الدكتور محمد داود أستاذ اللغويات ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة قناة السويس، الأمين العام للمركز العالمي للقرآن الكريم وعلومه داعية إسلامي كبير يتمتع بثقافة لغوية عميقة، وهو مفكر يتذوق الكلمة فقد تأثر «داود» في مرحلة تكوينه الأولي بعلماء أجلاء أبرزهم الإمام المربي الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق والمفكر الإصلاحي الشيخ محمد الغزالي وإمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمهم الله جميعاً. لم يقف «داود» عند ذلك الحد، بل اختير خبيراً بمجمع اللغة العربية، وتأتي مشاركته في العمل الدعوي بصورة متعددة، إذ أسس معهد معلمي القرآن الكريم، وأسس مكتبة العطاء لطلبة الدراسات العليا، فضلاً عن لجنة الزكاة بالمركز الإسلامي بالعمرانية، وفي الحقيقة فإن المرء يحار في فكر الدكتور «داود» فهو المفكر الإسلامي واللغوي والداعية في وقت واحد، وأشرف علي موقع بيان الإسلام، وقد صدر له أكثر من 20 مؤلفاً منها «القرآن الكريم وتفاعل المعاني» و«كمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم»، وفي مجال تحقيق التراث صدرت له مؤلفات عدة أهمها «معجم الألفاظ القرآنية للقليبي»، وفي مجال الدعوة الإسلامية فهناك «آلام أمة بين القدس وغدر اليهود» و«مواقف وعبر» و«القرآن وصحوة العقل».. حاورناه في أمور شتي وتطرق الحديث إلي موسوعة بيان الإسلام التي ترد علي الافتراءات التي تثار حول الإسلام ورموزه وغيرها من القضايا.. وهذا نص الحوار مع فضيلته. سألته في البداية.. ما معني أن العربية مهددة بالانقراض وهي لغة القرآن الكريم؟ - قال: حقاً إن ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم له أثر بالغ في حفظها وحمايتها من الانقراض، لكن بقاءها حال ضعف العرب وتنكرهم لها، يبقي في حدود اللغة الدينية المتمثلة في أداء العبادات كالصلاة والدعاء والحج وخطب الجمعة وتفسير القرآن والحديث النبوي والفقه.. إلخ، لكنها تختفي وتنقرض الآن شيئاً فشيئاً عن الاقتصاد والاستثمار وسوق العمل ومجال العلوم «الطب والهندسة والفلك» والتقنية الحديثة، والواقع يشهد زهد أهلها في هذه المجالات وغيرها والنظرة القاصرة السلبية لأهمية العربية التي تقصرها علي الأهمية الدينية، لصلتها بالقرآن والدين أمر يحرم العربية من أن تكون شريكاً في مجالات الحياة العملية، فاللغة العربية فضلاً عن أهميتها الدينية لها أهمية اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية، فانتشار العربية تمتد معه زيادة فرص العمل والتجارة وتبادل المنافع مع الشعوب الأخري والتعريف بالرصيد الثقافي العربي البديع للعربية، تلك اللغة الخالدة المتفردة في البقاء منذ أكثر من 17 قرناً من الزمان يتيح الفرصة للسياحة والمهرجانات الثقافية ليطلع الناس علي سر العظمة وأسباب الخلود، ونشر العربية ودعمها والاهتمام بها بين الشعوب العربية والإسلامية يساعد علي خلق موقف موحد تجاه القضايا الكبري في الأممالمتحدة بما فيه صالح الأمة العربية والإسلامية، وهذه مكاسب سياسية لا يستهان بها يمكن أن تحققها العربية، والعربية لها أهمية اجتماعية في التواصل الاجتماعي الذي يضمن بقاء حياة اللغة بين أهلها مما يعزز تماسك الأمة ووحدتها. خصوم الإسلام لا يكفون عن إثارة الشبهات والافتراءات ضد القرآن وضد النبي صلي الله عليه وسلم وضد السنة النبوية المطهرة.. فما دوافع الحرب علي القرآن في رأيكم؟ - إن من أهم دوافع الحرب علي القرآن هو الدافع النفسي، من خلال تزييف الحقائق وتحريفها تعبيراً عن الإخفاق والعجز عن مواجهتها، فالعجز عن مواجهة الخصم يتحول في الأعم الأغلب إلي الافتراء عليه، كما أن التلبس بالصفات السلبية دافع لوصف الآخرين بها درءاً للاتهام علي طريقة «رمتني بدائها وانسلت»، وهو ما يعرف عند علماء النفس بالإسقاط والإسلام هو الأقوي، فقوته ليست من قوة أتباعه كما في العقائد الأخري ولكن قوته ذاتية تتأتي من ربانية هذا الدين، وهناك دافع معرفي هو إخفاق الغرب في مواجهة الإسلام فكرياً علي الرغم من هزيمة المسلمين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في الوقت المعاصر، فلم يكن أمام الغرب سوي تشويه رسالة الإسلام، ودافع المصلحة، فالمنتفعون علي مستوي العالم بتجارة الرقيق الأبيض والربا والخمور والمخدرات وأسلحة الدمار الشامل ومؤسسات الربا العالمية ومؤسسات الأزياء والتجميل.. إلخ، يحاربون القرآن والإسلام لأنه يحرم هذه الموبقات التي أورثت العالم الغلاء وكان الكثير منها من وراء إثارة الفتن والحروب في العالم الثالث ترويجاً لتجارتهم وجعل هذه البلاد أسواقاً للسلاح والمخدرات وتجارة الرقيق الأبيض. ماذا عن موسوعة «بيان الإسلام» والرد علي الافتراءات والشبهات وما السبب في إصدارها في الوقت الراهن؟ - هذه الموسوعة تعد أكبر قاعدة علمية شاملة للرد العلمي علي الشبهات والأباطيل والافتراءات، وقد شارك فيها أكثر من مائتي عالم وباحث في تخصصات مختلفة وهي خلاصة لخبرات علماء الإسلام سلفاً ومعاصرين في الرد الجميل بحكمة وبصيرة علي ما يثار من شبهات ضد الإسلام، وقد استغرق إعدادها خمس سنوات من العمل المتواصل في صمت لفرقة من كبار العلماء كل في تخصصه مثل الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور الأحمدي أبوالنور، وتشمل الرد علي قرابة 1200 شبهة وتقع في 24 مجلداً، وذلك لما يتعرض له الإسلام من تهجم سافر تجاوز كل حدود الإنسانية علي الفضائيات والإنترنت والكتب والإساءات المقصودة المتكررة للنبي صلي الله عليه وسلم، وذلك لبيان الحقائق أمام الشباب الذي يسأل هل هذه الشبهات صحيحة؟ وماذا عن المنهج الذي قامت عليه الموسوعة وإلي من توجه؟ - اتخذت الموسوعة المنهج العلمي الذي يعتمد علي مناقشة الأفكار وبيان فكرة الشبهة وبيان أفكار الرد عليها والبدء بالدليل العقلي في الرد، لأن المخالف لا يؤمن بقرآن ولا سنة، كما اعتمدت علي إلحاق الرد النقلي بعد التأسيس العقلي له، وقد التزمت الموسوعة بالوسطية الفكرية، وتوجه هذه الموسوعة إلي الشباب وعامة المثقفين لإزالة أي لبس أو تشويش، والدعاة لتكوين مرجعية علمية لهم إذا ما سئلوا أو تحدثوا في الشبهات وأصحاب الديانات السماوية الأخري لبيان الحقائق لهم وكذلك الباحثين في مجال الشبهات والحوار بين الأديان. أخيراً.. ما أثر السياسة المعاصرة في اللغة الوطنية؟ - للغة دور أساسي في خدمة الأغراض السياسية وتشكيل الوعي السياسي، فإن دور اللغة في السياسة لا يقل خطراً عن دور أسلحة الدمار في أيدي العسكريين، ويمكن إجمال أثر السياسة في حقائق عدة منها أن ضياع اللغة أو ضعفها ضياع للقومية أو إضعاف لها، وبالتالي إضعاف للسيادة الوطنية، وأن الحفاظ علي اللغة الوطنية من أقوي سبل المحافظة علي خصوصية كل شعب وقوميته وأصالته، وأن السياسة تعصف بالواقع اللغوي عصفاً رهيباً، فالأقوياء لغتهم لها التمكين والسيطرة والشيوع، أما الضعفاء فلغتهم لها الضعف والإزاحة من مواقع القوة والتأثير، فالتاريخ يصنعه الأقوياء، وأن اللغة من أقوي عوامل المحافظة علي الهوية والقومية والسيادة، ومن الخطورة بمكان أن يفرط الإنسان في لغته، لأن معني هذا أنه يفرط في ذاته وتراثه وأصالته ومصيره الذوبان في الآخر والتلاشي من الحياة، ولهذا فإن ما يعطي اللغة قوتها وحيويتها هو وعي الأمة وحرصها علي رعاية لغتها وحمايتها وانتشارها، واليقين الجازم بأنها صالحة لمقتضيات العصر ومعطيات الحضارة ومستجدات التطور.