وبكل القوة المشروعة لتحقيق هذا الانضباط الأمني الذي يعيد للدولة هيبتها تكاد تضيع وأؤكد أن الجماهير سترحب كل الترحيب بكل هذه الخطوات الحازمة، بل وسوف تساعد الشرطة في هذا الأداء، والنتيجة السريعة لهذا الانضباط ستحقق أهدافا كثيرة منها استعادة ثقة الجماهير في الجهاز الأمني وبدء عودة عجلة الإنتاج في مختلف المؤسسات الي الدوران وتهيئة المناخ الجاذب للسياحة والاستثمار وبالتالي تعافي الاقتصاد الذي توشك حالة الفوضي أن تدمره. 2 - الاهتمام الحقيقي بالإعلام الرسمي ليس فقط ليستعيد هذا الإعلام مكانته الطبيعية كإعلام رائد في المنطقة العربية بل ليؤدي مهمة بالغة الخطورة في مجال التنوير في مواجهة فضائيات كثيرة تنفث سموم التعصب والتخلف وفي مجال تجليةن الحقائق التي تضيع وسط ركام المغالطات والأضاليل التي تتدفق من قنوات بغير حصر. وفي هذا السياق يحتاج الإعلام المرئي والمسموع بشكل خاص الي دراسة جادة وموضوعية لإنقاذه من أزمة حقيقية ومع ثقتي الكاملة في كفاءة وإخلاص الوزير الجديد الأستاذ أسامة هيكل إلا أن الإصلاح والتطوير لجهاز تراكمت أزماته وترهل بدرجة خطيرة تحتاج الي مؤتمر يعقده وزير الإعلام يضم جميع الخبرات التي قادت العمل بهذا الجهاز لتتحاور وتصل الي توصيات عملية ولا أتردد في القول وبكل وضوح إن هذه الخبرات هي القادرة علي فهم ومعرفة التعقيدات والتشابكات التي أدت الي انهيار كبير وفساد أكبر وأن الأساتذة الأكاديميين في كليات الإعلام - مع كل الاحترام لمكانتهم العلمية - ليست لهم دراية معقولة بأمور هذا الجهاز الذي لايعرف أسراره إلا أبناؤه. هذه مجرد عينة من قرارات وإجراءات يمكن أن تتم بسرعة وبها تكسب الوزارة الجديدة ثقة الجماهير وتهيئ المناخ الذي يسمح بفرصة مناسبة لهذه الوزارة لإنجاز خطوات أبعد علي طريق إنقاذ الوطن