منح المشرع الدستوري المصري بدستور 2014 هيئة قضايا الدولة الصفة القضائية والاستقلالية التامة عن السلطة التنفيذية بغرض الدفاع عن الحقوق والأموال العامة ومحاربة الفساد ولتكون أمينة علي الحقوق كأمانة القضاة بالدعاوي القضائية «قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، تنوب عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوي، وفي اقتراح تسويتها ودياً في أي مرحلة من مراحل التقاضي.. إلخ». وكذلك نصت المادة السادسة من القانون رقم 10 لسنة 1986 بشأن اختصاصاتها «تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدي كافة المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها.. إلخ». ومما تقدم يتبين لنا أن المشرع المصري قد كلف أعضاءها بواجبات مهمة للدفاع عن الحقوق والأموال العامة والحفاظ عليها بكافة الشخصيات الاعتبارية العامة بالدولة. وبالبحث علي أرض الواقع عن حقيقة ذلك نجد أن الأمر يختلف اختلافاً كلياً عما أراده المشرع، حيث إن غالبية ومعظم الحقوق والأموال العامة بالدولة لا تدخل في اختصاصاتها بل تدخل في اختصاص المحامين بالإدارات القانونية الخاضعين للقانون رقم 47 لسنة 1973 بالهيئات والمؤسسات العامة والبنوك والشركات العامة. والتساؤلات التي تطرح نفسها ما هي أسباب عدم قيام أعضاء أو محامي هيئة قضايا الدولة بالدفاع عن كافة الشخصيات الاعتبارية العامة بالدولة وبالمخالفة لاختصاصاتها كما وضحنا آنفاً فنري أن أسباب وجود هذه الازدواجية الحالية تعود إلي: أولاً: رغبة الفاسدين بالأنظمة السابقة في الاعتداء علي المال العام وسلبه ونهبه فجعلوا حماة المال العام يخضعون لقانونين مختلفين، فئة بنقابة المحامين تابعة وملاكي للسلطة التنفيذية يأتمرون بأوامرهم فتعيينهم وترقياتهم وبدلاتهم ومكافآتهم في أيديهم ولا يتمتعون بأدني استقلال مثل زملائهم وأقرانهم محامي هيئة قضايا الدولة الذين يقفون معاً يترافعون في قضايا واحدة. ثانياً: عدم قيام هيئة قضايا الدولة بالمطالبة بمباشرة اختصاصاتها في الدفاع عن كافة الشخصيات الاعتبارية العامة وفقاً للمسطر بنصوص قانونها في الوقت الذي كان يريد البعض منهم التخلي عن الدفاع أمام المحاكم وإنشاء نيابة مدنية لهم بالقضاء العادي بدستور 2012 أو الحصول علي بعض اختصاصات قضاة مجلس الدولة بدستور 2014. ثالثاً: استخدام مجالس نقابة المحامين لحماة المال العام بالهيئات والمؤسسات والبنوك والشركات العامة كورقة انتخابية دون النظر لاستقلالهم كأقرانهم أو حماية المال العام. رابعاً: رغبة البعض بالهيئات القضائية في الندب للجهات الحكومية لنيل البدلات والمكافآت المالية ولنراجع العقود الفاسدة التي تم إبرامها لبيع أملاك الدولة. يا سادة إن مصلحة الشعب المصري العظيم الذي قام بثوراته وحماية الحقوق والأموال العامة ومحاربة الفساد فوق الجميع، خاصة البعض المصابين بالأنانية بهيئة قضايا الدولة الذين لا يرغبون مساواة أحد بهم بحجة استقرار المراكز القانونية أو مخافة مزاحمتهم فنذكرهم بما ذكرته المحكمة الدستورية العليا من مبادئ كالحكم الصادر بجلسة 6/12/1997 بالدعوي رقم 86 لسنة 18 ق دستورية «وكان استقلال المحامين في أداء أعمالهم واحتكامهم إلي ضمائرهم وسلطان القانون دون غيرهما ينفي بالضرورة تبعيتهم لجهة عمل تتولي توجيههم وفرض رقابتها عليهم». ثم نكتفي بما سطرته هيئة قضايا الدولة نفسها بمذكرة دفاعها بالدعوي رقم 1822 لسنة 6 ق بمجلس الدولة «أما المحامون العاملون بالإدارات القانونية بالهيئات والمؤسسات العامة وإن كانوا يمارسون ذات اختصاص وإجراءات أعضاء هيئة قضايا الدولة إلا أنهم لم يكتسبوا اختصاصات وسلطات الهيئة القضائية». يا سادة بعد هذا الإقرار من هيئة قضايا الدولة نفسها بوحدة الاختصاص بين هؤلاء وهؤلاء فإنه من الواجب ولصالح المال العام والعدالة أن يخضع كافة محامي الشخصيات الاعتبارية العامة سواء السادة أعضاء هيئة قضايا الدولة أو محامي الهيئات والمؤسسات والبنوك والشركات العامة لقانون واحد وهو القانون الخاص بهيئة قضايا الدولة رقم 10 لسنة 1986 ويندب منها أعضاؤها للقيام بالأعمال القانونية بكافة الشخصيات الاعتبارية العامة بالدولة مع عدم الإخلال باختصاصات النيابة الإدارية ومجلس الدولة.