المفكر الاسلامي د. محمد الشحات الجندي الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للشئون الاسلامية تولى مناصب عديدة من قبل، فقد شغل منصب عميد كلية الحقوق جامعة حلوان، وسافر «الجندي» الى دول كثيرة من أنحاء العالم في مؤتمرات كثيرة لمناقشة قضايا اسلامية كبرى، فهو عالم واستاذ في علم الشريعة يتمتع بالفهم العميق لتلك القضايا، له رؤية واضحة للواقع الاسلامي مع الوعي العميق بكل سبل التحرر من هذا الواقع الذي ألقى بظلاله على المجتمع كله، ثم إن له دوراً ريادياً وفعالاً في الدفاع عن الاسلام والمسلمين في كل مكان حل به او ارتحل عنه، وهو بعد هذا شخصية علمية قانونية متميزة، ومفكرنا له دور في ميادين البحث والمعرفة، وله العديد من الافكار القيمة والاجتهادات المفيدة في مجال الشريعة الاسلامية، وقد أسهم بفاعلية مؤثرة في تقويم وتعميق الفكر الاسلامي، له مؤلفات عدة ذات صبغة اسلامية وقانونية، وآخرها مؤلف بعنوان «الدولة المدنية بين الاسلام والغرب» تناول فيه قضية الدولة المدنية والدولة الدينية التي بات طرحها أمراً مهماً في ظل الاحداث التي تمر بها المنطقة العربية والاسلامية بأسرها، لكن بعيداً عن السياسة تحدثنا مع هذا العالم عن قضايا دينية وكانت اجاباته في نص هذا الحوار: سألته في البداية عن أهمية التكافل الاسلامي وأثره في المجتمع الاسلامي لرعاية الفقراء والمحتاجين خاصة أننا في شهر التكافل؟ - قال: نظام التكافل الاسلامي هو الضمان القوي لتماسك المجتمع وهو بمثابة اداة فاعلة في مجال رعاية القراء والمحتاجين وتوفير متطلباتهم من الغذاء والكساء والعلاج وقد اعترف الاسلام بالتفاوت بين الناس وأسس المجتمع على التكافل والرحمة وارسى مبدأ العدالة في اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات قال تعالى: «للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن» ودعا الاسلام الى تبني التكافل في مفهومه الشامل حتى ينهض المجتمع على أسس عقائدية ودينية وحقائق حياتية تتعلق بالمعايش والأقوات وسبل الاجتماع ويغطي الأمور المادية والمعنوية على نحو يتجلى فيه شعور الجميع بمسئولية بعضهم عن بعض، وهكذا نرى أن التكافل في الاسلام فريضة وليس مجرد فضيلة وأنه حق وليس منحة، كما أنه احد موازين العدالة المجتمعية والتكافل في الاسلام يشمل الاحسان الى الأهل والاقارب والمبادرة الى تلبية مطالبهم، والبر بهم والانفاق عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» كما يشمل الجيران واليتامى والمساكين والمسافر المنقطع عن ماله وابن السبيل ويتدرج من هذه الفئات الى المجتمع بأسره ثم الى الأمة كلها، بحيث تتحقق الرعاية بكل معانيها. وما أثر غياب التكافل الاسلامي في المجتمع وكيف ترى حاجة المسلمين لإحياء مفهومه؟ - الرسول صلى الله عليه وسلم أرسى مفهوم التكافل للمجتمع الاسلامي وجعله حقيقة تتكاتف فيها جهود المجتمع حتى يتراحم أفراده، فيما بينهم، ويحصل كل فرد على حاجاته الضرورية بقدر كفايته وفق ضوابط عادلة وهي مسئولية ولي الأمر، ولا شك أن استعادة هذه السوابق الاسلامية في حياتنا المعاصرة تعد مطلباً جوهرياً وسفينة انقاذ للأوضاع المزرية في علاقة المسلمين بعضهم البعض، بعد أن تراجع مفهوم الاخوة والتضامن الاسلامي، وأصيبوا بمرض الشح والطمع وتخلى بعض الأثرياء عن مسئولياتهم تجاه فقراء المجتمع وأهملوا التكافل الاجتماعي الذي كان علامة من علامات هذه الأمة، فما أحوجنا اليوم الى أن نهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدى الراشدين في إحياء سنة التكافل الاجتماعي حتى تتغلب الأمة على خلافاتها وتحيا على التضامن ومشاركة القادرين وغير القادرين. وهل الاسلام ارسى ضوابط وضمانات لنجاح التكافل في تحقيق أهدافه؟ - بالتأكيد.. إن الاسلام أرسى أسساً وقيماً تضمن دفع أعمال الخير، فقد فرض على القادرين أن يؤدوا حق الفقراء والمساكين في المال الذي أعطاهم الله اياه والرزق الذي دفعه اليهم، قال تعالى: «والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم» فحق المحتاجين في أموال القادرين يتعلق بضوابط يتعين على الغني الالتزام بها، التزاماً مفروضاً ليس من باب المنة والاحسان وقد حدد الاسلام مسئولية الجماعة المسلمة والأمة عن رعاية فقرائها، وسمح للفقير بأن يطلب حقه من الأغنياء اذا منعوه اياهم، فالحقوق في الاسلام فرائض ايمانية ليس مناطها التفضل أو المجاملة أو الاحسان انماهى واجبات مرعية والتزامات حتمية، ان الدولة الاسلامية ملتزمة بالقيام بمسئولياتها في تمكين الفقراء ومحدودي الدخل من الحصول على ما يكفي حاجاتهم، وجعل القرآن سد الحاجة الضرورية من عين البر كتعبير عن الايمان بالله قال تعالى: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وأتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب». مؤخراً ظهرت محاولات قوية لتأجيج الصراع بين السنة والشيعة.. فكيف برأيك يمكن تجنب هذا الصراع؟ - للأسف الشديد هذه نبرة غير قويمة وغير حميدة، وهذا ما يريده الأمريكان والعالم الغربي الذي يريد استقطاب الاسلاميين الآن، ولابد من عدم الوقوع في الفخ الذي نصبه العالم الغربي، فالتقريب بين السنة والشيعة فريضة اسلامية مقررة بنص القرآن والسنة كما في قوله تعالى «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون»!! «الانبياء 92» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» رواه مسلم، وهو ما يعني ان التوحيد بين السنة والشيعة ركيزة شرعية وفريضة حتمية لا يتسنى للأمة أن تنهض وأن تحقق مقاصد الاسلام ونهضة المسلمين الا عن طريق هذه الوحدة، فالفرقة تمكن أعداء الأمة من النيل منها، فلا داعي لاثارة الفرقة والتحزب وينبغي أن ينضوي الجميع تحت راية الاسلام وقبلته وكتاب الاسلام ونبي الاسلام ويتناسى كل منهم خلافاته ويطرحها خلف ظهره، فالمصلحة الآنية والمهمة والتي ينبغي تحقيقها هى التقارب السياسي والاقتصادي والاجتماعي حتى تقوم أمتنا من كبوتها وتستعيد مكانتها. فضيلتكم عضو بمجمع البحوث الاسلامية فما رأيك في فكرة تدويل الأزهر اسلاميا كما هو الشأن في الفاتيكان؟ - أعتقد أنها فكرة مطلوبة للغاية لكنها توارت، فالأزهر بطبيعته ينتمي الى الاسلام، والاسلام دين عالمي، إذن تدويل الأزهر وجعله مؤسسة دولية هو الذي يتفق مع طبيعة رسالة الاسلام فأنا اعتقد أن فكرة «العالمية» تناسب الأزهر تماما، وفي ظل المرحلة الحالية ينبغي أن ندفع بهذه الفكرة جدياً خاصة أن الأزهر مؤهل لذلك في الحقيقة فهو لا ينجرف الى دهاليز السياسة أبداً.